أقرّت الهيئة العامة لمجلس النواب، أثناء النقاش في موازنة 2024، بنداً يفرض غرامة بمعدل 17% على المستفيدين من عمليات «صيرفة». بعض النواب يرى في إقرار هذه الغرامة فائضاً من الشعبوية، وبعضهم الآخر يراها إنجازاً يلقي عنه المسؤولية ويضعها على عاتق الحكومة. بين الأمرين، ثمّة نقاش قانوني في تشريع ضريبة كهذه بمفعول رجعي، وفي القدرة على استصدار آليات تطبيقية ومحاسبية.في النقاشات التي دارت في الجلسة الأخيرة لمجلس النواب، تركّزت الأسباب الموجبة لإقرار «ضريبة» أو «غرامة» على أرباح الأفراد والمؤسّسات من العمليات التي أجروها في إطار تعاميم مصرف لبنان على مدى أكثر من سنة ونصف سنة في عامي 2022 و2023، حول «استفادة هؤلاء» من أموال صُرفت من احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية. وقال النائب جورج عدوان إن قيمتها تبلغ 2.1 مليار دولار واستند إلى النتائج التي تلت توقيفها والتي تمثّلت في مراكمة مصرف لبنان خلال خمسة أشهر نحو 800 مليون دولار إضافية في الاحتياطات بالعملة الأجنبية. أما النائب وائل أبو فاعور، فهو من قدّم اقتراح فرض هذه الضريبة أو الغرامة باسم اللقاء الديمقراطي، ثم اعتبر النائب حسن فضل الله أن اقتراحه هو من أُخذ به لإقرارها. وعندما اعتبرها النائب عدوان غرامة وليس ضريبة ردّ عليه رئيس لجنة المال والموازنة متهكّماً: هل المشكلة في كونها ضريبة أم غرامة؟
مشكلة هذا التنافس على تبنّي النص المقترح، أن كل النواب كانوا يشاهدون بأمّ العين صدور تعاميم مصرف لبنان التي تشرّع عملية النهب لما تبقّى من احتياطات بالعملة الأجنبية من دون أن يحرّكوا ساكناً. لم يقدّم أيّ من هؤلاء النواب اقتراحاً معجّلاً مكرّراً لفرض ضريبة أو غرامة في ذلك الوقت رغم هذا السباق الحاصل اليوم. وبحسب مصادر نيابية، فإن النصّ المقترح الذي يفترض أنه أُقرّ في الجلسة لم يظهر بعد. وتقول إن عدداً من النواب، من بينهم أبو فاعور، حاولوا الاستحصال عليه، إلا أنهم اصطدموا بعملية تفريغ المحاضر البطيئة وغياب نصّ مكتوب واضح. وبحسب النائب فضل الله، فإن صيغة النصّ مبنية على أن الأرباح التي تحقّقت من عمليات صيرفة هي «مال منهوب واستعادته واجبة، سواء بمفعول رجعي أو غيره»، مشيراً إلى أنه «في الحالات الاستثنائية هناك تشريعات استثنائية». وتشير أوساط في المجلس إلى أن الصيغة المقترحة تتضمّن استثناء الأفراد من الغرامة وشمولها الشركات والمؤسسات. لكنّ فضل الله يناقش في الآليات التنفيذية للقرار، مشيراً إلى أن «بيانات كل المستفيدين من صيرفة موجودة لدى المصرف المركزي»، وبالتالي الأمر يتعلق بوجود «نيّة وقرار للتطبيق، ويجب القيام بذلك». ردّ فضل الله على المشكّكين الذين يشيرون إلى وجود إشكالية متصلة بالتطبيق، لا يلغي حقيقة هذه العقبات. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن التحقّق من حجم الأرباح؟ ما هي المرجعية القانونية والإدارية لمعرفة سعر السوق في تاريخ تنفيذ العملية؟ من هي الجهة المولجة بالاطّلاع على بيانات المستفيدين ومتابعتها؟ من هي الجهة المعنية بتحصيل قيمة الغرامات؟
ثمّة الكثير من الأسئلة التي تدفع النائب جميل السيد إلى تصنيف هذه الغرامة أو الضريبة بـ«الشعبوية». ويقول السيّد إن هذا البند «شعبوي وعشوائي، بل هو بند إنشاء عربي ليس مبنياً على أرقام تقديرية ولا على آلية واضحة». ويضيف: «كيف يمكن أن تضع بنداً لا تعرف حجم الإيرادات التي يمكن أن يحققها لكي تُحتسب في الموازنة؟». والسيد كان قد أشار إلى أنه تبدّد نحو 7 مليارات دولار على منصّة «صيرفة» في إطار خطّة لـ«سرقة أموال الاحتياط بالعملة الأجنبية».