صدر عدد الجريدة الرسمية الرقم 34 بتاريخ 11/7/2019، وفيه القانون الرقم 138 (استبدال بعض العقوبات بعقوبة العمل الاجتماعي المجاني) المعروف باسم «قانون العقوبة البديلة».تضمّن القانون 7 مواد، أجازت الأولى منه للمحكمة أن تقضي، في بعض الجرائم، باستبدال عقوبة الحبس المفروضة قانوناً بعقوبة تلزم المحكوم بعمل اجتماعي من دون مقابل. وحدّدت الجرائم التي يمكن للمحكمة أن تستبدل عقوبتها بعقوبة العمل المجاني، فاستثنت الجنايات والجنح الشائنة وحالات التكرار، حيث الجناية هي جريمة خطيرة وتترك آثاراً قاسية في المجتمع ولا يجوز التساهل مع مرتكبها، أما التكرار فيدل على نوع من الاعتياد الجرمي، وهو يتحقق عندما يقدم شخص ما على ارتكاب جريمة تماثل أو تفوق جريمة أخرى سبق ارتكابها في فترة زمنية محددة، ما يؤكد تحقق الركن المعنوي للجريمة، وأن مرتكبها عادة ما يستسهل الارتكاب.

(هيثم الموسوي)

هذه الاستثناءات وردت في اقتراح القانون الموقع من عدد من النواب. وفي معرض درس الاقتراح أمام لجنة فرعية انبثقت من لجنة الإدارة والعدل، وبحضور قضاة متمرّسين في المحاكم الجزائية وذوي تجارب وخبرات كبيرة، أُسقطت عبارة الجنح الشائنة، بمعنى أن للمحكمة استبدال العقوبة ولو كانت الجنحة شائنة. وكانت الأسباب التي سيقت من قبلهم أنه من خلال تجاربهم، تبين لهم أنه قد يضطر شخص ما إلى ارتكاب جنحة شائنة من دون أن يكون له خيار في ذلك، والقاضي بحسب النصوص النافذة ملزم بإصدار حكم يتناسب مع الجرم ولا يعير اهتماماً إلى ظروف المرتكب إلا ضمن مروحة العقوبة التي حدّدها القانون.
من خلال الاطلاع على الاقتراح بحسب ما عدلته لجنة الإدارة والعدل قبل أن ترفعه إلى الهيئة العامة، يتبين أن اللجنة تبنّت ما وصلت إليه اللجنة الفرعية لجهة الاستثناءات التي لا يحق للمحكمة عندها فرض عقوبة العمل الاجتماعي بدل عقوبة الحبس. أما لجهة مدة العمل المجاني المستبدل بعقوبة الحبس، فقد نصّ الاقتراح على أن تكون خمسين ساعة عن كل شهر حبس. وأتى النص على إطلاقه، أي من دون تحديد أيام العمل ومدة العمل اليومي، تاركاً للمحكمة ضبطها بحسب ظروف كل محكوم. فللقاضي أن يحدد أيام ومواقيت ساعات العمل الاجتماعي لكل محكوم على حدة بحسب دوام وظيفته الأساسية، أو دوام التعليم للطالب وهكذا. أما لجنة الإدارة والعدل، فقد ذهبت إلى تحديد دقيق باعتبار أن الحكم قد يأتي بالأيام وليس بالأشهر، فقررت أن تكون مدة العمل الاجتماعي ساعة ونصف الساعة عن كل يوم حبس، وهو أيضاً أتى مطلقاً تاركاً للقاضي تقدير ظروف المحكوم، وأكدت على ذلك في نص المادة 4 التي جاء فيها: «يحدد قاضي تنفيذ التدبير البديل عن العقوبة آلية تنفيذه لناحية توزيع ساعات العمل بقرار يتخذه... وبما يؤمّن مصلحة المحكوم عليه».
من خلال النص، يبدو جلياً أن هذه المادة طلبت من القاضي مراعاة ظروف المحكوم المستبدلة عقوبته. وهو نص يسجل للجنة الإدارة والعدل، كما لمجلس النواب الذي تبنّى هذا الموقف الإنساني.
