إثر عمليات الإبادة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، لا شك أنه يقتضي على الأمم المتحدة انتداب بعثة لتقصّي الحقائق تكون ولايتها التحقيق في كل انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبت في أي وقت في سياق العمليات العسكرية التي جرت في قطاع غزة، ليصار إلى الطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بموجب الفصل السابع من ميثاقها، إحالة الوضع في غزة إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.من جرائم الحرب التي ارتكبها العدو والجرائم ضد الإنسانية: استخدام أسلحة محرمة، وتدمير واغتصاب الممتلكات، وعرقلة أعمال الإغاثة والغوث الإنساني، وجرائم الاضطهاد، والقتل العمد، والتعذيب والمعاملة اللاإنسانية، وتعمّد إحداث آلام شديدة والإضرار الخطير بالسلامة البدنية والصحة وتدمير الممتلكات الثقافية.
عام 2021، منح مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة التحقيق ولايتها في 27 أيّار/مايو 2021 للتحقيق «داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل (إسرائيل) في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني والانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 13 نيسان/أبريل 2021 ووقعت منذ هذا التاريخ». وفي تمّوز/يوليو 2021، أعلنت رئيسة مجلس حقوق الإنسان تعيين كل من نافانيثيم بيلاي (رئيسة اللجنة - من جنوب أفريقيا) وميلون كوثاري (من الهند) وكريس سيدوتي (من أستراليا) أعضاء في لجنة التحقيق. وطلب القرار A/HRC/RES/S-30/1 أيضاً إلى اللجنة التحقيق في «جميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكرّرة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع، بما في ذلك التمييز والقمع المنهجيان على أساس الهوية الوطنية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية». وتنصّ ولاية لجنة التحقيق على تقديم تقارير إلى مجلس حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة سنوياً ابتداءً من حزيران/يونيو 2022 وأيلول/سبتمبر 2022 تباعاً.
وفي 7 حزيران/يونيو 2022، خلُص التقرير الأوّل للجنة، إلى الآتي حرفياً:
«إن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والتمييز ضد الفلسطينيين هما السببان الجذريان الكامنان وراء التوتّرات المتكرّرة وعدم الاستقرار وإطالة أمد النزاع في المنطقة».

عوائق التطبيق
يمكن القول إن أحكام القانون الدولي الإنساني التعاهدي قانون متطور بشكل يغطي جوانب كثيرة ومتنوعة من الحرب، ويمنح الحماية لضحايا النزاعات المسلحة، ويضع حدوداً للوسائل والأساليب المسموح بها في الحرب. ولكنه يفتقر إلى أهم مميزات القانون، وهي التطبيق والفرض. إذ توجد عوائق عدة تحول دون تطبيق العدد الأهم من المعاهدات في النزاعات المسلحة، فمعظمها لا ينطبق إلا على الدول التي صادقت عليها، ما يعني أن تطبيق مختلف معاهدات القانون الدولي الإنساني في مختلف النزاعات المسلحة يتوقف على تصديق الدول المعنيّة بالنزاع على هذه المعاهدات. ومن جهة أخرى، فإن معظم المعاهدات لا تنطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية وهي: الاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية أوتاوا لحظر الألغام المضادة للأفراد، والاتفاقية الخاصة بالأسلحة الكيميائية، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية وبروتوكولها الثاني.
ولا يمكن للمجتمع الدّولي الاستمرار بمتابعة أخبار القتل والتدمير التي يرتكبها الاحتلال، الأمر الذي يوجب على مجلس الأمن إحالة الانتهاكات في غزة، بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ليصار إلى ردع هذه القوة الغاشمة من دون أدنى تأخير.
إن تكرار انتهاكات القانون الدولي الإنساني لا تعود إلى عدم الملاءمة في قواعد هذا القانون أو إلى الشك في فهمها ولا حتى إلى جهلها، بل إلى نقص في الإرادة باحترامها، ونقص في وسائل إنفاذها، وغياب القوة الدولية الرادعة لمرتكبي هذه الجرائم، ما يجعل تنفيذ القانون الدولي الإنساني أقلّ فعالية.

