الفلسطينيون، في نظر الدول الغربية الكبرىـ ليسوا مشمولين بالقانون الدولي الإنساني وحمايته، لأن الاحتلال لا يرغب بذلك، ولأن تلك الدول تنصاع له. لذلك، سيحتار خبراء القانون الدّولي المؤيدون للاحتلال في تبرير جرائمه، وربما سيخبروننا أن قصف البيوت ما هو الا قبور تُبنى فوق البناء.في خضمّ الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة واعتداءاته على لبنان، انتهكت قوات الاحتلال القوانين الدولية المتمثلة بالقانون الدولي الانساني والإطار الذي توفّره اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان للعام 1977، واتفاقية العام 1972 بشأن الأسلحة البيولوجية واتفاقية العام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معيّنة وبروتوكولاتها الخمسة، واتفاقية العام 1993 بشأن الأسلحة الكيميائية، واتفاقية أوتاوا للعام 1997 لحظر الألغام المضادة للأفراد. كما انتهكت قوانين حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة، واتفاقية لاهاي للعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية وبروتوكوليها... ولكن الأهم أنها انتهكت النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية المختصة بهذه الجرائم وفقا لنظامها الأساسي.
نعلم أن كرتونة الإعاشة التي تقدمها الأمم المتحدة قد لا تتسع لأحكام القانون الدّولي الإنساني ولا يصلح هذا القانون للشبع ولا حليبا للرّضع ولا مواساة للأيتام ولا لمسح دموع الأمهات الثّكلى، وقد تكون هذه القوانين مجرد «عزاء» بين مجزرتين، ولكن مما لا شكّ فيه أن القانون الدولي الإنساني يصلح لنرصف سبيل الحق به بعد إحقاق الحق في المجتمع الدولي.

(أنجل بوليغان ــ المكسيك)

