تختلف العودة المرتقبة للرئيس سعد الحريري إلى بيروت هذا العام عنها في السنة الماضية. سقف الآمال التي يتقصّد قياديون في المستقبل بثّها لدى الجمهور عالٍ، وخصوصاً مع اعتماد الفريق الإعلامي اللصيق به شعار «تعوا ننزل ليرجع»، لضمان مُشاركة حشود شعبيّة في زيارة الحريري لضريح والده الرئيس رفيق الحريري. هو شعار يفتح شهيّة الشّارع السني على تخيّل رئيس «المستقبل» مقيماً في بيت الوسط زعيماً وفي السرايا الحكومية رئيساً بعد «كف التعقّبات» السعودية عن مسيرته السياسيّة. مع ذلك، لا يبدو شيء من كل هذا واقعياً، حتّى لدى بعض كوادر في «التيّار الأزرق» ينفون وجود أيّ إشارات إيجابيّة توحي بعودته الدائمة، قبل أن يختموا بأن الأمر مرتبط بـ«قراره الشخصي».ولأن القرار الشخصي مرتبط أساساً بالقرار السعودي الحازم بإبعاد الحريري عن الحياة السياسية، ينفي مُتابعون أن يكون أيّ تغيّر قد طرأ على حُكم الديوان الملكي بإلزام الحريري «بيت الطّاعة الإماراتي» إلى أجلٍ غير مسمّى. لذلك، يقول «مستقبليون» إنّ الحديث عن العودة النهائيّة هدفه رفع معنويات الجمهور وشدّ عصبه للمشاركة في الذكرى الـ 19 لاغتيال الحريري الأب، وتظهير صورة الحشود أمام الضريح لإيداعها في البريد السعودي، موقّعة باسم الشارع السني الرافض أن يملأ أحد الفراغ الناتج من غياب الحريري، ما يغيّب اللاعب السنّي عن طاولة التسويات المحليّة. لذلك، يعبّر مسؤولون في التيار عن الاستياء محذّرين من أن رفع سقف توقّعات الجمهور سيرتدّ سلباً ومزيداً من الإحباط السني. رغم ذلك، يشدّد هؤلاء على ضرورة أن يمدّد الحريري زيارته أياماً إضافية للاستماع إلى جمهوره، وخصوصاً أنّ تمديداً كهذا لا يخضع لـ«الفيتو السعودي» بل متروك لاجتهاد «دولة الرئيس» نفسه.
في المقابل، فإنّ لكوادر آخرين رأياً آخر. يؤكّد هؤلاء أن تكبير حجر الزيارة ليس من بنات أفكار محبي الحريري وكوادر «المستقبل»، كما حصل السنة الماضية، وإنما بفعل رغبة الحريري نفسه في إحاطة زيارته بضجّة. ويستدلّون على ذلك بأسماء أعضاء الفريق الذي يُنسّق الزيارة، وعلى رأسهم رئيس جهاز الحماية الشخصية للحريري عبد العرب ومستشاره هاني حمّود اللذان يُتابعان كلّ تفاصيل الزيارة وجدول المواعيد، والتقيا فاعليّات سياسيّة واجتماعية لشد العصب الجماهيري. ولأنّ الرجلين يعدّان ظلّين للحريري، فقد ترك ذلك انطباعاً بأنّ الأخير يُشرف بنفسه على التفاصيل، وخصوصاً أن هذه اللقاءات عُقدت في بيت الوسط وليس في مكتب «التيار» ومنسّقياته.
ولكن ألا تستفزّ رغبة الحريري في الحشد الجماهيري أمام الضريح أو في بيت الوسط المملكة؟ لا يملك القريبون من «المستقبل» إجابة واضحة. فالديناميكية الحريريّة «قد تُغضب المملكة»، ومع ذلك يعتقدون بأن حماسة رئيس «المستقبل» المستجدّة لم تكن لولا إشاراتٍ وصلته من الخارج. ويُرجّحون أنها نصيحة روسيّة نقلها له مستشاره للشؤون الروسية جورج شعبان بعد لقائه نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف، إضافة إلى تدخّلات غربيّة ووعودٍ بترتيب العلاقة مع السعودية.
بغضّ النظر عن خلفيات قرار الحريري الذي لم تتبلّغه حتى دائرته القريبة، فإن مسؤولي «المستقبل» بدأوا بالحشد في بيروت والمناطق التي ستكون لها مشاركة أكبر، فيما يتحدّث البعض عن مُشاركة استثنائية لأهالي صيدا بعدما وعدت النائبة السابقة بهيّة الحريري بتأمين مشاركة أكثر من ألف شخص من عاصمة الجنوب. كما بدأ المنظّمون بتأمين وسائل النقل من المناطق، وإن وجدوا في الأيام الأولى من التحضيرات صعوبة في تأمين الكلفة المالية، قبل أن يتلقّوا وعداً من هاشميّة وغيره من الشخصيات بتمويل «الحدث».