شكّل قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتّحدة عام 1949 حادثةً هي الأولى من نوعها في تاريخ المنظّمة. فبعد أكثر من سبعين عاماً على إنشاء الأمم المتّحدة، بقي قرار قبول إسرائيل عضواً فيها حالة استثنائية فريدة من نوعها، أو بحسب تعبير الأمين العام آنذاك، «حدث من أحداث التاريخ الملحميّة»! ولبيان ذلك، نوضح أوّلاً إجراءات قبول عضوية الدول في الأمم المتّحدة بموجب المادة الرابعة التي تنصّ على أنّ «العضوية في الأمم المتّحدة مباحة لجميع الدول الأخرى المُحبّة للسلام، والتي تأخذ على نفسها الالتزامات التي يتضمّنها هذا الميثاق، والتي ترى الهيئة أنها قادرةٌ على تنفيذ هذه الالتزامات». وتحدّد الفقرة الثانية من المادة نفسها الجهة المخوّلة قبول طلب العضوية، فتنصّ على أنّ «قبول أي دولة من هذه الدول في عضوية الأمم المتّحدة يتمّ بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن». وبناءً على هذا النصّ، قدّمت حكومة «إسرائيل» (الكيان المحتل)، في 29 تشرين الثاني 1948، خطاباً إلى الأمين العام يتعلّق بقبول طلب إسرائيل العضويّة في الأمم المتّحدة، وتصريحاً بقبول الالتزامات الواردة في الميثاق، وأنها تقبل بالقرار 181 (قرار تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب). ولدى عرض الطلب على مجلس الأمن تطبيقاً للمادّة الرابعة، رفض المجلس الطلب لأنّ إسرائيل لم تستوفِ الشروط المنصوص عليها في الميثاق ولم تنفّذ قرارات الأمم المتّحدة.
في 24 شباط 1949، في أعقاب أوّل اتفاقية هدنة مع مصر، قدّمت إسرائيل طلباً جديداً للانضمام إلى الأمم المتّحدة، وفي 4 آذار من العام نفسه، صدر عن مجلس الأمن القرار الرقم 96 الذي يوصي بقبول عضوية إسرائيل على أساس أنها «دولة محبّة للسلام وقادرة وعازمة على تنفيذ الالتزامات التي يتضمّنها الميثاق». وكُتبت التوصية على النحو المتّفق عليه في تحرير التوصيات المتعلّقة بقبول أعضاء جدد. لكنّ قرار الجمعية العامة الرقم 273 الصادر في 11 أيار 1949، والذي قُبل بموجبه الكيان المحتل، لم يكتب بالصيغة المعتادة. ففي العادة، تعتمد قرارات الجمعية العامة المتعلقة بقبول أعضاء صيغة موحّدة رسمية على النحو الآتي: «إن الجمعية العامة وقد تلقّت توصية مجلس الأمن الصادرة في تاريخ (...) بقبول دولة (...) عضواً في الأمم المتّحدة. وقد نظرت في طلب الانضمام... وتقرّر قبول دولة (...) عضواً في الأمم المتّحدة». غير أنّ القرار المتعلّق بقبول الكيان الصهيوني تضمّن نصّاً مغايراً، وجاء على النحو الآتي: «إنّ الجمعية العامة، إذ تأخذ علماً بالتصريح الذي تقبل به إسرائيل من دون أيّ تحفّظ الالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتّحدة، وتتعهّد باحترامها منذ اليوم الذي تصبح فيه عضواً في الأمم المتحدة. وإذ تذكر بقرارَيها الصادرَين في 29 تشرين الثاني 1947 (قرار التقسيم) وفي 11 كانون الأول سنة 1948 (قرار إعادة اللاجئين والتعويض عليهم)، وتأخذ علماً بالتصريحات والإيضاحات التي قدّمها ممثّل حكومة إسرائيل أمام اللجنة السياسية المؤقّتة، بشأن تطبيق القرارَين المذكورين.... تقرّر أنّ إسرائيل دولةٌ محبّةٌ للسلام تقبل بالتزامات الميثاق، وأهلٌ للقيام بها ومستعدّة لتنفيذها، وتقرّر أن تُقبل إسرائيل عضواً في الأمم المتّحدة».
ويتّضح من القرار أن قبول عضوية إسرائيل ارتبط بتحقّق شروطها، فعضويّتها مربوطةٌ بموافقتها على القرارين 181 و194، وهي إلى يومنا هذا لم تنفّذ أيّاً منهما، ما يهدم سند قبولها قانونياً في الأمم المتّحدة.
ويضاف إلى ذلك، إمعان إسرائيل في انتهاك مبادئ ميثاق الأمم المتّحدة والقانون الدولي ومنظومة حقوق الإنسان الدولية، وما ترتكبه اليوم في غزّة من وحشية لا يترك مجالاً للتشكيك في انتهاكها للمادة الرابعة من ميثاق الأمم المتّحدة.
من هنا، يطرح بعض الخبراء القانونيّين من العرب والغربيّين إمكانية إعادة التقييم لعضوية إسرائيل في الأمم المتّحدة، سواء بطردها من المنظّمة، أو بتعليق عضويّتها أو خفض رتبة عضويّتها ، فهل هذا ممكن؟ الجواب في المادة الخامسة من ميثاق الأمم المتّحدة، وفيه أنه «يجوز للجمعية العامة أن توقف أيّ عضو اتّخذ مجلس الأمن قبله عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يردّ لهذا العضو مباشرةً تلك الحقوق والمزايا». وتنصّ المادة السادسة منه على أنه «إذا أمعن عضوٌ من أعضاء الأمم المتحدة في انتهاك مبادئ الميثاق، جاز للجمعية العامة أن تفصله من الهيئة بناءً على توصية مجلس الأمن». لذا، لحظ ميثاق الأمم المتحدة إمكانية حرمان أي دولة من عضويّتها أو حتى طردها من قبل الجمعية العامة. إلّا أنّ الإجراء يتطلّب صدور توصية من مجلس الأمن، وهذا أمر صعب التحقّق في حالة الكيان الصهيوني. فالفيتو الأميركي سيكون بالمرصاد.