هذه الجرائم تختص بها المحكمة الجنائية الدولية وفقا لمضمون نظامها الأساسي الذي اعتمد عام 1998 وعدّ هذه الانتهاكات بحق جرائم حرب ضمن لائحة جرائم الحرب التي تخضع لاختصاص المحكمة.
في مسؤولية {دولة} الاحتلال عن الجرائم التي قامت به قواتها في إطار العملية العسكرية ضد غزة :
إن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تشكّل جرائم حرب. ووفقا للقاعدة 149 من القانون الدولي الإنساني العرفي، تكون الدولة مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني المنسوبة إليها، والتي تشمل الانتهاكات المرتكبة من قبل أجهزتها، بما في ذلك قواتها المسلحة، أو من قبل أشخاص أو كيانات فوّضتها القيام بقدر من السلطة الحكومية أو من قبل أشخاص أو مجموعات تعمل بناءعلى تعليماتها أو تحت إشرافها أو سيطرتها أو من قبل أشخاص أو مجموعات خاصة، والتي تعترف بها الدولة وتتبناها كتصرفات صادرة عنها.
مسؤولية {دولة} الاحتلال الاسرائيلي لا يمكن التملّص منها تحت أي ستار. فالقانون الدولي والاجتهادات الصادرة عن المحاكم الدولية تثبت بما لا شكّ فيه المسؤولية عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني والاتفاقيات ذات الصّلة. فقد سبق أن اعتبرت محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا (مريتس) عام 1986، أنّ الولايات المتحدة مسؤولة عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني المرتكبة من قبل الكونترا في نيكاراغوا، في حال كانت لها «سيطرة فعالة على العمليات العسكرية أو شبه العسكرية التي حدثت الانتهاكات في سياقها».
هذه القاعدة التي تنص على أنّ الدولة مسؤولة عن «كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من قواتها المسلحة» قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، وقد وردت في المادة 3 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 18 تشرين الأول 1907)، وأعيد النص عليها في المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول، وفي المادة 3 من اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 18 تشرين الأول 1907). وهي تطبيق للقاعدة العامة بشأن مسؤولية الدولة عن تصرفات أجهزتها، وفقا لأحكام المادة الرابعة من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، التي تم اعتمادها عام 2001.
وتعتبر القوات المسلحة جهازاً من أجهزة الدولة، كأيّ كيان آخر من السلطات التنفيذية أو التشريعية أو القضائية للدولة. وينعكس تطبيق هذه القاعدة العامة في نسبة المسؤولية إلى القانون الدولي الإنساني، في اتفاقيات جنيف الأربع التي تنصّ على وجود مسؤولية على الدولة، إضافة إلى ضرورة محاكمة الأفراد على ارتكاب الانتهاكات الجسيمة، وهو منصوص عنه في المادة 51 من اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 52 من اتفاقية جنيف الثانية، والمادة 131 من اتفاقية جنيف الثالثة، والمادة 148 من اتفاقية جنيف الرابعة، وكذلك في البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، حيث أعيد التأكيد على المبدأ القائل بمسؤولية الدولة بالإضافة إلى المسؤولية الجنائية الفردية، بموجب المادة 38 من البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية. حيث، يُنسب للدولة تصرف قوات مسلحة، أو ميليشيا، أو وحدات شبه عسكرية، تابعة لها، في حال كانت لها سيطرة ذات «طابع كلي} وفقا لحكم المحكمة الدولية بشأن الاستئناف في قضية تاديتش في العام 1999، الذي قضت به المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة.
إن قوات الاحتلال وأثناء قصفها لمبان سكنية يقطنها مدنيّون تقوم بارتكاب مجزرة أولا ثم تقوم بإخفاء المجزرة عبر المزيد من القصف للمبنى المستهدف مرارا وتكرارا، بهدف تضييع الجثث وتمزيقها أكثر. وفي سابقة مشابهة حصلت عام 2001، في تقرير بشأن القتل الحاصل عام 1991 في ريوفريو في كولومبيا، قررت اللجنة الأميركية لحقوق الإنسان أنّ الدولة مسؤولة عن أفعال القوات شبه العسكرية لوجود دليل يثبت أن فروع الجيش ساعدت في تنسيق المجزرة وتنفيذها ومن ثمّ إخفائها.
في الأفعال الجرمية المرتكبة من قبل قوات الاحتلال :
يُعرّف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية جرائم الحرب أنها «الإنتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات الدولية المسلحة» و«الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي»، وفقا لما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 8 منه.
ففي تفسير للمادة 3 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، التي تعدّد انتهاكات قوانين وأعراف الحرب التي تندرج في اختصاص المحكمة، ذكرت غرفة الاستئناف أنّ عبارة «قوانين وأعراف الحرب» تشمل كافة قوانين وأعراف الحرب، بالإضافة إلى تلك الواردة في هذه المادة.

