حين وقّع المجتمعون في سان فرنسيسكو ميثاق الأمم المتحدة، في حزيران 1945، كانوا يعلمون علم اليقين بغياب المساواة بين الدول في اتخاذ القرارات المتعلّقة بهيئات الأمم المتحدة. إذ تم تصنيفها بين دولة نافذة ودولة لا رأي لها. للدلالة على ذلك، سنأخذ لبنان، الدولة المؤسّسة للأمم المتحدة، مثالاً. فهذه الدّولة لم ينصفها مجلس الأمن الذي شاركت في عضويته مرتين. ورغم أن كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ نشأته لم يكن عضواً في مجلس الأمن، إلا أن هذا المجلس كان إلى جانبه دوماً. فتاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان أكبر من تاريخ نشأة هذه المنظمة التي خذلته مراراً، ولم تقم بما يردع الاحتلال عن الاعتداء على أرضه وسمائه. ومما لا شك فيه أن هذه المنظمة تحتاج إلى تعديل في ميثاقها بما يضمن فعليّاً السلم والأمن الدوليين، لا مصالح الاحتلال الإسرائيلي

لم تكن طريقة تشكيل مجلس الأمن ولا طريقة التصويت فيه سوى تعزيز لسيطرة الدول الدائمة العضوية على هذه المنظمة. فقد ضاعت حقوق الشعوب المقهورة والمستضعفين بين مصالح الدول الدائمة العضوية التي تتحكم كل منها بقرارات المجلس عبر استخدامها لما يعرف بحق النقض. وقد استفاد الاحتلال الإسرائيلي من هذه الآلية على مدى 70 عاماً.
لذلك، تميزت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع العربي ـ الإسرائيلي عموماً واللبناني خصوصاً بالضبابية لتحصين الاحتلال. فحين كان الاعتداء الإسرائيلي واضحاً على لبنان، كان مجلس الأمن يحاول أن يحمل في مضمون قراراته عبارات ملتبسة. ففي القرار الواحد نجد إدانة واضحة لكل أشكال المقاومة وحق المقاومة وحق لبنان بالدفاع المشروع عن نفسه وصد الاعتداءات الإسرائيلية، في حين كانت تتضمن الفقرات المتعلقة بالاحتلال تمنيات وعبارات لا تمت إلى الإلزام بصلة، ما جعل الاحتلال الإسرائيلي يمضي في غيّه وطغيانه متّكلاً على وقوف مجلس الأمن إلى جانبه.

العلّة في الميثاق
بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يضطلع مجلس الأمن بمهام المحافظة على السلام والأمن الدوليين وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها، والتحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي، واتخاذ إجراءات عسكرية ضد المعتدي.
ورغم تاريخ إسرائيل الحافل بالاعتداءات على لبنان، لم يتخذ المجلس أي قرار يتضمن إجراءات بحقّ كيان الاحتلال، وكان في كل مرّة يلتفّ على كل مسألة متجنباً اتخاذ قرار يتضمن آلية تنفيذية لردع الاحتلال عن اعتداءاته.
لقد أورد المؤسّسون في مطلع الميثاق أن شعوب الأمم المتحدة آلت على نفسها أن تنقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي جلبت على الإنسانية مرتين خلال جيل واحد أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأنها تؤكد من جديد إيمانها بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء والأمم، كبيرها وصغيرها، من حقوق متساوية، وأن تبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
هذه العبارات الفصيحة هي حرفياً ما يتضمنه الميثاق، لكن تاريخ هذه المنظمة لم يكن على قدر التطلّعات ولم يقم بمساعدة لبنان إلا بالفصاحة اللغويّة.
تكمن العلّة في أن الميثاق فوّض إلى مجلس الأمن التبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي، ووافقت الدول الموقعة على أن المجلس ينوب عنها في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات بحجة الرغبة في أن يكون عمل "الأمم المتحدة" سريعاً وفعالاً.
ومن ناحية ثانية، ورد في المادة 23 من الميثاق أن مجلس الأمن يتألف من نوعين من العضوية: عضوية دائمة وأخرى غير دائمة. فأين المساواة المنشودة بين الدّول؟ وما الذي يبرّر وجود نوعين من العضوية؟ وهل أن القوّة والعظمة والتطور من المعايير التي تجعل بين الدّول مراتب، أم أن دولة الفقراء تابعة لدولة الأغنياء وتعمل لديها وبإمرتها؟
يتألف مجلس الأمن من خمسة عشر عضواً من الأمم المتحدة، وتكون جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (روسيا حالياً) والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة أعضاء دائمين فيه. وتنتخب الجمعية العامة عشرة أعضاء آخرين من الأمم المتحدة ليكونوا أعضاء غير دائمين في المجلس.
تحاول المادة 23 من الميثاق تأمين تمثيل أوسع وتلطيف السيطرة على مجلس الأمن عبر مراعاة مساهمة أعضاء الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين وفي مقاصد الهيئة الأخرى، كما يراعى أيضاً التوزيع الجغرافي العادل.
من ناحية ثالثة تكمن معضلة أخرى تتمثل في آليّة التَّصويت في المجلس، وهي ما يمكن تسميته بعقدة الإجماع المعطّل بهدف السيطرة الدائمة للأعضاء الدائمين على قرارات مجلس الأمن. فقد نصت المادة 27 على أن يكون لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن صوت واحد بحيث تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الإجرائية بموافقة تسعة من أعضائه، من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفاً في النزاع عن التصويت. وبهذه الآلية لا يكون لكل عضو صوت مماثل للدول الأخرى. ومن هنا تم ابتداع ما يسمّى بالفيتو وهو عمليّاً التصويت السّلبيّ.

