قرّر مجلس الوزراء، في جلسته أمس، تأجيل النقاش في مشروع القانون الرامي إلى «إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها»، إلى يوم الثلاثاء المقبل، في حال توافر النصاب. الهدف من التأجيل، تضمين المشروع الملاحظات التي عُرضت خلال الجلسة، من عدد من الوزراء ومن جمعية المصارف. والتأجيل هو العامل الأكثر حضوراً في مقاربة هذه الأزمة منذ يومها الأول، إذ إن قوى السلطة لا تزال تتجنّب التعامل مع «توزيع الخسائر» لأنها قيّدت الأمر في إطار «قدسية الودائع». لذا، تظهر مقاربة توزيع الخسائر في مشاريع السلطة، على شكل إجراءات متناثرة تعتمد على ما «يُتفق عليه» بلا إستراتيجية واضحة. ففي إطار كهذا، يأتي النقاش في مشروع لإعادة هيكلة المصارف، كردّ فعل استباقي تجاه فئات المودعين، وفي الإطار نفسه جاء النقاش في مشروع الكابيتال كونترول، ومشروع إعادة التوازن المالي للقطاع المصرفي. أيضاً، يبرز غياب أي مقاربة اقتصادية واسعة تناقش الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لأثمان توزيع الخسائر وما يمكن أن يُقدّم للمجتمع في المقابل. في الواقع، تبدو قوى السلطة أكثر تقبّلاً لاتهامها بـ«التلكّؤ» بدلاً من أن تتحمّل مسؤولية مقاربة جدّية وجذرية واسعة لمعالجة الأزمة. هكذا، يظهر اتجاهان في مجلس الوزراء: الأول يشير إلى أن مشروعاً كهذا يهدف إلى إفلاس المصارف وتهريب أصحابها، والثاني يقول إنه يرمي إلى إنعاش القطاع المصرفي. هذه السردية، استمرّت طوال السنوات الثلاث الماضية على أمل توصّل قوى السلطة إلى تسويات على ظهر خسائر هائلة، من أبرز مؤشراتها خسائر مصرف لبنان بما يفوق 73 مليار دولار، أي أكثر من أربعة أضعاف الناتج المحلي.
إفلاس أم إنعاش؟
في جلسة الأمس عندما طُرح المشروع على المجلس، أعطى ميقاتي الكلام لنائبه سعادة الشامي، بوصفه معدّ المشروع. بحسب المعلومات، قال هذا الأخير، إنه علم بوجود عدد من الملاحظات على المشروع، من بينها دراستان مكتوبتان، من وزير العمل مصطفى بيرم، ومن وزير المهجرين عصام شرف الدين، بالإضافة إلى رسالة من جمعية المصارف. الشامي، يركّز على شكل الانتقادات التي سيقت ضدّ المشروع «بتسرّع»، متهماً الوزراء بأنهم أجروا «قراءة سريعة» بينما «الموضوع مشغول ونوقش مع أصحاب الشأن»، مشيراً إلى وجود خلط بين هذا المشروع ومشروع إعادة التوازن إلى القطاع المالي. وقال: هناك من يسمّي هذا المشروع قانون إفلاس المصارف، وأنا أسمّيه مشروع إنعاش القطاع المصرفي. ووجّه الشامي اللوم إلى وزراء حزب الله لأنهم لا يدافعون عن السياسات الحكومية في هذا المجال. فردّ بيرم بالإشارة إلى أن مشكلة تسويق المشروع تقع على عاتق معدّيه، وأنه يجب الفصل بين السجالات التي لا تنتج والشعبوية في التعامل مع هذه الملفات، وبين الدراسات العلمية حولها. أيضاً قال وزير التربية عباس الحلبي إن لديه ملاحظات على المشروع أيضاً. عندها تسلّم ميقاتي دفّة الكلام، واقترح تأجيل البحث في المشروع «لمزيد من الدرس» وتخصيص جلسة خاصة بمناقشته يوم الثلاثاء المقبل، في حال توافر النصاب، ولا سيما أن نصاب الجلسة كان 16 وزيراً بسبب غياب ثلاثة وزراء بداعي السفر (علي حمية، جورج بوشكيان ووليد نصار). كما قال ميقاتي إنه سيدعو شخصيتين من مصرف لبنان ساعدتا الشامي في إعداد وصياغة المشروع، إذ يفضّل أن يكون النقاش بحضورهما أيضاً.
في الجلسة برزت ملاحظات جديّة على المشروع الذي أعدّه الشامي بمساعدة من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف، من أبرزها ما عرضه وزير العمل. بحسب هذه الملاحظات التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، يقترح بيرم باسم حزب الله، أن تكون هناك هيئة مستقلة مؤقتة، على شاكلة ما حصل في بعض الدول التي أنشأت «وكالة إعادة هيكلة المصارف» ومنحتها دوراً استثنائياً، لتولي عملية إعادة هيكلة المصارف. وتكون هذه الهيئة موسّعة أكثر مما ينص عليه المشروع بصيغته الراهنة (أحد أعضاء لجنة الرقابة على المصارف الذي لم تقترحه جمعية المصارف أو المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، أحد أعضاء المجلس المركزي، أحد القضاة مع خبرة 15 عاماً، أحد أعضاء المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، ممثل عن وزارة المالية، خبيران في الشؤون المالية والمصرفية يعيّنهما مجلس النواب). كما اقترح أن يكون تمويل الهيئة من الموازنة العامة لا من مصرف لبنان.

