تتزايد الشكوك حول استخدام اسرائيل للمرتزقة مع عدم اعلان حكومة العدو عن الارقام الحقيقية لقتلاها ويرى البعض أن ذلك يعود لكون أن القتلى غير المعلن عنهم هم اجانب مقاتلين غير مسجلين في الجيش الاسرائيلي لذلك لا يتم احصاؤهم رسميا . شكوك أكدتها تقارير عدة من بينها صحيفة إلموندو الأسبانية التي أجرت مقابلة مع مرتزق اسباني شهير عرف عنه بقتاله في اوكرانيا مؤخرا وانتقل للقتال في الكيان الصهيوني مقابل مبلغ مالي يصل إلى أكثر من 3 الاف يورو في الاسبوع مع اعترافه أنه انضم إلى القوات الاسرائيلية لأسباب اقتصادية في الدرجة الاولى. وتحدثت تقارير أخرى عن مقتل سبعة من الاوكرانيين في حي الشجاعية في غزة، لكن اوكرانيا نفت باسم وزير خارجتها أن تكون قد ارسلت أي من جنودها إلى قطاع غزة، أو إلى أي منطقة في العالم وأن من تم رصدهم في الشجاعية ربما اسرائيليون من أصول سلافية أو اوكرانية . الحديث عن استخدام اسرائيل للمرتزقة في حربها المستمرة ضد الفلسطينيين ليس بالجديد، فقد كشف تقرير للمرصد الاورومتوسطي لحقوق الانسان في العام 2013 عن أن اسرائيل تجند في جيشها مرتزقة (من اليهود ومن غير اليهود على حد سواء) من معظم الدول الأوروبية. ولفت تقرير المرصد أن عملية التجنيد كانت تتم في الكيان الصهيوني على مدار عشرات السنين وكان وسيلة لتمكين سلطات الاحتلال على الاراضي الفلسطينية .لكن الجديد في الأمر ، هو ارتفاع وتيرة عملية التجنيد خلال الخمس سنوات الماضية لاستخدام مرتزقة في الدفاع عن المستوطنات وقمع المظاهرات الفلسطينية . أما عن نشاط تجنيد المرتزقة فيتم بواسطة منظمات صهيونية مرتبطة بجماعات يهودية ويمينية متطرفة اوروبية . وقد اعتمد التقرير على عدة مصادر لتأكيد معلوماته من بينها لقاءات مباشرة مع مجندين سابقين من عدة دول ابرزها النرويج وهولندا وفرنسا وبريطانيا.كذلك استقى التقرير معلوماته من وسائل اعلام ألمانية كشفت بالاسماء والصور عن مئات الألمان الملتحقين بالجيش الاسرائيلي ومنهم من شارك في عمليات عسكرية ضد غزة في ديسمبر 2008 ونوفمبر 2012.
إن تجنيد المرتزقة في الجيش الاسرائيلي يعود تاريخه منذ نشأة الكيان الصهيوني، فقد كان سلاح الجو في العام 1948 يعتمد اللغة الانجليزية بدلا من العبرية لأن أكثر العاملين فيه كانوا من جنسيات مختلفة من غير اليهود. وهو ما أكدته دراسة صدرت في يوليو 2002 أعدها عقيد متقاعد صهيوني يدعى أليعازر اسحاق وعنوان دراسته: المرتزقة في الجيش الاسرائيلي، يكشف في 230 صفحة عن حقيقة استخدام الكيان الصهيوني للمرتزقة. تؤكد الدراسة مشاركة العديد من العسكريين الأوروبيين في حرب العام 1948 وانضمامهم إلى العصابات الصهيونية مثل البالماخ والهاجاناه. وكان بن غوريون من أكثر المؤيدين لاستخدام هؤلاء نظرا لخبرتهم العسكرية وذلك لحاجة الكيان آنذاك لتأسيس قاعدة اساسية قوية للجيش تمكنه من مواجهة العرب . وبحسب الدراسة أيضا، فإن الانتصار في حرب 48 على العرب كان بفضل هؤلاء المرتزقة. وفي العام 1950 اعترف الكيان بفضلهم مانحا إياهم الاوسمة الرفيعة والجنسية الاسرائيلية. تجنيد المرتزقة والاعتماد عليهم منذ ذلك الوقت يأتي تطبيقا لقواعد العقيدة القتالية الصهيونية التي وضعها بن غوريون والتي تنص على التطوير المستمر في عمل الجيش والاعتماد على غير اليهود في المواجهات العسكرية لذلك تم تخصيص ميزانية ضخمة لتطبيق هذه العقيدة ، فالهدف هو تقليل الخسائر البشرية وسط اليهود . وعلى أساس هذه القاعدة خاض المرتزقة إلى جانب قوات الكيان الصهيوني حرب الـــــــــ 56 و67 وكما شاركوا ايضا في اجتياح جنوب لبنان عام 82. وتحتوي الدراسة على تفاصيل يرويها مرتزقة أتوا من دول اوروبية عدة والهدف الوحيد لديهم هو الحصول على المقابل المالي . وتكشف أيضا أن المرتزق يحصل على 7 الاف دولار مقابل قتله لأحد أعضاء المقاومة الفلسطينية و14 ألف دولار عند قتله لأحد زعماء الجماعات الفلسطينية المسلحة والمبالغ ترتفع كلما كان الهدف ينتمي إلى الرتب العليا. و أن الجيش الاسرائيلي يعمد إلى استخدام المرتزقة ايضا لمداهمة بيوت الفلسطينيين وملاحقتهم في الضفة الغربية واقتحام المخيمات كمخيم جنين. (الدراسة منشورة على موقع اسلام ويب)

فما حكم المرتزِقة في القانون الدولي ؟
المرتزقة كظاهرة دولية، تزايد الحديث عنها في فترة ستينيات وسبعينات القرن الماضي، ولقيت اهتماما كبيرا من قبل الأمم المتحدة بسبب ما شهدته الدول الافريقية من نشاط ملحوظ للمرتزقة الاجانب كان لهم دورا بارزا في الحروب الأهلية التي اندلعت في تلك الدول بعد استقلالها عن المحتل الأوروبي، وارتبط استخدامهم بأنشطة شكلت انتهاكا لحقوق الانسان .
