أعلن رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في بداية العدوان على قطاع غزّة في 8 تشرين الأول الفائت ان "هذه الحرب ستكون طويلة" من دون ان يشير الى مراحل تلك الحرب الهمجية التي يشنّها منذ 42 يوماً على الفلسطينيين في منطقة محاصرة تعد من أكثر المناطق المدنية اكتظاظاً في العالم. العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزّة مستمرّ حتى اللحظة وبعد مراقبة تفاصيل الأيام الـ 38 الأولى منه ومن خلال التدقيق في روزنامة الجرائم الإسرائيلية تبيّن لنا أن العدو يهدد ويضلل ويبرّر ويضيّق ويغدر ويدمّر دماراً شاملاً. وهو يقوم بكل ذلك بشكل ممنهج متّبعاً كما يبدو تخطيطا مرحليا. نعرض في الآتي المراحل الست التي حددناها انطلاقاً من ممارسات العدو الإسرائيلي وبحسب تسلسلها. ونشتبه بأن المراحل تتوالى وجرائم القتل والإبادة الجماعية تتعاظم لحين تهجير الغزّاويين ودفعهم الى النزوح الى المنطقة الحدودية مع مصر أو الى سيناء

المرحلة الأولى: التهديد والوعيد والترهيب
بدأ العدو الإسرائيلي عدوانه الوحشي على قطاع غزّة بالتهديد والوعيد متعمّداً ترهيب الفلسطينيين وكسر ارادتهم بالصمود والبقاء. في 7 تشرين الأول من العام الجاري، سارع رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الى اعلان الحرب على قطاع غزّة المحاصَر مهدّداً بـ«عملية واسعة النطاق». وتحدث جيش العدو الإسرائيلي إثر إطلاق العدوان الذي سمّاه «السيوف الحديدية» عن «ثمن باهظ» ستدفعه غزّة وأهلها. ونقلت هيئة البث الإسرائيلية أن وزير دفاع العدو الإسرائيلي استدعى قوات الاحتياط العسكرية وإعلان حالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومترا من قطاع غزة.

(من الويب)

ولم يقتصر إطلاق التهديد والوعيد على الإسرائيليين بل شمل كذلك حلفاءهم الاميركيين. فأشار الرئيس جو بايدن ووزير الدفاع الأميركي إلى «حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها»، واكّد أن البنتاغون سيعمل على توفير كل ما تحتاجه «لمواجهة الإرهاب». ونقلت رويترز أن «إسرائيل» أبلغت مجلس الأمن بأنها ستقوم بكل ما تتطلبه حماية مواطنيها والدفاع عن سيادتها من «الهجمات الإرهابية» من غزة.
في 9 تشرين الأول 2023، بعد اجتماع في القيادة الجنوبية لجيش العدو الإسرائيلي، قال وزير دفاع العدو الإسرائيلي يوآف غالانت إنه أمر بفرض «حصار كامل على قطاع غزة»، وأضاف: «قطعنا الكهرباء والطعام والمياه والوقود. قُطعت جميعها. نحن نحارب حيوانات على هيئة بشر ونتصرف وفقاً لذلك».
وتابع المتحدث باسم جيش العدو دانيال هغاري توجيهات وزيره قائلا ان: «المعابر مغلقة في القطاع، لا يوجد كهرباء، لا أحد يدخل أو يخرج.. »، معلناً أن «هناك المئات مدفونون تحت المباني في هجماتنا». (راجع «القوس»، 14 تشرين الأول، 10 تشرين الأول، «Genocide»).
يضاف إلى ذلك تهديدات جيش العدو لـ 22 مستشفى في قطاع غزة بالقصف. ويشير ذلك بوضوح إلى نيّة إسرائيلية مسبقة لاستهداف المستشفيات. (راجع «القوس»، 14 تشرين الأول، «الكذب الإسرائيلي الأميركي بشأن مجزرة المستشفى»).

المرحلة الثانية: التضليل والكذب واختلاق الروايات
البداية كانت كلمات مراسلة القناة الثانية عشرة العبرية التي روّجت لأكذوبة قطع رؤوس الاطفال، والتي نشرتها وعمّمتها وسائل إعلام أجنبية. كما تبنّى البيت الأبيض هذه الأكذوبة. وفي 11 تشرين الأول، صرّح بايدن بأنه "رأى بأم العين صورًا لأطفال صغار إسرائيليين مقطوعي الرؤوس».