آلاف الشكاوى ومجلس الأمن يتفرّج
1946: منذ شباط 1946 طلب لبنان وسوريا من مجلس الأمن التوصية بسحب القوات الفرنسية والبريطانية من أراضيهما، كون اتفاق 13 كانون الأول/ ديسمبر 1945 الفرنسي البريطاني قد أخضع انسحاب القوات لشروط متنافية مع ميثاق الأمم المتحدة، وذكرت الرسالة أن حكومتي سوريا ولبنان توقعتا سحب هذه القوات الأجنبية فور وقف الأعمال العدائية مع ألمانيا واليابان، إلا أن الاتفاقية الفرنسية البريطانية في 13 ديسمبر 1945 تنص على انسحاب القوات بشروط لا تتفق مع روح ونص ميثاق الأمم المتحدة.
خلال الجلسة تم تقديم مقترحات عدة كمشاريع قرارات ومنها مشروع قرار من الولايات المتحدة، مقدم في نفس اللقاء، يقترح بأن تجري المفاوضات لتحقيق الانسحاب، ولم يتم اعتماد مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة .

هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة
1948: أنشأ مجلس الأمن هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة يوم 29 أيار 1948، باعتماده القرار 50 سنة (1948)، عقب انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية. وكانت أول عملية لحفظ السلام أنشأتها الأمم المتحدة. وكان دورها يتمثّل بمراقبة فض الاشتباك في مرتفعات الجولان ومساعدة قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان، والتعاون معها في رصد وقف إطلاق النار وفي الإشراف على اتفاقات الهدنة ومنع الحوادث المنعزلة من التصاعد. ورغم وجود هذه القوة، إلا أنها لم تقم بأي عمل يُذكر لصدّ اعتداءات الاحتلال.

قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان
في 19 آذار 1978 أنشأ مجلس الأمن قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان اعتماداً على القرار 425 الصادر عام (1978)، لتأكيد انسحاب إسرائيل من جزء من جنوب لبنان، وإعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما ومساعدة حكومة لبنان على استعادة سلطتها في المنطقة، إلا أن الاحتلال لم ينسحب من تلك المنطقة وبقي القرار حبراً على ورق لغاية عام 2000.

فريق مراقبي الأمم المتحدة في بيروت
1988: أنشئ عام 1988 فريق المراقبة، المكون من موظفي هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة لرصد الحالة السائدة في بيروت، بلبنان، وما حولها، عقب العمل العسكري الإسرائيلي ضد لبنان ولكن لا يتذكر اللبنانيون أن قوة مراقبة الهدنة كانت تناصرهم أو تردع الاحتلال عن أذيتهم.

