وفي آذار الماضي، شارك رئيس «لجنة إدارة كيبوتس حانيتا»، نداف كمينر، في جلسة للكنيست تحدّث خلالها عن المصنع الذي تمتلكه مستوطنته بشكل جزئي، موضحاً أنه سينتقل للعمل في منطقة أخرى، وأن «حانيتا» ستفقد جراء ذلك مليون شيكل سنوياً (نحو 260 ألف دولار)، إضافة إلى خسارة فرص عمل لسكانها وسكان المنطقة المحيطة بها. وأضاف: «بعد اندلاع الحرب، قررت مصانع ومصالح عدة ترك المنطقة»، مطالباً الحكومة «بدعم المصانع التي قررت البقاء لتتمكّن من الصمود»، ومحذّراً من تراجع مداخيل المستوطنات الشمالية وآثار ذلك على الاستيطان في الشمال عموماً. إذ قال مستوطنون من عمال المصانع ممن نزحوا من المنطقة إنهم «وجدوا أشغالاً في أماكن إقامتهم الجديدة، وربما لا يعودون إلى أعمالهم السابقة، ما قد يدفع مصانع وشركات أخرى في الشمال إلى ترك المنطقة».
أُنشئت مستعمرة «حانيتا» في شمال فلسطين بين عامي 1936 و1939 ضمن مستوطنات «سور وبرج» الـ53، واشترى أرضها آنذاك رئيس اللجنة المركزية لـ«كاكال» (الصندوق القومي الإسرائيلي) يوسف سينيجليا، عبر وسيط لبناني. وانتحل سينجيليا صفة رجل دين مسيحي وادّعى أمام صاحب الأرض، المحامي الفلسطيني عضو بلدية حيفا في حينه جميل أبو أبيض، بأن الكنيسة ترغب في افتتاح دير في المنطقة. وقد أكّد سينيجليا هذه الرواية في ما بعد، مشيراً إلى أنه بعدما عرف الفلسطينيون بالخديعة، قتل ثوارٌ فلسطينيّون الوسيط اللبناني.
بعد أكثر من ثلاثة عقود على نجاح المشروع الصهيوني في إقامة «دولة إسرائيل»، ولدت فكرة إنشاء مصنع «عدسات حانيتا». وكان الهدف الرئيسي من ذلك، وفقاً لصحيفة «غلوبس» الاقتصادية الإسرائيلية، توفير فرص عمل لأعضاء المستوطنة المتقدمين في السن، وهم أعضاء الجيل الذي أسّس المستعمرة عام 1938، لكسب بعض المال من دون الحاجة إلى بذل جهد بدني. وشجّع على ذلك نجاح مصنع آخر يُدعى «متيخت حانيتا» (معادن حانيتا) الذي بيع لمؤسسة «كور» في السبعينيات، قبل أن يتخصّص في إنتاج الأغطية المعدنية للصفائح البلاستيكية ويباع قبل أعوامٍ بنحو 75 مليون دولار.
خسرت المستعمرة عائدات مالية وفقد سكّانها عشرات فرص العمل
في غضون سنوات قليلة، حقق المصنع نجاحاً باهراً، وعمل على إنتاج عدسات صلبة ملائمة للاستخدام الشخصي، وتحوّل إلى رائدٍ في مجاله، مسيطراً على السوق الإسرائيلية. وبعد الـ2000، غزت العدسات اللاصقة التي تُستخدم لمرةٍ واحدة السوق، ما فرض على المصنع أن يُعيد اختراع ذاته ليتمكّن من منافسة شركات عدّة في السوق. ووفقاً للمدير التنفيذي للمصنع، يورام غونين، «في تلك اللحظة شعرنا بأننا نتراجع في السوق»، خصوصاً بوجود العراقيل التي تعترض دخول مجال العدسات ذات الاستخدام لمرة واحدة. وعليه، بدأت الشركة تستورد هذه العدسات التي تباع من دون وصفة طبية، وحققت أرباحاً كبيرة، غير أن المصنع «الذي كان مفخرة الكيبوتس، أصبح هامشياً»؛ إذ وجه 80% من بيع المنتجات المستوردة إلى السوق الإسرائيلية، و20% إلى الخارج، وبات 95% من نشاطه عملياً يعتمد على التجارة وليس الإنتاج.
عقب التغيّرات التي طرأت على السوق، قرر المصنع تركيز جهده على أحد أهم المجالات التي كان قد بدأ العمل فيها منذ الثمانينيات بصورة هامشية، وهي صناعة زراعة العدسات التي تستخدم في جراحة الساد لإزالة عدسة العين الطبيعية وتبديلها بعدسة اصطناعية. وبين 2004 و2005، بدأ التركيز في الكيبوتس على تطوير الفكرة. وبحلول عام 2011، بات المشروع جاهزاً وبدأ العمل على إنتاج عدسات قابلة للطيّ ولها نقطة بؤروية واحدة، نافست العدسات الصلبة غير القابلة للطي والتي كانت تتطلب زراعتها إحداث شقّ أكبر في عين المريض ما يعرّضه لمضاعفات.
بعد نجاح المصنع في إنتاج العدسات الجديدة وتجربتها في العمليات الجراحية، شقّ طريقه إلى خارج إسرائيل، وبات من بين 60 شركة على مستوى العالم توفر مثل هذه العدسات، فيما استُخدمت منتجاته في 300 ألف عملية جراحية حول العالم.
كتب مقاومو حزب الله بدمائهم ونيرانهم الفصل الأخير من حكاية «مفخرة حانيتا»، ومنذ ستة أشهر، ترك سكان الكيبوتس، الذي استوطنه أجدادهم منذ 83 عاماً، «حانيتا» وحيدةً في مهبّ المقاومين.