المرتزِقة في القانون الدولي الإنساني: ليس لهم صفة اسير حرب
ينص البروتوكول الأول الإضافي1977 لاتفاقيات جنيف، في المادة 47 منه على أنه " لا يجوز للمرتزق التمتع بوضع المقاتل أو أسير الحرب . و المرتزِق هو أي شخص يجرى تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح، و يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية، ويحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم، وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد أطراف النزاع، وليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة . وبنا ء على التعريف المقدم اعلاه، ليكون الشخص مرتزقا يتعين أن تتحقق الشروط المذكورة في المادة 47 مجتمعة، فإذا لم تنطبق عليه احداها فلا يخضع لنص المادة . وفي حال توافرت كلها، فإن الشخص يعتبر مرتزقا ويفقد الحماية القانونية فلا يعامل معاملة المقاتل أو أسير حرب . وتعتبر هذه المادة من قواعد القانون الدولي الانساني العرفي. والمفارقة أن كتيّب للتعليم في الجيش الاسرائيلي ينص على هذه القاعدة ! على أنه يجب توفير المحاكمة العادلة للمرتزِق وفقا للمادة الرابعة من اتفاقية جنيف الثالثة .

استخدام المرتزقة جريمة دولية
مما تقدم يتضح أن القانون الدولي الانساني لا يتناول مشروعية انشطة المرتزقة ولا يحدد مسؤوليتهم ولكن يحدد وضع المرتزق كما ذكر ، ولكن القانون الدولي العام يحظر بشكل صريح استخدام المرتزقة في النزاعات المسلحة ويعتبرها جريمة دولية وفقا للاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم لعام 1989 والتي دخلت حيز النفاذ في 20 أكتوبر من العام 2001 . وبلغ عدد الدول الاعضاء فيها 30 دولة، اسرائيل ليست من ضمنهم . تبنت الاتفاقية تعريف المرتزقة الوارد في المادة 47 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقية جنيف، ولكنها أيضا توسعت في المفهوم ، فلا يكفي توافر الشروط الورادة والمذكورة اعلاه، بل اعتبرت ان كل من يرتكب الاعمال التالية يكون قد ارتكب جريمة وهي : تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم (المادة 2)؛المشاركة بشكل مباشر في الأعمال العدائية أو في أعمال عنف مدبرة كمرتزق (المادة 3)؛محاولة ارتكاب إحدى الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية، أو المشاركة في ارتكاب هذه الجريمة (المادة 4). وتتناول المادة 5 من الاتفاقية مسؤولية الدول، وتنص على أنه لا يجوز لها تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم، ويجب عليها علاوة على ذلك حظر مثل هذه الأنشطة ويجب اتخاذ جميع التدابير القانونية والمناسبة لمنع تجنيد المرتزقة أو استخدامهم أو تمويلهم أو تدريبهم لغرض مقاومة الممارسة الشرعية لحق الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير مصيرها. ويجب أن يعاقب على الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية بعقوبات مناسبة تأخذ في الاعتبار طبيعتها الخطيرة. وتطالب الاتفاقية الدولية الدول الاعضاء بالتعاون القضائي فيما بينهم لأقصى حد ممكن بما يشمل الاجراءات الجنائية التي يجب اتخاذها بشأن الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية . كما فرضت الاتفاقية اتخاذ اجراءات محاكمة المتهم سواء كان من مواطنيها أو من مواطني دولة طرف يوجد على اقليمها الشخص المنسوب إليه الجرم أو اتخاذ اجراءات اخرى تضمن تسليمه على أن يلقى المتهم بجرم الارتزاق محاكمة عادلة.