الولايات المتحدة: الأمر رقم 100/1863
عام 1863، وضع المحامي فرانسيس ليبر تعليمات لتوجيه جيوش الولايات المتحدة في الميدان، ووضعها الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن، موضع التنفيذ بموجب الأمر الذي حمل الرقم 100 خلال الحرب الأهلية الأميركية. وساهم قانون ليبر (Lieber Code)، في تدوين قوانين الحروب وأعرافها، وفي اعتماد دول أخرى للوائح مشابهة. إلى أن شكّلت هذه القواعد الأساس لمشروع اتفاقية دولية بشأن قوانين وأعراف الحرب رُفعت إلى مؤتمر بروكسيل عام 1874. ورغم عدم اعتماد هذا المؤتمر لمعاهدة ملزمة، فقد جرى استخدام قسم كبير من أعماله في ما بعد في وضع اتفاقيات ولوائح لاهاي في العامين 1899 و1907، ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة تعدّ أن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي يندرج ضمن مبدأ حق الدفاع عن النفس، في حين تنصّ القاعدة 144 من القانون الإنساني الدولي على أنه «يجب ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات هذا القانون».
وهذه القاعدة مستقاة من اتفاقيات جنيف وقرار لمجلس الأمن الدولي، إذ تنصّ المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف على أنّ الدول الأطراف تتعهد بأن «تكفل احترام هذه الاتفاقية». ويتكرر الحكم ذاته في البروتوكول الإضافي الأول بالنسبة لاحترام أحكام ذلك البروتوكول. كما ينصّ البروتوكول الإضافي الأول على أن الدول الأطراف تتعهد بأن تعمل، مجتمعة أو منفردة، في حالات الخرق الجسيم لهذا البروتوكول، بالتعاون مع الأمم المتحدة وبما يتلاءم مع ميثاقها (المادة 89). وفي تعليقها على المادة 1 المشتركة في اتفاقيات جنيف، ذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مراراً وتكراراً أنّ الواجب في «كفالة الاحترام» لا يقتصر على سلوك أطراف النزاع، إنما يشمل ضرورة أن تعمل الدول ما بوسعها لتكفل احترام القانون الدولي الإنساني من دون استثناء. وقد أيّد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة التفسير الذي مفاده أنّ المادة الأولى المشتركة تشمل التزامات تتعدى واجبات أطراف النزاع، في قرار اعتُمد عام 1990، ويدعو الدول الأطراف في اتفاقية جنيف الرابعة إلى أن تكفل احترام «إسرائيل» لواجباتها، طبقاً للمادة 1 من الاتفاقية، في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الرقم 681. من جهة أخرى، فإن عرقلة الغوث الإنساني الذي تمارسه قوات الاحتلال يعدّ خرقاً للقانون الدولي.

عرقلة الغوث الإنساني: جريمة حرب
«تعمّد عرقلة الإمدادات الغوثية» كجزء من تجويع المدنيين وكأسلوب من أساليب الحرب، يشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 (2، ب، 25").
وتطلب اتفاقية جنيف الرابعة (المادة 23)، من الدول أن تسمح «بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل أو النفاس». ويُوسّع البروتوكول الإضافي الأول (المادة 70، 2) هذا الواجب ليغطي «المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها».

محاكمة الاحتلال أمام محاكم دول أخرى
من جهة أخرى، بموجب مبدأ وجوب المحاكمة أمام محاكم دولية أو مختلطة، يجب على الدول أن تحقق في جرائم الحرب التي يزعم أن مواطنيها أو قواتها المسلحة قد ارتكبوها، أو على أراضيها، ومحاكمة المشتبه فيهم، عند الاقتضاء. ويجب عليها أن تحقق أيضاً في جرائم الحرب الأخرى الداخلة ضمن اختصاصها، ومحاكمة المشتبه فيهم، عند الاقتضاء ولو كانت خارج أراضيها. إذ يتوجب على الدول التي تعدّ نفسها مناصرة للعدالة في العالم التحقيق مع الأشخاص الذين يُزعم بأنهم ارتكبوا جرائم يعاقب عليها القانون الدولي، ومحاكمتهم في عدد من المعاهدات التي تنطبق على الأفعال المرتكبة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية وفقاً للمادة السادسة من «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها»، والمادة 28 من اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، والمادة 7 من اتفاقية مناهضة التعذيب، والمادة 7 (1) من اتفاقية بشأن حظر الأسلحة الكيميائية، والمادة 14 من الصيغة المعدلة للبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، والمادة 9 من اتفاقية أوتاوا، والمواد 15-17 من البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية.