ولكن، هل هناك إمكانيةٌ للالتفاف على مجلس الأمن بطرح مسألة إعادة التقييم لعضوية إسرائيل مباشرة أمام الجمعية العامة؟
ثمّة عددٌ من الآليّات لعرض مسألة عضوية إسرائيل مباشرة على الجمعية العامة، من بينها استخدام المادة العاشرة من ميثاق الأمم المتّحدة التي تنصّ على أنه للجمعية العامة أن تناقش أي مسألة أو أمر يدخل في نطاق هذا الميثاق. ووفقاً للمادة الحادية عشرة، للجمعية العامة أن تنظر في المبادئ العامة للتعاون في حفظ السلم والأمن الدوليّين وأن تناقش أي مسألة تكون لها صلة بحفظ السلم والأمن الدوليّين يرفعها إليها أيّ عضو من أعضاء الأمم المتّحدة أو مجلس الأمن، مع ملاحظة أنّ قرارات الجمعية العامة المتعلّقة بوقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها وفصل الأعضاء تحتاج إلى غالبية ثلثَي الأعضاء الحاضرين المشاركين في التصويت. وعبر هاتين المادتين، يمكن للمجموعتين العربية والإسلامية أن تقدّما طلباً لمناقشة موضوع عضوية إسرائيل.
كما أنّ هناك آلية أخرى لتخطّي مجلس الأمن، عبر الطلب من الجمعية العامة مناقشة عضوية إسرائيل ودورها في تهديد الأمن والسلم الدوليين بموجب قرار الاتحاد من أجل السلام الرقم 377 (صدر في 3 تشرين الثاني 1950) الذي ينصّ على أنه في أيّ حالة يخفق فيها مجلس الأمن، بسبب عدم توافر الإجماع بين أعضائه الخمسة الدائمي العضوية، في التصرّف كما هو مطلوبٌ للحفاظ على الأمن والسلم الدوليّين، يمكن للجمعية العامة أن تبحث المسألة بسرعة، أو يمكن عقد جلسة طارئة وفقاً لآلية الجلسة الخاصة. وللجمعية العامة أيضاً أن تستخدم صلاحيّاتها في اعتماد أوراق تفويض الوفود المشاركة في اجتماعاتها وفقاً للمادة 28 من نظامها الداخلي. وقد استخدمت فعلاً هذه الصلاحية عندما رفضت مشاركة وفد حكومة بريتوريا العنصرية في سبعينيات القرن الماضي. كذلك رفضت الوكالة الدولية للطاقة الذريّة اعتمادَ أوراق التفويض للوفد الإسرائيلي في 24 أيلول 1982. فبعدما كانت الوكالة تنوي طرح مشروع قرار التعليق لعضوية إسرائيل، وبفعل الضغط الأميركي، استُبدل مشروع قرار التعليق بقرار رفض اشتراكها في دورة المؤتمر العام للوكالة الذرية. محاولةٌ أخرى جرت عام 1982 عندما تقدّمت الجزائر بمشروع قرار لطرد إسرائيل من وكالة الاتّصالات التابعة للأمم المتحدة، وفي تشرين الأول من العام نفسه، تقدّمت ليبيا والعراق بطلب الرفض لأوراق اعتماد إسرائيل في دورة الجمعية العامة، وتم التراجع عن القرار بعدما هدّدت الولايات المتّحدة بعدم تسديد ديونها للأمم المتّحدة.
هذه المحاولات جاءت عقب صدور قرار الجمعية العامة، في 5 شباط 1982، والذي نصّ في فقرته الـ11 على أنّ الجمعية العامة «تعلن أنّ سجلّ إسرائيل وإجراءاتها تؤكد أنّها ليست دولةً عضواً محبّة للسلام، وأنها لم تفِ لا بالالتزامات المترتّبة عليها بموجب الميثاق ولا بالالتزامات المترتّبة عليها بموجب قرار الجمعية العامة 273 المؤرّخ في 11 أيار 1949». وتطلب من الدول تطبيق التدابير التالية: الامتناع عن إمدادها بالأسلحة ووقف المساعدات الاقتصادية والمالية ووقف التعاون معها، وقطع العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية والثقافية، والكفّ عن التعامل مع إسرائيل كي تعزلها عزلاً تامّاً في جميع الميادين، وتطلب من جميع الوكالات المتخصصة بمنظومة الأمم المتحدة أن تمتثل في علاقاتها مع إسرائيل لأحكام هذا القرار.
الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل اليوم في غزّة تستدعي استخدام إحدى هذه الآليات لإعادة النظر في قرار انضمام الكيان الصهيوني إلى المنظمة الدولية، خصوصاً أن الجمعية العامة نجحت في إصدار قرارَين لوقف إطلاق النار بغالبية الثلثين ما يعكس ارتفاع نسبة التأييد الدولي لقضية الشعب الفلسطيني، وتراجع هيمنة الولايات المتحدة التي فشلت في إدخال تعديل على النصّين لإدانة المقاومة.
لم يحدث في تاريخ منظّمة الأمم المتّحدة أن طُردت أو عُلّقت عضوية أي دولة من الدول الأعضاء. ولكن، كما كان انضمام إسرائيل إليها حدثاً استثنائياً، فهل يكون فصلها من العضوية حدثاً مماثلاً؟