تعداد الجرائم والسند القانوني للتجريم :
1- استخدام وسائل وأساليب القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرّر لها:
استخدمت قوات الاحتلال قذائف فوسفورية سواء تلك المحظورة او غير المحظورة والتي سببت حروقا وإصابات وآلاما لا مبرر لها سواء للمدنيين أو للعسكريين وحتى للأطباء والطواقم الطبية، ما يعد مخالفة لصكوك قانونية قديمة العهد كإعلان سان بطرسبرغ، وإعلانات ولوائح لاهاي: إعلان لاهاي بشأن الغازات الخانقة وإعلان لاهاي بشأن الأعيرة النارية القابلة للتمدد ولائحة لاهاي للعام 1899، المادة 23 (هـ)، لائحة لاهاي للعام 1907.
وسبق أن أكّدت محكمة العدل الدولية أن حظر وسائل وأساليب القتال التي تسبب بطبيعتها أصابات أو آلاماً لا مبرّر لها، هو أحد «المبادئ الأساسية» للقانون الدولي الإنساني.
2- استخدام الأسلحة العشوائية الطابع واستخدام الأسلحة المحرقة ضد الأفراد:
ان قيام قوات الاحتلال بقصف مركّز على الأحياء السكنية بقذائف تنفجر بطريقة جنونية وتنتشر على مساحات كبيرة ليس الا استخداماً لأسلحة عشوائية الطابع.
يعد هذا الجرم مخالفة صريحة لما ورد في المادة 51 – 4 من البروتوكول الإضافي الأول حول استخدام الأسلحة «التي تصيب بطبيعتها الأهداف العسكرية والمدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز»، كما ورد هذا الحظر في المادة (2) (ب) (20 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
3- استخدام الأسلحة البيولوجية والكيميائية:
عمدت قوات الاحتلال الى استخدام الغازات المصنّفة ضمن الأسلحة البيولوجية بحجة أنها ترغب في تدمير الأنفاق والقضاء على من فيها من المقاتلين، علما أن حظر استخدام الأسلحة البيولوجية في النزاعات المسلحة الدولية يستند إلى بروتوكول جنيف بشأن الغازات واتفاقية الأسلحة البيولوجية، علما أن أنغولا وإسرائيل هما الدولتان الوحيدتان حالياً اللتان احتفظتا بتحفظهما حول «عدم البدء بالاستخدام» في بروتوكول جنيف بشأن الغازات، كما أنهما ليستا طرفين في اتفاقية الأسلحة البيولوجية. ورغم ذلك، لا يمكن للاحتلال التملّص من العقوبات الجنائية في ما لو قررت المحكمة الجنائية الدولية ذلك، لأن هذا الاستخدام يعد خرقاً فاضحاً وجسيماً للقانون الإنساني الدولي ولو لم تكن الدولة موقعة أو كانت قد تحفظت.
كما تحظر مجموعة من المعاهدات استخدام الأسلحة الكيمائية في النزاعات المسلحة الدولية، منها إعلان لاهاي بخصوص الغازات الخانقة، وبروتوكول جنيف بشأن الغازات، والمادة 1 من اتفاقية الأسلحة الكيميائية، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة 8 (2) (ب) (18) منه.
4- استخدام الطلقات النارية التي تتمدد وتتفلطح بسهولة في جسم الإنسان واستخدام الطلقات النارية التي تتفجر في جسم الإنسان ضد الأفراد:
من الضروري بمكان قيام بعثة تحقيق مختصة للنظر في شهادات عدد من الأطباء الذين أكدوا معاينتهم لإصابات ناتجة عن أنواع من الطلقات النارية التي تتفجر في جسم الإنسان واستخدام الطلقات النارية التي تتمدد وتتفلطح بسهولة في جسم الإنسان، وهو أمر جدي يستدعي فتح تحقيق بشأنه، وكذلك القذائف التي تسبب جراحاً واسعة مشابهة للجراح التي تسببها طلقات «الدمدم»، القذائف التي تنفجر بطبيعتها أو تسبب تشوّهاً أثناء اختراقها جسم الإنسان، أو تتعثر عند اختراقها جسم الإنسان أو تسبب موجات صدم تؤدي إلى تلف واسح بالأنسجة أو حتى إلى صدمة مميتة، وأيضا تشير الممارسات التي تعتمدها الأمم المتحدة إلى أنّ استخدام الطلقات النارية المتفجرة ضد الأفراد يسبب آلاماً لا مبرّر لها.
كما يقتضي الاستماع الى الطبيب الذي افاد أنه لاحظ حالات اصابة بالعمى وهو ما يعد مؤشراً على احتمال استخدام اسرائيل للاسلحة التي تسبب العمى، وهو نوع من استخدامات اللايزر المحظور حيث لا يجوز استخدام أسلحة الليزر المصممة خصيصاً لتكون وظيفتها القتالية الوحيدة أو إحدى وظائفها القتالية إحداث عمى دائم للنظر المجرد، علما انه تم اعتماد البروتوكول الرابع للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة والذي يحكم استخدام أسلحة الليزر التي تسبب العمى في العام 1995.
5- استخدام الألغام الأرضية مع عدم مراعاة ضرورة التقليل من آثارها العشوائية وعدم تسجيل مواقعها، وعدم إزالتها عند انتهاء الأعمال العدائية الفعلية وعدم إبطال ضررها على المدنيين أو تسهيل إزالتها. وهو أمر مخالف للصيغة الأساسية، كما للصيغة المعدلة للبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، ولا سيما لمبدأ حظر أنواع معيّنة من الألغام تتضمنه الصيغة المعدلة للبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادة 3 (5) و(6) و المادة 4 والمادة 6 (2) والمادة 6 (3) ومخالف للضوابط الأخرى التي يتضمنها البروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادتان 4-5 والصيغة المعدلة للبروتوكول الثاني، المادتان 5-6. كما أن الحظر وارد في البروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادة 7، والبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادتان 4-5، والبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادة 3 (4)، والبروتوكول الثاني للاتفاقية بشأن أسلحة تقليدية معيّنة، المادة 4 (2)، المادة 7 ، والمادة 8 .
6- قتل المدنيين والمحميّين
لجأت قوات الاحتلال الى قتل المدنيين واستهدافهم بصورة قصدية عمدية ما يعد جرما جنائيا من جرائم الحرب المحظورة منذ إقرار حظر قتل المدنيين في مدونة ليبر في المادتين 23 و44، كما ورد قتل المدنيين وأسرى الحرب كجريمة في ميثاق المحكمة العسكرية الدولية في نورمبرغ. وتحظر المادة 3 المشتركة في اتفاقيات جنيف «لاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله» للمدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال وتدرج كل من اتفاقيات جنيف الأربع «القتل العمد» للأشخاص المحميين كانتهاك جسيم. ويُصنّف القتل أيضاً كجريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في ما يتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وبموجب النظم الأساسية للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغوسلافيا السابقة ولرواندا، وللمحكمة الخاصة لسيراليون.
ولجأت قوات الاحتلال الى قصف المستشفيات ودور العبادة للمسلمين والمسيحيين دونما أي رادع.
7- العقوبات الجماعيّة وتجويع المدنيّين
قامت قوات الاحتلال بحصار وتجويع أهالي غزة بشكل مشدد كعقوبة جماعية، علما أن العقوبات الجماعية محظورة وتشمل «كافة أنواع العقوبات والمضايقات، وخاصة الإدارية منها، أكانت من خلال عمل الشرطة أو غير ذلك». ويرد حظر العقوبات الجماعية في لائحة لاهاي، وفي اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة. وقد أٌقرّ هذا الحظر كضمانة أساسية لجميع المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال في البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني واتفاقية جنيف الثالثة، المادة 87، الفقرة الثالثة واتفاقية جنيف الرابعة، المادة 33، الفقرة الأولى (والبروتوكول الإضافي الأول، المادة 75 (2) (د) والبروتوكول الإضافي الثاني، المادة 4 (2) (ب) .
كرتونة الإعاشة التي تقدمها الأمم المتحدة قد لا تتسع لأحكام القانون الدّولي الإنساني