(أ ف ب)

وفي 14 تشرين الأول، تم كشف زيف صورة الطفل المتفحم التي نشرها رئيس وزراء العدو نتنياهو، وقال إنها لطفل إسرائيلي أحرقته حركة المقاومة الإسلامية. فصورة الطفل الإسرائيلي المزعوم تعود إلى كلب في عيادة طب بيطري تم تزييفها عن طريق الذكاء الاصطناعي، غير أن الإعلام الغربي ما لبث أن ردد أكاذيب نتنياهو من دون تحقق أو دليل.
واتهم جيش الاحتلال الإسرائيلي حركة الجهاد الإسلامي بالوقوف وراء قصف مستشفى المعمداني حيث وقعت مجزرة في17 تشرين الأول. وادعى المتحدث باسم جيش الاحتلال دانيال هاغاري أنّ حركة حماس ضخّمت أرقام ضحايا المجزرة.
الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وكندا وبريطانيا وألمانيا وأستراليا وغيرها من الدول تماشت مع حملة التضليل الإسرائيلي وروّجت للرواية الكاذبة و«الأدلة» المزعومة التي قدّمها جيش الاحتلال. علماً أنه تبيَن لاحقاً أن الصور والفيديوهات التي قدّمها العدو مزيفة وجرى التلاعب بها وتحريرها لتتناسب مع كذبته. علماً أن الرواية الأولى التي قدّمها العدو الإسرائيلي تبنّت عملية قصف مستشفى المعمداني لوجود مقاتلين من «حماس» فيه، مشيراً إلى أن المقاومة تستخدم المستشفيات والمساجد والمدارس والمدنيين كدروع بشرية. (راجع «القوس»، 21 تشرين الأول، «الأدلة المزعومة تشير إلى الخداع»).

المرحلة الثالثة: تبرير قصف المستشفيات وقتل المدنيين
قال الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، في 3 تشرين الثاني إن أجهزة استخباراته حددت موقع مركز قيادة حركة «حماس» في غزة، زاعماً أنه يقع تحت مستشفى الشفاء المركزي في القطاع. ويتذرّع المسؤولون الإسرائيليون بوجود مقرّات وأنفاق للمقاومة تحت المستشفيات في قطاع غزة بهدف تبرير قصفهم لمحيط المستشفيات في بادئ الأمر، ثم لاستهدافاتهم المتعمدة لبوابة مجمّع الشفاء والعيادات الخارجية وقسمي العناية المركّزة، بالإضافة إلى قصف المستشفى الإندونيسي ومستشفى التركي للسرطان ومدخل مستشفى ناصر للأطفال ومستشفى القدس والطابق الثالث من مستشفى الرنتيسي للأطفال.
في إطار الترويج للأكاذيب والتضليل والتحريض تمهيداً لتدمير المستشفيات وقتل المرضى، عرض الناطق باسم جيش الاحتلال، في مؤتمر صحفي، فيديوهات مفبركة تُظهر بشكل واضح مشاهد مُركّبة و«رسما تمثيليا، بدون عرض المواد الحقيقية» كما أشار الناطق باسم جيش العدو.
وفي هذا الإطار التحريضي، انتشر على وسائل التواصل مقطع فيديو لممرضة فلسطينية مزعومة من داخل مستشفى الشفاء، وهي بحالة خوف وتتحدث باللغة الإنجليزية والعربية وتدعي أن عناصر حركة «حماس» هاجموا المستشفى وسرقوا الوقود والدواء. لكن الأطباء والممرضات في مستشفى الشفاء قالوا «لا نعرف هذه المرأة، ولم تعمل هنا من قبل ولم نرها أبدًا في المستشفى». (المصدر: مسبار، موقع مكافحة الإشاعات والأخبار الكاذبة)
هذا مع التأكيد أن لا دليل أو إشارة إلى وجود قاعدة عسكرية او مركز لحركة حماس في أي من المستشفيات، ولم تظهر أي بقايا لأسلحة أو عتاد عسكري في المستشفيات أو في المكان الذي جرى الاستهداف ضمنه. وكان قد ثبت سابقاً وبالمخططات الهندسية كذب الاحتلال عندما عرض صوراً قال إنها فتحات أنفاق للمقاومة وتبيّن لاحقاً أنها أماكن لتخزين المياه والوقود لأقسام المستشفيات المختلفة. (راجع «القوس»، 11 تشرين الثاني، «حرب إرهابية إسرائيلية على المستشفيات»).
في هذا السياق، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش إنها لم تجد ما يؤكد مزاعم الجيش الإسرائيلي أن مقر قيادة حركة حماس يقع تحت مستشفى الشفاء. كما أكّد الطبيب النروجي مادس غيلبرت الذي يعمل في مجمّع الشفاء الطبي منذ 16 سنة، أنه لا وجود لقيادة حماس في المستشفى (راجع «القوس»، 4 تشرين الثاني، «أبعد من قصف مستشفى»). وطلبت وزارة الصحة الفلسطينية وإدارة مستشفى الشفاء حضور مراقبين دوليين للكشف على المستشفى لدحض المزاعم الاسرائيلية.
والجدير بالذكر أن هذه الأكاذيب لا تنحصر في إطار حملة التحريض والتمهيد للاعتداء على المستشفيات والمرضى والطواقم الطبية والنازحين فحسب، لكنها كذلك لتبرير قصف العدو للمساجد والمدارس ومقرّات الأونروا وغيرها من المنشآت المدنية.