جرائم الاحتلال لا يمحوها الزمن ولا تتقادم
الدولة مسؤولة عن الانتهاكات التي ترتكبها أجهزة الدولة، بما في ذلك قواتها المسلحة انطلاقاً من القاعدة التي تنصّ على أنّ مسؤوليتها عن «كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من قواتها المسلحة». وردت هذه القاعدة، القديمة العهد في القانون الدولي العرفي، في المادة 3 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 «الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرّية» (لاهاي 18 تشرين الأول/ أكتوبر 1907)، وأعيد النصّ عليها في المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول. وهي تطبيق للقاعدة العامة بشأن مسؤولية الدولة عن الأعمال غير المشروعة دولياً، والتي تعدّ الدولة وفقاً لها مسؤولة عن تصرفات أجهزتها.
من جرائم الحرب: استخدام أسلحة محرمة، عرقلة أعمال الإغاثة، والقتل العمد، وتعمّد إحداث آلام شديدة


ولا يطبّق قانون التقادم على جرائم الحرب، ويرد ذلك في اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1968 «الخاصة بعدم انطباق قانون التقادم على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية»، وفي الاتفاقية الأوروبية لعام 1974 الخاصة بعدم انطباق قانون التقادم على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، حتى أن القانون الجزائي لفرنسا ينصّ على عدم انطباق قانون التقادم على جريمة الإبادة الجماعية والجرائم الأخرى ضد الإنسانية.
وفي متابعة لوجوب التحقيق في جميع انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي فورا، تورد «القوس» على موقعها الإلكتروني موجزاً عن أهم ما ورد في تقرير بعثة تقصّي الحقائق عام 2008 وأهمية دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اتفاقيات جنيف.

القانون الإنساني الدولي
- القاعدة 144 : «يجب ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني».
- القاعدة 149: الدولة مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المنسوبة إليها، والتي تشمل:
أ- الانتهاكات المرتكبة من قبل أجهزتها، بما في ذلك قواتها المسلحة.
ب- الانتهاكات المرتكبة من قبل أشخاص أو كيانات فوّضتها القيام بقدر من السلطة الحكومية.
ج- الانتهاكات المرتكبة من قبل أشخاص أو مجموعات تعمل في الواقع بناء على تعليماتها أو تحت إشرافها أو سيطرتها.
د- الانتهاكات المرتكبة من قبل أشخاص أو مجموعات خاصة، والتي تعترف بها الدولة وتتبناها كتصرفات صادرةعنها.



«شرف الجندي»
مفهوم «عرفي» غير مكتوب، «اقتصر على ضبط السلوك تجاه المقاتلين والمدنيين. وكان مضمونه يشتمل على حظر السلوك الذي كان يُعتبر قاسياً أو شائناً ولا ضرورة له»، وهو مضمون لم يكن مكتوباً بل مجرد أحكام عرفية منها ما هو ذو مصادر روحية دينية.


«شرط مارتنز»
هو بند أدرج للمرة الأولى في ديباجة اتفاقية لاهاي الثانية لعام 1899، والذي ينصّ على ما يلي:
«إلى أن يحين استصدار مدوّنة كاملة لقوانين الحرب، ترى الأطراف السامية المتعاقدة من المناسب أن تعلن أنّه في الحالات غير المشمولة بالأحكام التي اعتمدتها، يظل السكان والمتحاربون تحت حماية وسلطان مبادئ القانون الدولي، كما جاءت من التقاليد التي سادت بين الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومقتضيات الضمير العام».