مصطفى بسيوني *لا يمكن اعتبار قرار مدّ العمل بقانون الطوارئ في مصر لمدّة عامين، الذي أقرّه مجلس الشعب في نهاية أيار ــ مايو، مفاجأة بأي درجة. فقد جرى تمديد العمل بقانون الطوارئ بشكل متّصل منذ عام 1981 أي منذ اغتيال أنور السادات، حتى الآن دون أي فاصل، حتى أصبحت حالة الطوارئ هي الحالة الطبيعية لا الاستثناء. النظام نفسه أكد أنّ إنهاء العمل بقانون الطوارئ مرهون بإصدار قانون جديد لمكافحة الإرهاب، ما دام هذا القانون لم يظهر بعد، فليس من المتوقع تخلّي النظام عن قانون يمنح صلاحيات واسعة لأجهزة الأمن والسلطة التنفيذية.
ولكن تطبيق الطوارئ لا يقتصر على عهد حسني مبارك، فقد امتدّ في مصر منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية حتى الآن، باستثناء حوالى تسع سنوات متفرقة. وقد تنوّعت أسباب إعلان الطوارئ، من الحرب العالمية الثانية إلى حريق القاهرة في عام 1952 ثمّ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ثم حرب حزيران ــ يونيو 1967.
إنّ ارتباط إعلان الطوارئ بالحروب والكوارث وتهديد النظام يطرح السؤال عن الدافع اليوم لتمديد الطوارئ. فآخر حلقة كانت تصاعد عمليات الجماعات الإسلامية المسلحة في الثمانينات والتسعينات، حيث استخدم النظام قانون الطوارئ في مواجهتها، بل وتجاوز نطاق ذلك القانون، مستخدماً التصفية الجسدية المباشرة، فضلاً عن التعذيب المنظَّم، واستخدام سياسات أمنية متطرفة مثل سياسة «الضرب في سويداء القلب»، و«توسيع دائرة الاشتباه»، و«تجفيف منابع الإرهاب»، وعقد المحاكم العسكرية للمدنيين. كما استطاع النظام خلال الفترة نفسها السيطرة على القوى السياسية الرسمية وترويضها وفرض حدود صارمة على نشاطها جعلتها معزولة عن جمهورها الطبيعي ومحاصرة، إما قصراً أو طوعاً، في مقارّها الرسمية. أما وأن الجماعات المسلحة قد تراجعت، فما الذي يخشاه النظام اليوم؟
كان التمديد السابق لقانون الطوارئ في عام 2006، وهو ترافق مع صعود غير معتاد في الحركة الاجتماعية، التي بدأت عمالية ثم امتدت لتشمل مختلف القطاعات الاجتماعية من فلاحين وأحياء فقيرة وعشوائيات. ولم تفلح السياسة الأمنية في إخماد هذه الحركة حتى الآن.
إنّ تراكم عقدين من سياسات الليبرالية الجديدة، بما تضمنته من خصخصة وخفض للدعم وتيسيرات للمستثمرين ورفع للأسعار وخفض الأجور الحقيقية لأغلب القطاعات، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، دفع بنسبة كبيرة من السكان إلى ما تحت خطّ الفقر، وهي في التقديرات التي تقبلها الدولة 35 في المئة! إلا أنّ تقديرات مستقلة تفيد أن نسبة الفقر في مصر تتجاوز نصف عدد السكان. إنّ أوضاعاً كهذه تجعل النظام حريصاً أكثر من أي وقت سابق على استمرار صلاحيات الطوارئ، فظواهر مثل سقوط قتلى في طوابير الخبز واشتباك التظاهرات ضدّ ارتفاع الأسعار مع الأمن في المحلة، ودعوات الإضراب العام، حتى وإن لم تكن على درجة كافية من التماسك والتنظيم، كلّها أمور تدفع النظام للاستعداد لما قد يحدث.
إنّ الوضع الاجتماعي المحتقن وغياب الحلول الممكنة وتوقعات تزايد الأزمة مع استمرار ارتفاع الأسعار، وخاصة الغذاء والوقود، كلها تحث النظام كي يبحث عن استقراره وبقائه في ظل قانون الطوارئ والصلاحيات الواسعة للأجهزة الأمنية، ما دامت بقية الأجهزة المنوط بها توفير الخبز والسلع الأساسية وتحسين حياة المواطن عاجزة بالكامل. فلو كان النظام قادراً على توفير رغيف الخبز فقط، إذن لربما ما كان يحتاج إلى تمديد قانون الطوارئ، ولتوضيح الأمر، فلنذكر أنّه جرى مؤخراً اعتقال ثلاثة من القادة العمّاليّين في المحلة بموجب قانون الطوارئ، وهي إشارة للوجهة التي سيتخذها تطبيق هذا القانون في المرحلة المقبلة.
هذه هي المرة الأولى التي يمدّد فيها النظام قانون الطوارئ في مواجهة الحركة الاجتماعية والعمالية مباشرة. ولكنها لن تكون المرة الأولى التي تتحدّى فيها الحركة الاجتماعية قانون الطوارئ، فعلى مدى الـ27 عاماً الماضية، واجه النظام بواسطة قانون الطوارئ الحركات المسلحة والمعارضة بجميع أشكالها، واستطاع أن يعبر العديد من الأزمات. وحدها الإضرابات العمالية في الثمانينات هي التي تحدّت الطوارئ وفرضت نفسها على النظام واضطرته إلى التنازل أمام الحركة العمالية. والحركة العمالية والاجتماعية التي تصاعدت منذ عام 2006 لم يوقفها قانون الطوارئ... فهو ليس حلاً لمعالجة طوابير الخبز!
* صحافي مصري