أما رئاسياً، فلبنان هو واحد من ملفات المنطقة المتعددة، ولم يحن بعد أوان فتحه جدياً. ومع ذلك فإن اللجنة الخماسية، التي تضم قطر وفرنسا، لا تزال حية ولو من دون تصوّر واضح. لكن لا يمكن التعامل مع الزيارة رئاسياً من دون العودة أشهراً إلى الوراء، حين تقدمت قطر في المشهد اللبناني. فباريس لم تنظر إلى الدور القطري في لبنان بارتياح في الدرجة الأولى، وكانت ترى في قطر المحفظة المالية التي تموّل الاقتراحات والتسويات التي تسعى فرنسا إلى تسويقها رئاسياً وسياسياً عبر مشاريع اصطدمت بالحائط. ولم تتصرف باريس مع الدوحة عندما بدأت تحركها رئاسياً في لبنان إلا على أساس أن هناك من انتزع منها هذا الدور وأعطاه لقطر، تعبيراً عن فشل مبادرة ماكرون قبل أن ترسو فرنسا على تكليف الموفد جان إيف لودريان. لكن بقدر ما أعطي لقطر من دور في التحرك الرئاسي عبر موفديها الذين لم يتوقفوا عن زيارة لبنان سراً وعلانية، رُسم لها - كما لباريس قبلها - إطار محدد لم يتم تخطيه. وكلاهما يعرفان أن اللجنة الخماسية تشكل غطاء لهما. لكنّ السقف المرفوع لا يزال حتى الساعة أميركياً. والأميركيون لم يقولوا كلمتهم بعد في الملف الرئاسي. من هنا، فإن أي اجتماع، ولو على مستوى الصف الأول لرئيس فرنسا وأمير قطر، لن يكون له انعكاس مباشر على أي ملف يتعلق بتحقيق أي خرق رئاسي. فلا السعودية أعطت الضوء الأخضر، ولا الولايات المتحدة المنشغلة بانتخاباتها وبحرب غزة وبأوكرانيا وروسيا، منصرفة حتى الساعة إلى جهود نهائية تتعلق بإبرام تسوية تتعلق بلبنان.
تصوير القمة كحدث متقدّم على طريق حل الأزمة اللبنانية يحمل كثيراً من المبالغات
في موازاة ذلك، يتطور الكلام إلى موضوع الجيش. منذ الصفقة الفرنسية - السعودية، والمال الذي يُدفع إلى الجيش غير فرنسي، ولو عبر صفقة سلاح فرنسية دُفنت لاحقاً. والمشاريع التي تتعهّد بها باريس للجيش عبر مؤتمرات سبق عقدها هي بأموال غير فرنسية. تحوّلت قطر، بعد السعودية، إلى مموّل للجيش، بتغطية أميركية، بالتزامن مع الانهيار المالي والاقتصادي الذي ضرب لبنان ومؤسساته الأمنية. وكانت حاجة الولايات المتحدة إلى استقرار لبنان تمر حكماً عبر عمود فقري هو الجيش الذي ترعاه، فكانت تسوية دفع رواتب لعناصره، والتي تولّت قطر لأشهر تقديمها. في موازاة ذلك، اعتُبر أي تحرك لقائد الجيش العماد جوزف عون نحو قطر تحركاً رئاسياً، على قاعدة الخيار الثالث. وفي الإطار نفسه، نُظر إلى لقاء باريس كـ«ترفيع» رئاسي لقائد الجيش، وهذا أمر لا يمكن الاعتداد به مبكراً. علماً أنه لم يعد سراً أن باريس تسرّعت في الدعوة إلى المؤتمر، قبل أن تجهضه واشنطن، إذ لا يمكن دعمه على مستوى عال قبل اتضاح مهماته جنوبياً. وقد نُظر إلى الاقتراح الفرنسي على أنه واحد من الأفكار التي تستعجل إدارة ماكرون في تسويقها وإضافتها إلى روزنامة عمل متتالية على الصعيدين الإقليمي والدولي، إذ تكاد باريس هذه الأيام تطرح نفسها محرّكاً لمفاوضات وأفكار للنقاش من أوكرانيا إلى غزة إلى لبنان. لكن ما يؤمل منه للجيش لن يكون سوى تتمة لمسار سابق، لا أكثر. من هنا، وبقدر ما تحتفل باريس بزيارة أمير قطر، يمكن للبنان ألا يتوقّع أي انعكاس إيجابي سريع، فالطريق للوصول إلى حلول نهائية لا تزال طويلة.