ان استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة تزويدهم بمؤن الإغاثة، أمر محظور دوليا. فقد اعتبر حظر استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، عند اعتماد البروتوكول الإضافي الأول، قاعدة جديدة. ومع ذلك، لم تجعل الممارسة، منذ ذلك الوقت، هذه المسألة قاعدة عرفية فحسب، بل أنّ وضعها في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية كجريمة حرب في حال ارتكبت في نزاع مسلح دولي لم يكن مدار جدال. ويعكس تدمير الأشياء التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين حظراً عرفياً. وقد جرت محاكمة تتعلق بقضية تدمير محصول في عملية أرض محروقة خلال الحرب العالمية الثانية، مع أنّ تدمير ممتلكات لا تتطلبها الضرورة العسكرية كان الأساس للدعوى القضائية. وتشكّل هذه الممارسة انتهاكاً للبروتوكول الإضافي الثاني والقانون الدولي العرفي.
بمقتضى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فإنّ «تعمّد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب»، يشكّل جريمة حرب في النزاعات المسلحة الدولية المادة 8 (2) (ب) (25) من النظام، وتم حظر التجويع كأسلوب من أساليب الحرب في المادة 54 (1) من البروتوكول الإضافي الأول.
كما تُحظر مهاجمة الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين أو تدميرها أو نقلها أو تعطيلها.