بالعودة إلى المادة الأولى من القانون، فقد قررت أن تطبق العقوبة البديلة على من كان سيحكم بالسجن سنة وما دون، ولو كان القاضي حكم بأكثر من سنة وخفّف الحكم إلى سنة وما دون، وهو توسع محمود. إذ رأى المشرع أنه طالما أن القاضي رأى أسباباً تخفيفية، فلماذا لا تنسحب هذه الأسباب على استبدال العقوبة. وشمل النص أيضاً الحبس التكديري، وهو طبعاً لا يتجاوز السنة، لكنه لفت إلى إمكانية استبداله كي لا يُعدّ خارج أحكام هذا القانون كونه تكديرياً.
وتوسع النص ليطال الأحكام التي تقرر الغرامة بدل السجن، فرأى أن المحكوم الذي يستحق استبدال العقوبة قد يتعذر عليه عملياً تسديد الغرامة، وبدل أن يُحبس نتيجة هذا التعذّر أجاز المشرع استبدال عقوبته بعمل اجتماعي.
لكن اللافت وما أثار تساؤلات هو النص في البند 2 من المادة الأولى على العقوبات المخفّفة بموجب القانون رقم 422/2002 المتعلّق بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرّضين للخطر؟ فهذا القانون أجاز للقاضي استبدال العقوبة التي يمكن أن تُنزل بالحدث، وذهب أبعد من ذلك بأن جعله يتابع وضع الحدث ويعدل في العقوبة وفي المؤسسة التي قد يعمل بها. والجدير بالذكر أنه القاضي هو الوحيد الذي تبقى يده على القضية بعد إصدار حكمه فيها بهدف متابعة وضع الحدث وتطوّر سلوكه وغير ذلك، بخلاف سائر القضاة الذين تُرفع يدهم عن القضية فور إصدار الحكم فيها. فقاضي الأحداث له صلاحيات واسعة يستفيد منها الحدث، وهذا أمر جيد نظراً إلى وضع الحدث وظروفه. والقانون 422/2002 خاص بحماية الأحداث المخالفين للقانون أو المعرضين للخطر، بالتالي ما كان يجب ذكر العقوبات بموجبه.
ولدى استيضاح أعضاء في البرلمان حول هذه المسألة، كانت الإجابة أن إضافة النص أتت باقتراح من ممثلي وزارة العدل، وهو أمر مستهجن.
أما المادة الثانية من القانون التي خرجت من لجنة الإدارة والعدل مقررةً عقوبة عمل مجاني لمدة ساعة ونصف الساعة عن كل يوم حبس، وهي برأينا مدة معقولة جداً، فالقاضي الواضع يده على الدعوى وعلى أوراقها كما على شهادة الشهود ورأي الخبراء، ووقف على مختلف ظروف الجريمة وظروف الجاني، قرر أن هذا المرتكب يجب أن لا يودع السجن، إنما لا يجب أن يمر عمله مرور الكرام، وبالتالي يجب استبدال عقوبته بعمل اجتماعي مجاني يحقق عدة أهداف، منها تنبيه الجاني إلى مخالفته القانون ودفعه إلى عمل يعوض من خلاله المجتمع، ويمنع دخوله السجن والتعلم من بعض السجناء فنون الرذيلة ما يسهم في انحرافه، كما يجنّبه السمعة السيئة سواء له أو لعائلته ويمنع عنه وعن عائلته العوز نتيجة تعطل عمله. فمن يُحكم مثلاً لأربعة أشهر سيقوم بعمل مجاني لمدة 180 ساعة وهي مساحة زمنية لا بأس بها.
اللافت أن المادة الثانية بنصها على ساعة ونصف الساعة أثارت حفيظة عدد من النواب، اعتبروا الأمر تساهلاً غير مقبول مع المرتكب، إذ يبدو أن الأمر اختلط على البعض منهم بحيث اعتبروا أن الهدف من القانون هو تخفيف الاكتظاظ في السجون، وهذا خطأ، فطالبوا بأن تكون مدة العمل ثماني ساعات.
