يسمع اللبنانيون ويقرؤون كلّ يوم عن وجهات نظر مختلفة إزاء العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، بوصفه مصنّفاً في حالة العداء وفقاً للقوانين اللبنانية. فمنهم من يعتبر أنّ التعامل يشمل مشاركة ممثل عن العدوّ في حلقة تلفزيونية مثلاً، في حين أنّ البعض الآخر يرى ذلك أمراً مسموحاً طالما كان الموقف على الملأ، باعتبار أنّ القانون اللبناني لا يمنع ذلك، وفقاً لزعمهم.وفي إطار النّزاع السياسي اللامتناهي، يخوّن اللبنانيون بعضهم البعض في حين أنّ الموقف الرسمي لجميع سلطات الدولة يكنّ العداء للعدو بشكلٍ واضح.

القانون يجرّم أيّ اتصال مع العدوّ
من المحسوم قانوناً أنّ الصلات مع العدو غير مشروعة، فقد تناول قانون العقوبات مسألة دخول أراضي العدو، فنصت المادة 285 منه على أنّ كل لبناني وكلّ شخص مقيم في لبنان، أقدم أو حاول أن يقدم مباشرة أو بواسطة شخص مستعار على صفقة تجارية أو أيّ صفقة شراء أو بيع أو مقايضة مع أحد رعايا العدو، أو مع شخص ساكن في بلاد العدو، كما يُعاقب بذات العقوبة كلّ لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية يدخل مباشرة أو بصورة غير مباشرة، ومن دون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة بلاد العدو لأيّ سبب كان.
يعاقب القانون كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية زار بلاد العدو لأي سبب كان، سواء كان دخول بلاد العدو بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن دون موافقة الحكومة اللبنانية المسبقة. ولكن، هل من الممكن أن توافق الحكومة مسبقاً على دخول أراضي العدو لكي

يصبح الأمر مباحاً؟
من جهة أخرى يحقّ للقضاء ملاحقة أيّ لبناني أو أجنبي مقيم على الأراضي اللبنانية يتواصل مع العدو وهو على بيّنة من ذلك. لكن ماذا لو لم يكن على بيّنة؟ الأمر يستدعي من القضاء أن يكون دقيقاً كي لا يقع الافتراء، كما رأينا في أكثر من ملف، إذ باشر القائمون على التحقيقات بتسريب شكوكهم إلى الإعلام في عدد من الملفات، وتبيّن أنّ المتهم بريء بموجب حكم نهائي، فمن يُعيد إلى هذا المتهم كرامته؟ وعلى العكس من ذلك، فقد برّأت محكمة التمييز أحد العملاء الذين تأكّدت عمالتهم لسبب غير مقنع كما يثبت من الحكم الآتي.

محكمة التمييز وهيئة الاستشارات والتشريع: «العملاء أحياناً لطفاء»
عام 1998، اعتبرت محكمة التمييز في حكمها الصادر عن غرفتها السادسة الرقم 214/1998 أن تزويد أحد الأفراد اللبنانيين للعدو بمعلومات عن نشاطات الجبهة الشعبية - القيادة العامة والعمليات المنوي تنفيذها من قبلها ومنازل المسؤولين فيها، وكذلك عن بعض المسؤولين في حركة أمل وحزب الله، ليس جرم خيانة للوطن. إذ اعتبرت محكمة التمييز أنّ هذه المعلومات وإن كان يمكن للعدو الإسرائيلي استغلالها لغايات خاصة به، لا تتميّز بطابع السريّة والكتمان المقصود في المادة 281 عقوبات، إذ لا علاقة لها بسلامة الدولة اللبنانية، إنما فقط بأمن الجبهة الشعبيّة وحركة أمل وحزب الله، ولا سيما أنه ليس في التحقيق ما يُفيد عن أنّ توفير هذه المعلومات للإسرائيليين، كان يهدف إلى تمكينهم من الاعتداء على الدولة اللبنانية أو أراضيها. وخلُصت المحكمة إلى أنّ عناصر المادة 283 عقوبات تكون بذلك منتفية، وبانتفائها تنتفي أيضاً عناصر المادة 284 المعطوفة عليها؛ ما يقتضي منع المحاكمة عن المدعى عليه.
والمؤسف أنّ هيئة الاستشارات والتشريع سبق أن وقعت في هفوة مشابهة، عندما اعتبرت في استشارتها الرقم 376/2014 تاريخ 27/5/2014 أنّ المشترع، وتحديداً في ما يتعلق بالفقرة (2) من المادة الوحيدة من القانون الرقم 194/2011 - بسماحه للبنانيين وعائلاتهم الذين لم ينضووا عسكرياً وأمنياً ولجأوا إلى الأراضي المحتلة إثر تحرير الشريط الحدودي في 25 أيار 2000، بالعودة إلى لبنان - يكون قد أخرج هؤلاء اللبنانيين من دائرة تطبيق قانون مقاطعة إسرائيل ومن سائر القوانين الجزائية التي تعاقب على أي اتصال بالعدو الإسرائيلي، مساوياً بالتالي هؤلاء بأيّ لبناني آخر لم يتعامل مع العدو ولم يقبل بدخول أراضي العدو، وهو أمر أيضاً يستدعي التنبّه له ورفضه تماماً.
يعاقب القانون كل لبناني وكل شخص في لبنان من رعايا الدول العربية زار بلاد العدو لأي سبب كان