المرحلة الرابعة: التضييق والحصار والقنص
منذ فجر السبت 11 تشرين الثاني، حاصر الاحتلال مجمع الشفاء الطبي ونشر العديد من الطائرات المُسيّرة في أجواء المجمع تطلق النار داخل ساحات المستشفى على كل من يتحرك بداخله، الأمر الذي أدى إلى إصابة عدد من الموجودين بداخله. وفي 12 تشرين الثاني، حاولت إحدى العائلات النازحة المجازفة والخروج من مجمع الشفاء، فقصفها جيش الاحتلال مما أدى إلى استشهاد جميع افرادها.

(أ ف ب)

وفي اليوم نفسه، وبعد انقطاع التيار الكهربائي عن مجمع الشفاء، أراد أحد العاملين تفقد المولد الكهربائي لتشغيله وإنقاذ حياة عشرات المرضى الذين يعيشون على أجهزة التنفس الاطصناعي، فأطلق جنود الاحتلال النار عليه وأصابوه في رقبته.
كما وقع العديد من الإصابات داخل مجمع الشفاء الطبي نتيجة إطلاق النار من الطائرات المُسيرة التابعة للاحتلال في ساحات المجمع، فيما لم تتمكن الطواقم الطبية من إنقاذ هذه الحالات بسبب حصار جيش الاحتلال للمجمع وعدم تمكّن الطواقم من التنقل بين الأبنية والأقسام الداخلية.
كما استهدف الحصار الإسرائيلي مربع مستشفيات يضم الرنتيسي والنصر والعيون والصحة النفسية، وتقدّمت الدبابات الإسرائيلية في محيط مستشفى الرنتيسي. وأعلنت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في 11/11/2023 أن مستشفى القدس لم يعد يعمل بسبب نفاد الوقود المتوفر وانقطاع التيار الكهربائي. وأفادت وزارة الصحة الفلسطينية، في 12/11/2023، أن عشرة آلاف مريض كانوا يعالجون في مستشفى الرنتيسي والتركي مهددون بفقدان حياتهم بعد أن طردهم الاحتلال من المستشفيات.
فيما يعيش الأطفال الخدج في مستشفى الشفاء في قطاع غزة أوضاعاً مأساوية بعدما أُعلنت المستشفى وفاة عدد منهم بسبب نقص الأكسجين والوقود، مما دفع لنقلهم إلى أحد الأقسام الأخرى في محاولة للحفاظ على حياتهم. وأشار التقرير الصادر عن وزراة الصحة الفلسطينية (الأحد 12/11/2023) إلى وفاة 6 أطفال خدج و9 مرضى في مستشفى الشفاء بسبب نفاد الوقود وخروج أقسامه عن الخدمة بعد حصاره من قوات الاحتلال.