والواقع أن القانون لا يهدف لا من بعيد ولا من قريب إلى تخفيف الاكتظاظ، إذ نصت الأسباب الموجبة في فقرتها الثالثة: «وحيث أن هدف العقوبة لا يقتصر على كونه زجرياً فحسب، إنما يرمي الى إصلاح الفرد وإعادة تأهيله تمهيداً لإعادة اندماجه في المجتمع». يبدو أنه غاب عن بال البعض أن تخفيف الاكتظاظ لا يلزمه إلا تطبيق قواعد قانون أصول المحاكمات الجزائية من قبل القضاء، وليس التوسّع في هذا الأمر مكانه هنا.
كذلك عالج المشرع حالات عدم التزام المحكوم بتنفيذ العقوبة البديلة، وترك لقاضي تنفيذها مساحة من التقدير لا بأس بها، معتبراً أنه في حالات معينة قد يكون السبب سياسة المؤسسة التي يتم التنفيذ لديها أو أخطاء القيمين على المؤسسة، فطلب إلى القاضي الوقوف على السبب وإذا كانت لدى المحكوم أسباب مشروعة يقرر متابعة تنفيذ العقوبة البديلة، وإلا يعود لتنفيذ العقوبة الأساسية. أما منع الطعن في قرار قاضي التنفيذ فهي مسألة يجب إعادة النظر بها، حيث حُرم المحكوم من حق الطعن وهو حق مكرس لا يجب المسّ به.
كما أسلفنا صدر القانون في الجريدة الرسمية بتاريخ 11/7/2019، وفي اليوم التالي أعلن مدير مصلحة مياه الليطاني استعداد المصلحة لاستيعاب عدد ممن قد تستبدل عقوباتهم. وبالطبع، لم يصدر بعد أي حكم عن أي محكمة بعقوبة عمل اجتماعي. وهنا نؤكد أن المسؤولية لا تقع مطلقاً على عاتق القضاة، فالقانون قرّر في المادة الأولى، وهذا أمر طبيعي، أن تحدد لائحة تصدر عن وزيري العدل والشؤون الاجتماعية المؤسسات العامة أو الخاصة التي لا تبغي الربح، والتي يمكن أن يتم العمل لديها. في العمل التشريعي النص صحيح ومصيب، إنما، وللأسف، في الواقع اللبناني لا مكان للأصول، فمنذ نفاذ القانون وحتى اليوم لم تصدر تلك اللائحة، وبالتالي لم يتمكن القضاة من تطبيق القانون.
نصّ الاقتراح على أن تكون مدة العمل المجاني المستبدل بعقوبة الحبس خمسين ساعة عن كل شهر


القانون صدر وإن كانت العبرة في التطبيق، وإقراره خطوة متطورة في اتجاه اعتبار أن العقوبة لا تقتصر على الزجر، إنما أيضاً ترمي إلى إصلاح الفرد وإعادة تأهيله تمهيداً لإعادة اندماجه في المجتمع، كما ورد في الأسباب الموجبة، كما أنها خطوة متقدّمة لجهة حقوق الإنسان.
إنما لا بد من القول إننا نهيب بالوزراء المعنيين إصدار اللائحة التي قررها القانون. فعدم إصدارها مخالفة صارخة لأحكام القانون، وانتهاك لحقوق الإنسان، وضرب لمبدأ إصلاح المرتكب بعرض الحائط.
من ناحية أخرى نهيب بالنواب الكرام إعادة النظر ببعض أحكام القانون، ولا سيما لجهة شموله على العقوبات المقررة في القانون الرقم 422/2002، وتعديل مدة العمل من ثماني ساعات إلى ساعتين كحد أقصى.
ومن خارج السياق نهيب بالقضاء تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتبقى العبرة في التنفيذ.

* محام - جمعية «نضال لأجل الإنسان» (علم وخبر الرقم 1798 تاريخ: 20/08/2018)