ومن إنجازات الجبهة اللبنانية، أيضاً، بلورة واقع ميداني ضاغط على كيان العدوّ في وجه محاولاته لفرض معادلة جديدة في جنوب لبنان كجزء من تداعيات «طوفان الأقصى». وفي هذا المجال، لفت معهد أبحاث الأمن القومي إلى أن حزب الله يقاتل في سياق الأهداف الاستراتيجية التي يسعى إليها، ومن بينها «الحفاظ على توازن القوى وتوازن الردع، وتحسينهما لمصلحته في ما يتعلق باليوم التالي للحرب»، وهو معطى يكشف حضور البعد الاستراتيجي المتعلق بمستقبل الوضع في لبنان والمعادلات التي ستحكمه بعد انتهاء الحرب، بما يحفظ المصالح الاستراتيجية للمقاومة ولبنان.
بعد خمسة أشهر على القتال، لم ينجح الجيش في تحقيق الإنجاز الاستراتيجي المؤمَّل بردع المقاومة
وتقرّ دوائر القرار في كيان العدوّ، بعد نحو خمسة أشهر على القتال، بأن الجيش لم ينجح في تحقيق الانجاز الاستراتيجي المؤمَّل بردع حزب الله، بسبب مجموعة عوامل رئيسية، من بينها قوة ردع حزب الله التي تشكل العامل الرئيسي لارتداع كيان العدوّ حتى الآن عن شن حرب شاملة على المقاومة. وهو حرص لا تزال قيادة العدوّ السياسية الأمنية تتمسك به، ويعكس تقديراتها ومخاوفها من تداعيات هذه الحرب على الأمن القومي الإسرائيلي. كما يعود الى القواعد التي فرضها حزب الله وأدّت الى تقييد خيارات الجيش وقلَّصت نطاق ضغوطه، ورغم ارتقاء أدائه العدواني بشكل محسوب ومضبوط في أكثر من محطة، إلا أنه بقي محدوداً حتى الآن.
وبحسب قراءات إسرائيلية، أيضاً، و«لدى النظر إلى الميزان المؤقت لنتائج القتال، من الواضح أن الجانبين تعرّضا لضرر كبير في الأملاك والمعدات، لكن الضرر الذي أصاب البنى التحتية لحزب الله كان أكبر»، ربطاً بالتطور التكنولوجي لدى العدو. لكن هذا التفسير يتجاهل أيضاً العامل المتمثل بالتزام حزب الله قواعد اشتباك تتصل بالنطاق الجغرافي والوسائل القتالية والأهداف، بهدف حماية البيئة المدنية واحتواء التصعيد، من دون أن يكون ذلك على حساب الاستراتيجية التي ينتهجها.
بموازاة ذلك، شكَّل صمود حزب الله وبيئة المقاومة أحد أهم عوامل فشل العدوّ، الذي راهن على تأليب هذه البيئة ضد المقاومة. وتحوّل هذا الصمود الى قاعدة تستند إليها المقاومة في ضرباتها المدروسة والمحسوبة.
أمام هذا الواقع الشديد التعقيد، تواجه مؤسسة القرار السياسي والأمني في كيان العدوّ تحدّياً جوهرياً يتمثل بكيفية تحقيق الأهداف الإسرائيلية وتجسيد القدرة العملياتية لجيش العدوّ بمستويات أشدّ، من دون أن يؤدي ذلك الى نشوب حرب شاملة مع لبنان على الجبهة الشمالية، قد تتدحرج الى حرب إقليمية.
في كل الأحوال، تشكل هذه المرحلة من المواجهة مع إسرائيل حلقة في صراع مستمر، لكنها تجسّد تطوراً نوعياً بالقياس الى المراحل السابقة. وتؤسس لمعادلات ومرحلة جديدة ستتبلور معالمها في ضوء نتائج «طوفان الأقصى» والحرب على غزة وامتداداتها من البحر الأحمر الى جبهة لبنان.