من جهة الدول العربية، فهذه ليست مع إعادة تعويم القضية الفلسطينية بالشكل الذي تغطيه إيران. وليس قرار الحرب بالمطلق أمراً مرفوضاً طالما أنه لا يتمّ على أراضيها. ولا يمكن التعامل مع الحدث الفلسطيني إلا من زاوية عرقلة التطبيع وضرب حماس التي لا يكنّ لها كثير من العواصم العربية الود، من دون أن ننسى كذلك سوريا التي اختلفت معها لسنوات ولم تقدم على مصالحتها إلا قبل سنة. للدول العربية حسابات متعددة للانتقال الى مرحلة لا تشكل فيها القضية الفلسطينية عبئاً، بعد محطات مفاوضات تدريجية انتهت الى فوضى سياسية وأمنية. وبدل الكلام عن حق العودة الذي كان جوهر نقاش قمة بيروت والمبادرة العربية، صار الكلام عن «ترانسفير» جديد في الداخل الفلسطيني إلى الجوار.
برهن حزب الله في الأسبوعين الماضيين أنه لاعب وحيد في لبنان
من لا يريد الحرب الواسعة ثلاث: أوروبا التي تقع بين نارَي الحفاظ على وجود جيوشها العاملة ضمن القوات الدولية وانتقال بعض ملامح ردود الفعل العنفية ضد مواطنيها اليهود، أو الإرهابية الى أراضيها رداً على الاعتداءات الإسرائيلية؛ والولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل دعماً غير مشروط، ولا ترفض ضربة محددة، لكنها تقف عند حدود صراعات دولية لا تسمح بالتورط في حرب شرق أوسطية كبرى، ويضغطها عامل الوقت قبل دخول سباق الانتخابات الرئاسية فيها، عطفاً على مصالحها في الاستمرار في ترتيب علاقات الدول العربية مع إسرائيل.
تبقى إيران. لبنانياً، وفي ظل غياب متوقع تدريجي للدول العربية عن لبنان لمصلحة فلسطين، إضافة الى انصراف العالم الغربي عن لبنان لمصلحة إسرائيل، يمكن لإيران أن تكون صاحبة النفوذ الأكبر، وهي تستفيد من توقف الحرب عند العتبة التي وصلت إليها، رغم الاستعداد لها، وهي تمتلك نفوذاً في التهدئة يعادل مكسباً عسكرياً. حتى الآن، هي الرابحة من إمساكها القضية الفلسطينية ورقة في يدها وإعادة تأجيجها على مستوى العالم، ووضعها على الطاولة في وجه الدول العربية. وهي تستفيد من الإطار العسكري الذي وإن أعلنت عدم علاقتها به، إلا أن العملية التي قامت بها حماس كسرت في يومها الأول الآلة العسكرية الإسرائيلية، في وقت يستمر فيه تأكيد التنسيق بين التنظيمات الموالية لها عسكرياً. النقطة الأخيرة، يمكن التوقف عند الإيقاع العسكري اليوم في معادلة توازن الرعب بين إسرائيل وحزب الله على الحدود الشمالية، مع كل ما يقوله الحزب عن قدرته العسكرية في مواجهة الجيش الإسرائيلي. ما تحقق حتى الآن، هو إمساك الحزب بورقة لبنان عسكرياً وسياسياً، وهذا قد لا تقدّمه له أي حرب واسعة، إذ إن الحزب برهن في الأسبوعين الماضيين أنه لاعب وحيد في لبنان. غياب القوى السنيّة والمسيحية فاقع عن المشهد السياسي الدولي والعربي. المسيحيون غائبون غياباً تاماً، كنيستهم السائحة، والتيار المنشغل بجولاته الانتخابية المناطقية، والقوات اللبنانية التي لا تملك عدة الشغل اللازمة دولياً، فضلاً عن القوى السنّية الحائرة بين دعم فلسطين وورقة إيران وفقدان مرجعياتها. لا شك أن حجم الغياب السياسي أحد أكثر تجلّيات الحرب حتى الآن في لبنان، ونفوذ إيران والحزب صار أكثر فأكثر مدعاةً لترتيب ستاتيكو عسكري جنوباً، في انتظار انكشاف الإطار الأوسع لحرب غزة.