هذا الحكم وهذا الرأي يستدعيان إعادة النظر بقانون العقوبات، لأنّ خيانة الوطن هي من الجنايات الواقعة على أمن الدولة الخارجي، ومنها أعمال العدوان ضد لبنان والتجسّس ودس الدسائس عبر إقدام أيّ لبناني أو أجنبي مقيم في لبنان على التواصل مع العدو .
ما يقضي بتعديل قانون العقوبات بشكل يشمل أي تواصل مع العدو ويجرّم إعطاء أية معلومات أياً كانت وعن أي لبناني أو أية جهة كانت.

قانون مقاطعة إسرائيل أم حظر إدخال البضائع الإسرائيلية؟
بمراجعة قانون مقاطعة إسرائيل الصادر في حزيران من عام 1955، يشتفّ من مضمونه وكأنه محصور بالشؤون الاقتصادية، أي إن القانون ينحو تجاه حظر البضائع الإسرائيليّة فقط، وهذا الأمر يزداد تأكداً إذا ما قام المتابعون بمراجعة أسبابه الموجبة التي ورد فيها ما حرفيّته:
الحصار الاقتصادي المفروض على إسرائيل من لبنان وسائر الدول العربية يحتّم استصدار تشريع خاص ينظّم أعمال مقاطعة إسرائيل، فيحدد المسؤوليات ويعيّن الموجبات وينزل العقوبات بالمهرّبين من إسرائيل وإليها.
وهو ما يبرز أيضاً من المرسوم التطبيقي للقانون ذي الرقم 12562 تاريخ 19 نيسان 1963، مرسوم تنظيم مقاطعة إسرائيل والمرسوم الرقم 2896 تاريخ 16 كانون الأول عام 1959 المتعلّق بتنظيم وزارة الاقتصاد الوطني حين تم إتباع مكتب مقاطعة إسرائيل بوزارة الاقتصاد.
في عام 2018، أكّد مجلس شورى الدولة على أمرين: وجوب استمرار تطبيق قانون مقاطعة إسرائيل، وعلى الشقّ الاقتصادي للقانون.
بموجب قراره الرقم 682 /2017-2018 رفض مجلس شورى الدولة إبطال قرار وزير الاقتصاد، وبالتالي رفض إبطال قرار مجلس الوزراء في شقه المتعلّق بحظر التعامل مع إحدى الشركات الأميركية. إذ تبيّن للمجلس أنّ الشركة المذكورة في قرار مجلس الوزراء، لها شركات فرعية في إسرائيل تدعم إنشاء المستوطنات، وتعتبر بالتالي في حكم الشركات المحظور التعامل معها وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة الأولى من قانون مقاطعة إسرائيل الصادر بتاريخ 23/6/1955، ما اقتضى معه ردّ المراجعة لعدم ارتكازها على أساس قانوني سليم.
أن يصبح ملف العداء للاحتلال أمراً فيه وجهة نظر، خطب جلل يستدعي تعديل قانون العقوبات وقانون مقاطعة إسرائيل، وتضمين القانون الأخير حظر التطبيع يستدعي التعديل لهذه الجهة.