المرحلة الخامسة: غدر المدنيين والجرحى
يستمر الاحتلال الإسرائيلي في استهداف المدنيين سواء داخل بيوتهم او في الملاجئ أو أثناء وجودهم على الطرق بحثاً عن الأمان في المنطقة الجنوبية من غزة. وفي 10 تشرين الثاني، اتهم مندوب "إسرائيل" في الأمم المتحدة حركة حماس بأنها وراء الهجمات التي تستهدف سيارات الإسعاف والمستشفيات. ثم عاد ليناقض قوله ويضيف: «نتهم حماس باستخدام سيارات الإسعاف لنقل المقاتلين والأسلحة». وأضاف: «نوفر ممرات آمنة للمدنيين في غزة للعبور إلى الجنوب وحماس تمنع ذلك». واستشهد عشرات الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن، في قصف استهدف نازحين في شارع صلاح الدين وسط قطاع غزة.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها نازحون من شمالي قطاع غزة الى الجنوب لقصف إسرائيلي أثناء استخدامهم لما ادعى جيش العدو انها ممرات «آمنة». فقد أشار المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة إلى بلاغات تفيد بوجود جثامين مئات النازحين الفلسطينيين على طرقات كانت أعلنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي «آمنة» باتجاه جنوب القطاع.
وفي 10 تشرين الثاني، اعتقلت قوات الاحتلال اثنين من سائقي سيارات الإسعاف أثناء عودتهما من جنوب القطاع إلى شماله، رغم التنسيق بواسطة اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أبلغت بإمكان عودة سيارات الإسعاف التي كانت محتجزة بجنوب القطاع.
الإبادة الجماعية تشمل كل مناطق قطاع غزة. وأدى القصف المركز على جنوب القطاع خلال الأيام الأخيرة الى استشهاد عدد كبير من المدنيين. يثبت ذلك أن المزاعم الإسرائيلية عن وجود ممرات ومناطق آمنة هي مجرد ادعاءات كاذبة.
وكان المكتب الحكومي في غزة أعلن أن من بين الشهداء الذين خلفهم القصف الإسرائيلي على مناطق في جنوب القطاع 1050 من سكان الشمال كانوا قد نزحوا الى الجنوب هرباً من القصف في شمال القطاع.
في ما يتعلق بالمستشفيات والجرحى، نقلت رويترز عن نتنياهو قوله: «عرضنا على مستشفى الشفاء الوقود، لكنهم رفضوا». فيما أشار مدير مجمع الشفاء الطبي أبو سلمية في حديثه لبي بي سي في 12 تشرين الثاني: «الجيش الإسرائيلي عرض تزويدنا بـ300 لتر سولار فقط وهي كمية تكفي لتشغيل المستشفى نصف ساعة». وأشار إلى أن طريقة تسلّم هذه الكمية لم تكن آمنة أساساً مشيراً في إلى أنه «بدلاً من أن يرسل الكمية عن طريق الهلال الأحمر طلب مني أن أذهب لاستلمها أو أرسل سائقاً يستلمها الثانية ليلاً عند مفترق محدد في مدينة غزة تحيط به الدبابات والطائرات وكلها أماكن اشتباك».

المرحلة السادسة: التدمير الشامل والمتواصل واقتحام المستشفيات
لليوم الثامن والثلاثين على التوالي تواصلت المحرقة «الإسرائيلية» الوحشية على قطاع غزة، وما زال جيش الاحتلال يمارس القتل المباشر ضد الشعب الفلسطيني الأعزل حتى اللحظة، ويستهدف الأطفال والنساء والمدنيين والمنازل الآمنة، بالتزامن مع تفاقم الظروف الإنسانية الصعبة الناتجة عن تداعيات المحرقة الوحشية والحصار المتواصل على قطاع غزة منذ 17 عاماً.
بلغ عدد إجمالي المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال «الإسرائيلي» 1,153 مجزرة، وبلغ عدد المفقودين 3,500، منهم 1740 طفلا لا يزالون تحت الانقاض. وبلغ عدد الشهداء 11,240، بينهم 4,630 طفلاً، و3,130 امرأة، وبلغ عدد شهداء الكوادر الطبية 198 طبيبا وممرضا ومسعفا، واستشهد 21 من رجال الدفاع المدني، و51 صحافياً. وبلغ عدد الإصابات 29,000، أكثر من 70% منهم من الأطفال والنساء.
وفي ظل استهداف جيش الاحتلال المُركّز للمستشفيات بشكل خاص وتهديد الطواقم الطبية، خرج عن الخدمة 25 مستشفى و52 مركزاً صحياً، واعتدى جيش الاحتلال على 55 سيارة إسعاف.
وبلغ عدد الوحدات السكنية التي تعرضت إلى هدم كلي 41,120، إضافة إلى 222,300 وحدة سكنية تعرضت للهدم الجزئي.
وبلغ عدد المقرات الحكومية المدمرة 94، و253 مدرسة منها 63 خرجت عن الخدمة. وبلغت عدد المساجد المدمرة تدميراً كلياً 71، و156 مسجداً تعرضت للتدمير الجزئي، إضافة إلى استهداف 3 كنائس.
وبلغت الخسائر الزراعية الناجمة عن هذا العدوان المتواصل 180 مليون دولار خسائر مباشرة، إذ أتلف الاحتلال وجرف أكثر من 25% من المساحات الزراعية بواقع 45,000 دونم، كما أتلف آلاف الأشجار المثمرة، وأعدم أفواجا كاملة من مزارع الماشية والدواجن والأسماك.
كل ذلك يدلّ الى توافر جميع العناصر الذي تشكل جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة المحاصر.