الممارسة
أما الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين هي من حيث المبدأ أعيانا ومواد مدنية ولا يجوز مهاجمتها بصفتها هذه، ففي المادة 54 (2) من البروتوكول الإضافي الأول، يرد حظر محدّد لمهاجمة الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين، أو تدميرها، أو نقلها، أو تعطيلها، ومنها الأمكنة المخصصة للمؤن وخزانات الوقود والمياه ومراكز الاتصالات التي هاجمها الاحتلال وكان آخرها قصف خزانات المياه دون أي مبرر حربي .
8- منع إجلاء الجرحى
لم تسمح قوات الاحتلال لفرق الاسعاف والدفاع المدني بإجلاء الجرحى علما أن القانون الدولي ينص على وجوب ان يتخذ كل طرف في النزاع، كلما سمحت الظروف، وبخاصة بعد أيّ اشتباك، كل التدابير الممكنة، ودون إبطاء، للبحث عن الجرحى والمرضى والغرقى، وجمعهم وإجلائهم دون أيّ تمييز مجحف، وهو واجب قانوني منصوص عنه في اتفاقية جنيف العام 1864، وفي اتفاقيات جنيف للعام 1949، وفي المادة 10 من البروتوكول الإضافي الأول، مع تأكيدها على «حماية» الجرحى والمرضى والغرقى، مما يعني «المسارعة للدفاع عنهم، وتقديم المساعدة والمساندة». وفي ما تقوم به قوات الاحتلال مخالفة لاتفاقية جنيف الأولى، المادة 15، الفقرة الأولى واتفاقية جنيف الثانية، المادة 18، الفقرة الأولى واتفاقية جنيف الرابعة، المادة 16، الفقرة الثانية.

تدرج كل من اتفاقيات جنيف الأربع «القتل العمد» للأشخاص المحميين كانتهاك جسيم


9- جعل الأشخاص أو الأهداف المستخدمة في عمليات المساعدة الإنسانية أو مهمات حفظ السلام محلاً للهجمات
إن جعل الأشخاص أو الأهداف المستخدمة في عمليات المساعدة الإنسانية أو مهمات حفظ السلام وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، محلاً للهجمات، ما دامت مؤهلة للحماية الممنوحة للمدنيين أو الأعيان المدنية بمقتضى القانون الدولي الإنساني، يعد جريمة حرب بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية. ويمكن الاستدلال على قصف قوات الاحتلال لمراكز الاونروا والمستشفيات في فلسطين ومراكز اليونيفيل في جنوب لبنان للدلالة على ثبوت ارتكاب العدو لهذه الجرائم. فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تفيد ان 88 من موظفيها قتلوا منذ السابع من تشرين الأول، وهو ما يمثل «أكبر عدد من القتلى في صفوف الأمم المتحدة يتم تسجيله على الإطلاق في صراع واحد».

من هم الأشخاص المجرمون؟
يعدّ القادة والأشخاص الآخرون الأرفع مقاماً مسؤولين جزائياً عن جرائم الحرب التي ترتكب بناء على أوامرهم. وترد القاعدة التي مفادها أنّ الأشخاص مسؤولون عن جرائم الحرب المرتكبة تبعاً لأوامرهم في اتفاقيات جنيف، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية وبروتوكولها الثاني، إذ يُطلب من الدول ألاّ تقاضي الأشخاص الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة أو مخالفات فحسب، بل الأشخاص الذين يأمرون بارتكابها أيضاً. كما ترد هذه القاعدة أيضاً في النظم الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا، والمحكمة الخاصة لسيراليون، وفي لائحة الإدارة الانتقالية للأمم المتحدة في تيمور الشرقية الرقم 2000/15، وجميعها تنطبق على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية.
وبذلك يعد قادة الحرب في كيان العدو مجرمين بناء على اتفاقية جنيف الأولى، المادة 49، اتفاقية جنيف الثانية، المادة 50، واتفاقية جنيف الثالثة، المادة 129، واتفاقية جنيف الرابعة، المادة 146، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، المادة 28، والبروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، المادة 15، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المادة 25(3).
هل المحكمة الجنائية الدولية مختصة بالنظر الى وضع فلسطين تحت الاحتلال؟
في العام 2021، وبناء على طلب مقدم من دولة فلسطين حول طرح مسألة تتعلق بالاختصاص القضائي، أصدرت الغرفة المختصة في المحكمة الجنائية الدولية قرارها القاضي بأن «فلسطين دولة طرف في النظام الأساسي» وباعتبارها «الدولة التي حدث السلوك المعني على أراضيها» لأغراض المادة 12 (2) (أ) من النظام الأساسي؛ وترى، بالأغلبية، أن المحكمة إقليمية ويمتد نطاق الولاية القضائية في الوضع في فلسطين إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، وتحديداً غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وبالتالي للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
القرار : ICC-01/18-143 05-02-2021 6/60 EC PT

