بالنيابة عن حوالي مئة منظمة وجمعية حقوقية من جميع أنحاء العالم وعن مجموعة من 300 محامي فرنسي ودولي، تقدم المحامي الفرنسي جيل ديفير Gilles Devers، يوم الخميس الماضي في 9 تشرين الثاني 2023، بشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي للنظر في جرائم الإبادة الجماعية التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في غزة. وسيتم تسليم شكواهم إلى مكتب الضحايا الذي أنشأ في عام 2002 لمحاكمة مرتكبي أخطر الجرائم الدولية (الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية). تتضمن قائمة الموقعين منظمات وجمعيات من العديد من البلدان: فرنسا، بلجيكا، سويسرا، سويد، تركيا، البرتغال، الولايات المتحدة، كندا، تونس، الجزائر وغيرها. ومن بين الموقعين AFD الدولية في بروكسيل، الاتحاد اليهودي من أجل السلام UJFP، فنانون من أجل السلام في كندا. وتعد هذه المبادرة واحدة من عدة دعوات قضائية، تقدمت بها منظمات وجمعيات حقوقية في الأسابيع الماضية، مندّدة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة ومطالبة المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف بحقّ المسؤولين عن تلك الجرائم. التدمير المتعمّد لمجموعة ما بشكل كلّي أو جزئي هو المكون المحدّد للإبادة الجماعية والذي يميزها عن الجرائم الأخرى. في تعريف الأفعال التي تشكل إبادة جماعية، هناك "الإخضاع المتعمد لمجموعة ما لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي، كليًا أو جزئيًا". لذا اعتبر الموقعين على هذه الدعوة أن كل معايير جريمة الإبادة الجماعية متوافرة في فلسطين. إخضاع السكان عمدًا لحصار كامل، بدون ماء وطعام، قطع الكهرباء، منع وصول الدواء والحصول على الرعاية الصحية، قصف المدنيين والبنية التحتية المدنية، التهجير القصري للسكان يتوافق مع هذا النوع من الأفعال التي تعرف جرائم الابادة الجماعية. هذه العناصر تزامنت مع خطاب ممنهج لتجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته وإعطاء غطاء لتبرير جرائم الاحتلال. فالاحتلال الإسرائيلي لم يبذل أي جهد لإخفاء ما يقوم به من جرائم إبادة جماعية.
تطرّق هذا الطلب لمختلف المراحل التي مرّت بها القضية الفلسطينية، من فترة الاحتلال البريطاني ووعد بلفور، تقسيم الأمم المتحدة وقيام دولة الاحتلال، مختلف الحروب العربية ضدّ الاحتلال، اتفاقيات أوسلو عام 1993، الحصار المفروض على غزة، حتى الإبادة الجماعية المستمرة للشعب الفلسطيني ولاسيما في قطاع غزة. وتستند هذه الشكوى على شهادات موثقة من قبل شهود فلسطينيين وتهدف الى حثّ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على جمع الأدلة وفتح تحقيق في الأفعال الاجرامية للاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي. من خلال هذه الشكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضدّ الكيان الصهيوني أعربت هذه المجموعة من المحامين والمنظمات عن دعمها للشعب الفلسطيني ودعت جميع دول العالم إلى الانضمام إلى هذه المبادرة، لمواصلة المواجهة معاً. كما صرّح المحامي جيل ديفير أن "على الحكومات التي لا ترغب في أن تكون متواطئة أن تمتنع عن دعم إسرائيل وأن تختار المعسكر الذي تنتمي إليه، اما معسكر حقوق الإنسان أو معسكر الإبادة الجماعية. لا يمكن لهذه الحكومات إلقاء الخطابات حول القانون الدولي وحقوق الإنسان ثم القبول بالهجوم الإسرائيلي دون القيام بأي شيء".
ديفير: لا يمكن للحكومات إلقاء الخطابات حول القانون الدولي وحقوق الإنسان ثم القبول بالهجوم الإسرائيلي دون القيام بأي شيء


بالرغم من أهمية هذه الخطوة على صعيد التضامن الأممي الديمقراطي مع القضية الفلسطينية وأهمية توثيق جريمة الابادة الجماعية التي يقوم بها العدو الصهيوني بحقّ الشعب الفلسطيني، يمكن لنا ان نتساءل اليوم عن مدى شرعية هذه المحاكم الدولية وبشكل عام الهيئات الدولية. تركيبة هذه الهيئات الدولية، آليات عملها وتاريخها يشهد على أنها تلعب دور الذراع الدبلوماسي لتعزيز وحماية هيمنة الامبريالية الغربية ولاسيما في حروبها ضدّ الشعوب المضطهدة في جميع أنحاء العالم، فاذاً في فلسطين. هذا "المجتمع الدولي" الذي "شرّع" تقسيم فلسطين في 1947، عمل ويعمل دائماً على اخفاء الطبيعة الاستعمارية للكيان الصهيوني وعلى تبيض جرائمه. فإذا صدف وأن قامت هيئة من هذه الهيئات بمجرد إدانة للكيان الصهيوني أو تبني قرار دولي يدعي حماية حقوق الشعب الفلسطيني، فالجواب يكون إما بفصل تصفية المسؤول عن هذا القرار أو ضرب الكيان الصهيوني بعرض الحائط هذا القرار ومعه كل القوانين الدولية. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدّة رقم 194 الذي أقرّ عام 1948 حقّ العودة للاجئين الفلسطينيين الذين هجّروا قصراً من منازلهم خير دليل على ذلك. فماذا ننتظر من كيان يجاهر في جرائمه منذ أكثر من 75 عاماً، تحت أعين وبدعم غير مشروط من الدول الغربية، يدوس على كل القوانين الدولية بدون لا رقيب ولا حسيب، ويرفض أصلاً أن يكون عضوا في محكمة الجنائية الدولية أو أن يعترف بشرعيتها؟ الردّ أتى من فلسطين، مواجهة الاحتلال وتحرير فلسطين من البحر الى النهر وفرض حقّ العودة لكل الشعب الفلسطيني لا يتمّ الا بقوة المقاومة.