هيئة مستقلّة
وتشير ملاحظات حزب الله إلى ضرورة مطابقة معايير التعثّر الواردة في نص المشروع، مع المعايير الدولية المنصوص عنها في «بازل 3» ولا سيما لجهة كفاية رأس المال الذي يجب أن تكون نسبته 105% بدلاً من 8% المذكورة في المشروع، وذلك ضمن مدّة زمنية معقولة حتى لا تكون لأصحاب المصارف ذريعة لإعلان الإفلاس وهو ما بات يميل إليه بعضهم للتملّص من أعباء المعالجة. أيضاً يجب ألا يكون المدير المؤقّت المعيّن على المصارف من مساهمي أي مصرف، وألا يكون قد تولى في السنوات الخمس الأخيرة أي منصب في أحد المصارف قيد الإصلاح أو التصفية.
واقترح الحزب اعتماد سعر صرف الدولار السوقي في التقييم الاستثنائي للموجودات الصافية للمصارف بدلاً من اعتماد سعر الصرف «الذي يحدّده مصرف لبنان».
الشامي يتّهم الوزراء بأنهم أجروا قراءة سريعة لمشروع نوقش مع أصحاب الشأن

واقترح أيضاً إلغاء أي تمييز بين حقوق المودعين وغيرهم من أصحاب الحقوق، فضلاً عن مسألة أساسية تتعلق بتراتبية عملية التصفية التي تمنح الحقوق على أساس «ودائع العميل الواحد» كما ورد في المشروع، وهذا الأمر قد يضاعف المبالغ المحمية لكبار المودعين الذين عمدوا إلى تجزئة ودائعهم بعد الأزمة ووزّعوها على أكثر من مصرف، بينما المطلوب ترسية العدالة بين مختلف المودعين. أيضاً لا يجب اعتبار الأسهم التفضيلية من الأموال الخاصة للمصارف، ولا سيما أن أصحاب هذه الأسهم هم من صغار المستثمرين الذين جرى التلاعب بهم لتحويل ودائعهم إلى هذه الأسهم المقدّرة قيمتها بنحو 4 مليارات دولار.

شطب مقنّع للودائع
شرف الدين قدّم دراستين من نبيل نجيم، وعماد عكوش. مضمون الدراستين أن تمرير المشروع يعني «الوداع للودائع لقاء إعادة هيكلة مصارف مفلسة قسراً»، بينما المشروع المقترح يسعى إلى «تحرير المصارف من الأعباء الملزمة بتعويضها بطريقة عادلة». وسجّل شرف الدين اعتراضه على المشروع لأنه «واضح بالبنود المطروحة أنه مشروع إفلاس للمصارف وليس إعادة هيكلة». نجيم يقول إن المشروع يعترف بتعثّر المصارف لكنه لا يقترح سوى «إعادة رسملتها من خلال شطب مقنّع للودائع». أما عكوش فيقول إن مصرف لبنان كان السبب الأساسي في الخسائر وهدر الاحتياطي، وأنه مع سكوت المصارف عن التعاميم، تبدّدت الودائع ولا تزال تتبدّد، مشيراً إلى أن القضاء كان مقصّراً في هذا المجال منذ البداية، متسائلاً عن «الموجودات التي تم بيعها بطريقة مشبوهة خلال فترة الأزمة أو تم تهريبها إلى الخارج أثناء الفترة المريبة قبل الأزمة وخلالها».