كرّر الرئيس الأميركي جو بايدن، أوّل أمس، التعبير عن دعمه لـ«إسرائيل»، وتبنّى روايتها المتعلقة بقصف المستشفى المعمداني الأهلي في قطاع غزّة، ما أوقع مئات الضحايا وأثار احتجاجات وإدانات واسعة. وقال بايدن، خلال لقائه رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «بناءً على ما رأيته، تبيّن أن الفريق الثاني هو من نفّذه وليس أنتم».في ما يلي أربع حجج علمية تنسف الرواية «الإسرائيلية – الأميركية»:

أنقر على الرسم البياني لتكبيره


1- التهديد المسبق لإخلاء المستشفى المعمداني الأهلي في غزة
كان العدو الإسرائيلي قد هدّد 22 مستشفى في قطاع غزّة بالقصف، من بينها المستشفى المعمداني الأهلي، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية في غزّة. وقال المتحدث باسم الوزارة أشرف القدرة: «لن نرد على التهديدات الإسرائيلية بإخلاء المستشفيات»، بحسب قناة CNN وقناة الجزيرة، أصيب أحد أقسام المستشفى المعمداني الأهلي في غزّة السبت الماضي (14/10/2023) بأضرار جسيمة إثر قصف إسرائيلي، بعد تلقيه تحذيرات إسرائيلية بضرورة الإخلاء الفوري. وفي 14 تشرين الأول، أدانت منظمة الصحة العالمية الأوامر الإسرائيلية المتكررة بإخلاء 22 مستشفى في شمال غزّة، يوجد فيها أكثر من ألفي مريض يُعالجون في أقسامها الداخلية. وكان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية أحمد المنظري قد أشار إلى أن المنظمة سجلت 111 حالة استهداف لمنشآت صحية في قطاع غزّة منذ بداية العدوان.
هذه التهديدات الموثّقة تشير بوضوح إلى نيّة إسرائيلية مسبقة لاستهداف المستشفيات.

2- تحذير المستشفى بقذيفتين
في مؤتمر صحافي (18/10/2023)، قال وكيل وزارة الصحة في قطاع غزّة، يوسف أبو الريش، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي كانت قد حذرت المستشفى المعمداني الأهلي بقذيفتين قبل يوم من المجزرة. إثر ذلك، اتصلت إدارة المستشفى بمطران الكنيسة الإنجيلية البريطانية وأبلغته بواقعة القصف، وجرى طمأنة إدارة المستشفى بعد التواصل مع المؤسسات الدولية المعنية.
إضافة إلى ذلك، تضاربت الروايات التي قدّمها العدو الإسرائيلي التي تبنّت عملية القصف في بادئ الأمر، إذ أشار وكيل وزارة الصحة إلى أن ممثل منظمة الصحة العالمية في القطاع، الدكتور ماهر أبو ستة، سأل الجانب الإسرائيلي عن أسباب عدم تحذير المستشفى قبل قصفه، فكان الرد الإسرائيلي أنه جرى الاتصال هاتفياً بالمستشفى ولم يردّ أحد، فجرى التحذير عبر القذائف. كما للعدو اعتراف صريح بأنه قصف المستشفى لوجود مقاتلين من «حماس» فيه، وكان المسؤول الإسرائيلي، حنانيا نفتالي، قد حذف تغريدته سريعاً عن منصة «إكس»، والتي جاء فيها أن «طائرات حربية إسرائيلية قصفت قاعدة تابعة لحركة حماس داخل مستشفى في غزّة، ومقتل عدد من الإرهابيين. من المفجع أن حماس تطلق الصواريخ من المستشفيات والمساجد والمدارس وتستخدم المدنيين كدروع بشرية».
تصريحات المسؤول الإسرائيلي تشكل دليلاً على وجود دافع إسرائيلي لقصف المستشفى، وهو الادعاء الكاذب بأن لـ«حماس» قاعدة عسكرية فيه، علماً أن لا دليل أو إشارة إلى وجود قاعدة عسكرية في المستشفى أو في محيطه، ولم تظهر أي بقايا لأسلحة أو عتاد عسكري في المستشفى وفي المكان الذي جرى استهدافه ضمنه.