المراجع
- البروتوكولان الاضافيان الى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12-08-1949 لحماية ضحايا الحرب.
- اللجنة الدولية للصليب الأحمر.



شهداؤنا
احفظوا اسماءهم، صورهم، قصصهم فهم ليسوا أرقاما. لكل منهم حياته وأحلامه، لكل منهم بيت وعائلة وذكريات وقصص وتجارب تختلط فيها الضحكات والدموع. من حقهم علينا أن نتذكرهم أسماء وليس مجرد أرقام

بيسان حسن حلاسة
«اتزكروا اسمي وأسماء الشهداء كلها. اتزكروا أسماءنا وانقشوا صورنا بذاكرتكم واتزكروا انه نحنا أهل غزة كنا أشرف خلق الله على الأرض، وانه انتم كلكم ما عندكم ذرة شرف، وانه انا وعائلتي وأهل مدينتي اللي استشهد منا واللي لسا هيستشهد كلنا خصمائكم أمام الله يوم القيامة».


أخر ما كتبته بيسان على صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ايام من استشهادها مع احد عشر فرداً من عائلتها في غزة في 15 اكتوبر 2023.
لم تشأ ابنة التسعة عشر ربيعاً ان تُذكر كرقم في عداد الأرقام، وانما كطالبة سنة ثالثة طب، ومتفوقة في الثانوية العامة بمعدل 98.7%، وكفتاة لديها عائلة حنونة تفتخر بها، وأحلام كثيرة لم تحققها، وطريق طويل من النجاحات، انتهى للأسف على يد آلة الاجرام، وبمباركة من دول تتباهى بالقوانين الإنسانية.

شيماء صيدم
كانت شيماء تستعد للمشاركة في احتفال تكريمي في العاصمة الأردنية لفوزها بالمرتبة الأولى على مستوى فلسطين في امتحانات الثانوية العامة بمعدل 99.6%، لكن شاءت الاقدار ان تُزفّ شهيدة مع عدد من افراد عائلتها في قصف لطيران الاحتلال استهدف منزل عائلتها في مخيم النصيرات.


اختارت شيماء ان تدرس الترجمة لتتمكن من ايصال صوت فلسطين الى كل العالم، لكنها للاسف لم تتمكن من تحقيق حلمها، وتحولت زغاريد الفرحة بنجاحها الى صرخات ألم على فقدانها.

خليل محمد خليل شلش
شاب عمره 16 سنة ارتقى برفقة صديقه قيس شلش برصاص الاحتلال عند مدخل بلدة شقبا غرب رام الله.


خليل طالب في الصف الحادي عشر أدبي، من مدرسة ذكور شقبا الثانوية. لم تكفه سنواته القليلة ليبني احلاماً في بلد لا مكان فيه للأحلام السعيدة، واعتاد فيه الصغار قبل الكبار على استبدال دفاتر الذكريات بوصايا. فهو، رغم صغر سنه، لم ينسَ كتابة وصيته، كانت لديه احلام كثيرة لكن الجنّة افضلها.
«محدش يعيط علي ادعولي ادخل الجنة. حطوو ورد عند قبري. محداش يفارق قبري. كان نفسي بشغلات كتير بس الجنة احلى».