التحرير بفعل المقاومة
بعد الاندحار الإسرائيلي من لبنان إلى الخط الأزرق في عام 2000، وُسِّع نطاق ولاية هذه القوة مجدّداً في آب من عام 2006 عقب الحرب التي شنّتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان. وشملت مهام القوة رصد التوقف عن الأعمال العدائية، ومرافقة ودعم القوات المسلحة اللبنانية وهي تنتشر في أرجاء جنوب لبنان، وتقديم المساعدة للإعانة على حصول المدنيين على النجدة الإنسانية والعودة الطوعية والآمنة للمشردين وفقاً لما ورد في نص القرار ، ورغم ذلك لم تكن هناك أية تعليمات لهذه القوات بحماية لبنان أو ردع الاحتلال، حتى أنها لم تكن تملك حق الدفاع عن نفسها حين هاجمتها قوات الاحتلال أكثر من مرّة، لا بل ارتكب الاحتلال المجازر على مقارها وخاصة مجزرة قانا عام 1996 .

مجلس الأمن يشاهد المجازر في النشرات الإخبارية
في عام 2006 إثر بدء عدوان تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان وخلال جلسة لمجلس الأمن، أعـرب ممثلا قطر وفلسطين عـن خيبـة أمـلهما إزاء استمرار عجز المجلس عن العمل في حين يتواصل قتـل المدنيين الفلسطينيين علـى أيـدي الإسرائيليين. وأضافا أن هـذا الأمـر يضر بمصداقية المجلس وهو سيسهم في تفاقم الحالة. وفي رسـالة أخـرى، احـتج ممثـل الاحتلال الإسـرائيلي بشأن تسلل حزب الله إلى الأرض التي يعتبرها إسرائيلية واختطاف جنديين إسرائيليين، رغم أن المشاهد المصورة كانت تثبت أن الجنديين كانا في الأراضي اللبنانية، ملقيـاً بالمسؤولية على حكومتي الجمهورية العربية السـورية وجمهوريـة إيـران الإسـلامية، وكذلك علـى الحكومة اللبنانية لعـدم تحركهـا، وتذرّع بأن إسـرائيل تحتفظ بـالحق في التصرف في ما زعمت أنه دفاع عن النفس بموجـب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة. مجلس الأمن لم يحرّك ساكناً وكأنه كان الضّوء الأخضر للاحتلال لمباشرة همجيّـته ضد لبنان .
تميزت قرارات مجلس الأمن المتعلقة بالنزاع العربي الإسرائيلي عموماً واللبناني خصوصاً بالضبابية لتحصين الاحتلال


واستمرّ مجلس الأمن بمشاهدة المجازر عبر النشرات الإخبارية إلى أن اختار الاحتلال وقف إطلاق النار لعدم تمكّنه من الاستمرار، حينذاك أصدر مجلس الأمن القرار 1701/2006 الذي اتخذه في جلسته رقم 5511 المعقودة في 11 آب 2006 والذي تضمّن 17 فقرة، وكان القرار يحمل في مقدمته عبارة "هجـوم حـزب الله علـى إسـرائيل في 12 تمـوز/ يوليـو 2006) لتبرير أفعال الاحتلال التالية لاختطاف الجنديين. وحين أورد عبارة إلحــاق أضــرار جــسيمة بالهياكــل الأساسية المدنية وتشريد مئات الآلاف في الداخل لم يقل القرار من هي الجهة التي قامت بقصف البنية التحتية للدولة اللبنانية، رغبة في عدم إدانة الاحتلال.
حتى أن القرار يتضمّن في فقرته الثامنة وجوب تزويد الأمم المتحدة بجميع الخرائط المتبقية للألغام الأرضية التي زرعها الاحتلال في لبنـان والموجودة، إلا أنه لم يقم بتنفيذ هذا الموجب رغم مطالبات لبنان المتكرّرة ورغم وقوع مئات الضحايا بسبب الألغام الإسرائيلية.
في كل مرة يتخذ مجلس الأمن قراراً يختمه بعبارة: "يقرر أن يبقي المسألة قيد نظره الفعلي". ومنذ ذلك الحين لا تزال حقوق الفلسطينيين واللبنانيين قيد نظر مجلس الأمن.



عضوية لبنان في مجلس الأمن الدولي:
1953-1954 و 2010-2011