3- عدم تزامن إطلاق «الجهاد الإسلامي» لصواريخ مع قصف المستشفى
بعد مراجعة التغطية المباشرة للوسائل الإعلامية أثناء المدة التي سبقت قصف المستشفى، وبعد التدقيق في صفحات «الإعلام الحربي للمقاومة الإسلامية» على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يُوثّق أي خبر عن إطلاق «حركة الجهاد الإسلامي» أي صواريخ في الوقت الذي استُهدف فيه المستشفى الأهلي المعمداني. أضف إلى ذلك، عدم وجود أي تقارير تشير إلى أن الصواريخ التي أطلقتها فصائل المقاومة الفلسطينية منذ بدء عملية طوفان الأقصى ضلّت أو أخطأت الهدف أو سقطت عن طريق الخطأ، بل على العكس، إن الصور والفيديوات في العمق المحتلّ تظهر دقة الصواريخ في الاستهداف.
يدّعي الإسرائيليون وداعموهم أنهم أجروا تحقيقاً بالأمر وأن نتائج تحقيقاتهم تشير بشكل قاطع إلى أن «حركة الجهاد الإسلامي» هي التي قصفت المستشفى بالخطأ. وبدا الاتهام السريع، شبه التلقائي، لـ«حركة الجهاد» بارتكاب المجزرة كأنه كان محضّراً بشكل مسبق، علماً أن «إسرائيل» لا يمكن أن تكون المشتبه فيه والمحقق في الوقت ذاته. فكيف جرى التحقيق المزعوم من دون الكشف على مسرح الجريمة ورفع الأدلة؟ كيف تمكّن العدو من الوصول إلى استنتاجات حاسمة خلال ساعات قليلة على مجزرة بهذا الحجم؟
إن تعدد روايات جيش العدو الإسرائيلي بشأن استهداف المستشفى وحيرته بين تبرير الاستهداف من جهة، واتهام «الجهاد» بالاستهداف من جهة أخرى يدلان بوضوح على إرباك ومحاولات بائسة لتبرئة نفسه.
نشر المتحدث باسم جيش العدو الإسرائيلي فيديو يظهر الدمار في محيط المستشفى وكتب معلقاً: «فيديو التُقط صباحاً للمستشفى المعمداني. انظروا إلى الضرر نتيجة عملية الإطلاق الفاشلة على يد الجهاد الإسلامي والذي ينحصر على منطقة ساحة وقوف السيارات المجاورة للمستشفى ولا يشبه الحفرة الناتجة عن شنّ غارة. كما يمكن ملاحظة أن المباني المجاورة للمستشفى لم تتعرض لأي ضرر. هذا دليل آخر على صدق كلامنا وزيف دعاية حماس». وبغض النظر عن أن الفيديو والصور لا تثبت رواية العدو الكاذبة، لا من حيث طبيعة الدمار أو حجمه ولا تدحض حقيقة أن السلاح المستعمل كان جو - أرض، المستغرب هنا هو أن هذا الجيش «الذي لا يقهر» المتفوّق بالتجسس بكل تقنياته وأسلحته المتطورة وتكنولوجياته الاستخبارية ليس لديه (أو لم ينشر) مقطع فيديو واحد لمحيط المستشفى أثناء القصف، أو قبله.

4- تحديد أداة الجريمة وخلاصات العلم الجنائي البالستي
ورد في صحيفة «وول ستريت» الأميركية أن «القنبلة التي ألقيت على مستشفى المعمداني من نوع MK-84 الأميركية». وبالنظر إلى الفيديو الذي يوثّق لحظة القصف، والصور التي تظهر حجم الدمار في مسرح الجريمة، يمكن للعلم الجنائي البالستي أن يحدد نوع الصاروخ الذي أطلق: أرض - جو أو أرض - أرض، وذلك من خلال دراسة مسار الصاروخ في الجو ونقطة التقائه بالهدف (missile trajectory). بالإضافة إلى الكشف على مسرح الجريمة لمعاينة الأضرار وتحديد الزنة المتفجرة والآثار الناجمة عن الصاروخ نفسه (بقايا عن الصاروخ).
وبمراجعة الفيديو، يظهر الصاروخ بسقوط حرّ (free-fall bomb) الذي أُطلق في الهواء ثم سقط على الأرض تحت تأثير الجاذبية فقط، أي أنه لا يحتوي على نظام دفع يسمح له بدفع نفسه عبر الهواء. فظهر مسار الصاروخ على شكل مكافئ، وهذا ما جرى توثيقه في الفيديو، ما يعني أنه يرتفع في الهواء ثم يعود إلى الأرض.
ورد في صحيفة وول ستريت الأميركية أن «القنبلة التي ألقيت على مستشفى المعمداني من نوع MK-84 الأميركية»


وهذا ما ينفي كلياً رواية «مسار صاروخ أرض - أرض» حيث يأخذ الصاروخ أرض - أرض مساراً «بارابولياً» (بشكل مكافئ).
إلى جانب ذلك، يتناسب توثيق ما جرى في المجزرة مع مسار قنبلة مارك 84 (MK 84) وهي قنبلة أميركية متعددة الأغراض. يجري إسقاط القنبلة MK 84 عادةً من الطائرات ذات الأجنحة الثابتة، مثل طائرة F-16 Fighting Falcon وطائرة F-15 Eagle. كما يمكن إسقاطها من المروحيات مثل AH-64 Apache.
في الخلاصة، يبدو أن المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين ظنّوا أن استهدافهم للمستشفيات وارتكابهم المجازر بحق المدنيين في غزّة واستمرارهم بالقتل الممنهج الذي يشكل جرائم إبادة جماعية، يمكن أن يمرّ مرور الكرام في ظل الدعم غير المسبوق الذي تحظى به «إسرائيل» من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. فالإسرائيليون يعلمون جيداً أن بإمكانهم وبإمكان الإعلام الأميركي والأوروبي تزوير الحقائق والكذب وتضليل العالم.