عام 1948 كان سلاح الجوّ يعتمد الانجليزية بدلاً من العبرية لأن أكثر العاملين فيه كانوا من جنسيات مختلفة من غير اليهود


وبناء على الاتفاقية الدولية، فإن اقتراف مهنة المرتزقة هو فعل غير شرعي ويقع خارج دائرة الشرعية في القانون الدولي العام ، وتعد جريمة دولية ذات اختصاص عالمي أي تستطيع أي دولة أن تحاكم المرتزق وفقا لقوانينها الوطنية . كذلك يعتبر التجنيد التي تقوم به الشركات العسكرية والأمنية الخاصة عمل غير مشروع وهو ما طالب به المقرر الخاص الأممي المعني بمسألة المرتزقة ومكافحتها. فالمطلوب هو مكافحة كل الأساليب التي تعمل بها المرتزقة التي في أغلبها لا تحكمها أي قواعد قانونية أو اجرائية . من هنا كانت الحاجة إلى التأكيد على ضرورة خضوع تلك الشركات لقواعد القانون الدولي الانساني وحقوق الانسان وهو أكدت عليه وثيقة مونترو (غير ملزمة)التي اطلقتها سويسرا واللجنة الدولية للصليب الأحمر في أوائل عام 2006 وتم اعتمادها نهائيا في سبتمبر 2008 ، و تتضمن القواعد القانونية الواجب على الدول المتعاقدة والشركات العسكرية والأمنية اتباعها لضمان عدم انتهاك القانون الدولي الانساني ، كذلك اشتملت على أفضل الممارسات الكفيلة لضمان حقوق الانسان اثناء عمل الشركات العسكرية في الدولة المتعاقدة معها. وبالرغم من ذلك، مازالت أنشطة هذه الشركات محل جدل قانوني لم يحسم بعد.

مسؤولية مزدوجي الجنسية عن جرائم الحرب
تحدثت تقارير أخرى عن مشاركة الالاف من مزدوجي الجنسية في حرب غزة، أي ممن يحملون الجنسية الاسرائيلية وجنسية دولة أخرى وبالتالي هم من جنود الاحتياط، و لا ينطبق عليهم تعريف المرتزقة الوارد اعلاه، إلا أنهم معرضون للمساءلة القانونية من قبل الدول التي يحملون جنسيتها . فمعظم الدول تمنع مواطنيها من المشاركة في نزاعات مسلحة في دولة أخرى وإن كانوا من حملة جنسيتها وبعضها الآخر يفرض أخذ الموافقة المسبقة وإلا تعرضوا للملاحقة القانونية وسحب الجنسية . وهو ما أعلنته جنوب افريقيا على نحو صريح وواضح من أن مواطنيها المشاركين في الحرب الاسرائيلية سيتعرضون للملاحقة القانونية الجنائية بتهمة التواطؤ بارتكاب جرائم حرب وقد يتم سحب جنسيتهم الجنوب افريقية وعليهم الحصول على إذن مسبق قبل الالتحاق بالجيش الاسرائيلي وفقا لقانون الجنسية لعام 1995 . و صرّح النائب الفرنسي توماس بورتس أن أكثر من 4 آلاف فرنسي من حاملي الجنسية الاسرائيلية يقاتلون في غزة وأنه على وزير العدل احالة مزدوجي الجنسية المدانين بارتكاب جرائم حرب إلى القضاء الفرنسي . كذلك ، تقدم المركز الدولي للعدالة من اجل الفلسطينيين بطلب عاجل إلى وزارة الخارجية البريطانية لتوضيح موقفها بشأن ذهاب البريطانيين للقتال في اسرائيل ووفقا لتقارير المركز فإن المئات من المواطنين البريطانيين غادروا البلاد للمشاركة إلى جانب قوات الاحتلال منذ 7 اكتوبر ويعتقد أنهم متواطئين بالفعل في ارتكاب جرائم حرب أو ضد الانسانية وقد يواجهون محاكمات مستقلة. ويطالب المركز من بريطانيا أن تتخذ موقفا مماثلا لذلك الذي اتخذته تجاه من شارك من مواطنيها في حرب اوكرانيا إذ اعتبرت مشاركتهم جريمة جنائية.
إن استخدام المرتزقة هو جريمة دولية تضاف إلى سجل الجيش الاسرائيلي الحافل بشتى انواع الجرائم الدولية ، فهو مخالف للقانون الدولي ولقرارت الأمم المتحدة التي تدين الارتزاق وتجنيد المرتزقة وتعتبره مصدر تهديد للاستقرار العالمي وانتهاك لحقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها. وهو استخدام يحمل في طياته اقرارا أن الكيان الصهيوني غير قادر بمفرده على مواجهة حركة التحرر الوطني الفلسطينية.