إذاً، رغم كل تأكيدات الحاضرين في الجلسة أن هناك مادّة أُقرّت تلغي تسويات نهاية الخدمة، بوصعب يبلغ المستفسرين بأنها ألغيت. وهو أمر غاية في الخطورة، لأن المدير العام للضمان الاجتماعي محمد كركي، والذي كان حاضراً في الجلسة وكانت لديه اعتراضات على مسألة التسويات، فضلاً عن نواب آخرين، تبلّغ نسخة من التعديلات فيها «إلغاء للتسويات»، وهو ما دفعه إلى الاعتراض لاحقاً أمام رئيس مجلس النواب نبيه برّي. لكن بمعزل عن طريقة إلغاء هذه المادة، إذا ألغيت، فإن عدم وجود نصّ صريح يشير إلى تصفية تعويضات العمال إفرادياً قبل نقلها إلى النظام الجديد، يمنح أصحاب العمل فرصة التهرّب من تسديد هذه التسويات.
في هذا المجال، يبدو أن الجهة الوحيدة التي «مثّلت» العمال في النقاشات المتعلقة بمشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية هي الاتحاد العمالي العام. وهذا أول خسارة للعمال، إذ إن الجسم النقابي هزيل و«متشظٍّ» وثمة قاعدة نقابية واسعة لا تعترف بالاتحاد كممثل شرعي لها بعدما تحوّل إلى دمية بيد قوى السلطة. ويضاف إلى ذلك، أن وجهة نظر رئيس الاتحاد بشارة الأسمر لا يمكن وصفها بأقل من «مشبوهة»، لأنه فيما يزعم الدفاع عن مصالح العمال، يروّج بأن المشروع لا يجب تطييره «رغم علّاته» فبرأيه هو «يبقى مقبولاً بالحد الأدنى». يتغافل الأسمر أن ما هو «مقبول» بالنسبة إليه، سيؤدي إلى خسارة العمال تسويات تعويضات نهاية خدمتهم والتي تمثّل جزءاً أساسياً من تمويل الصندوق الجديد.
بالفعل، كانت طريقة إقرار المشروع مباغتة في إدراجه على جدول الأعمال، وفي إدارة اللجان. أثناء الجلسة قطع بوصعب الطريق على كل الملاحظات طالباً تأجيلها لحين عرض المشروع على الهيئة العامة. والجميع يدرك أن النقاشات في الهيئة العامة لا يمكن أن تكون تفصيلية، بل هي عامة وفي الغالب تضاف تعديلات بسيطة، أي إن التعديلات المطلوب إدخالها على المشروع المقرّ في اللجان المشتركة هي جوهرية وتشكل عدداً كبيراً من مواد المشروع.
في المقابل، يقول رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال والمستخدمين كاسترو عبدالله إنه لم يتلقَّ أي دعوة «إلى أي من المشاورات بخصوص هذا المشروع، ولم تُوزّع علينا نسخة عن مشروع القانون الذي أُقرّ». لكنه يستنتج، انطلاقاً ممّا تسرب إليه وسمعه أن «نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي لطالما انتظره العمال وناضلوا من أجله جاء ممسوخاً وينطوي على غبن فاضح بحق العمال».
عدم وجود مادة صريحة بتصفية التعويضات قبل نقلها إلى النظام الجديد يتيح التهرّب من التسويات
بحسب عبدالله، يتجلّى غبن العمال من خلال «إعفاء أصحاب العمل من تسديد فروقات التعويضات أو ما يُسمى بفروقات التسوية عن نهاية الخدمة التي تهرّبوا منها، علماً أن هؤلاء لا يسدّدون كل الاشتراكات المترتّبة عليهم بما في ذلك ساعات العمل الإضافية. كما أنهم يصرّحون عن رواتب أدنى من تلك التي يدفعونها». لدى عبدالله الكثير من الملاحظات حول المشروع، ولا سيما لجهة شروط الانتساب ومصير موجودات صندوق الضمان، عدا «استمهال أصحاب العمل 10 سنوات للتعويض عن نهاية الخدمة من دون الالتفات إلى ما قد يحلّ بالعملة خلال هذا الوقت ومن دون أخذ الدروس مما حصل بموجودات صندوق الضمان جراء الانهيار الاقتصادي، كذلك تحديد الراتب التقاعدي وفق راتب كل موظف من دون تحديد حد أدنى كالذي يعتمده القطاع العام». تغييب العمّال عن المفاوضات ترك مشروع القانون تحت رحمة تحالف رأس المال والسلطة، حتّى صدر «مسخاً»، ذلك أن «السلطة الحاكمة لديها أساساً مصالح شخصية خلف المشروع، فأفرادها هم أعضاء في مجالس إدارات مصارف وشركات عقارية وتجارية وغيرها، ويمثلون مصالح رؤوس الأموال» وفق عبدالله.