في 18 تشرين الأول الفائت، عارضت الولايات المتحدة اصدار قرار عن مجلس الامن الدولي يلزم «إسرائيل» بوقف اطلاق نار في غزة. وكانت البرازيل قد تقدمت بمشروع القرار الذي أيّده 12 عضوا (من اصل 15)، واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) لنسفه. وقال المسؤولون الاميركيون يومها ان من حق «إسرائيل» أن تدافع عن نفسها، متذرّعين بأن حركة حماس قد تستغلّ أي هدنة «لإعادة تنظيم قواتها». في 26 تشرين الأول، أيضاً، عارضت الولايات المتحدة ومعها 13 دولة، منها النمسا وهنغاريا وجمهورية التشيك وكرواتيا، قراراً للجمعية العمومية للأمم المتحدة يدعو الى وقف اطلاق النار وادخال مساعدات إنسانية الى غزة المحاصرة. صدر القرار بعدما صوّتت عليه 120 دولة، بينما امتنعت بعض الدول المؤيدة لـ«إسرائيل» عن التصويت، ومنها المانيا وقبرص وإيطاليا وهولندا واليونان والسويد والدنمارك وبولندا. لكن، بما ان الدول المخالفة لقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة لا تفرض عليها اية إجراءات بموجب الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، واصلت «إسرائيل» عدوانها الوحشي على المدنيين والمستشفيات والصحافيين في غزة المحاصرة.
في 15 تشرين الثاني، بعد نحو 40 يوماً من القصف المتواصل على اكثر المناطق المحاصرة في العالم اكتظاظاً، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار الرقم 2712 الذي يدعو إلى هُدنة وإقامة ممرات إنسانية في جميع أنحاء قطاع غزة. ولم تعارض الولايات المتحدة على القرار ولم تستخدم حق النقض لنسفه.
لماذا تغيّر الموقف الأميركي بين 18 تشرين الأول و15 تشرين الثاني؟ أليس مضمون مشروع القرار الذي عرضته البرازيل، في 18 تشرين الأول، مماثلاً للقرار 2712؟ الا يمكن لحركة حماس «إعادة تنظيم قواتها» خلال «الهدنة» التي يفرضها القرار 2712 على «إسرائيل»؟
الحقيقة هي أن الاميركيين وأصدقاء «إسرائيل» الأوروبيين ظنوا ان بإمكان الجيش الإسرائيلي حسم المعركة وتدمير حركة حماس، فماطلوا قبل اعلان الهدنة لمنح الإسرائيليين الوقت الكافي للقيام بذلك. لكن الجيش الإسرائيلي عجز عن تحقيق مبتغاه، فرضخ الأميركي لقرار الهدنة. أضف الى ذلك التخبط الداخلي الذي يعيشه الإسرائيليون والانقسامات الحادة بينهم بسبب موضوع الاسرى.
غير أن هذا لا ينبغي أن يعدّ مجرّد خطأ أو سوء تقدير وخربطة في حسابات اميركا وأوروبا وكل من عارض وقف اطلاق النار.
فبين 18 تشرين الأول و15 تشرين الثاني، قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي اكثر من 8022 فلسطينياً وجرح اكثر من 17800. وتتحمل الولايات المتحدة والدول الأوروبية التي عارضت او امتنعت عن التصويت على قرارات وقف اطلاق النار المسؤولية الجنائية عن مقتل هؤلاء.