عمر كوش
الانسحاب حتميّ وكذلك الفوضى الإقليميّة!

يرى جوين دايار أنّ تدمير الدولة العراقية، وهزيمة القوّة العسكرية الأميركية المحتلّة فيه، قد أدّيا إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. ويفضّل أن تكون الهزيمة الأميركية شاملة وواضحة قدر الإمكان، من أجل بداية جديدة ونظيفة في المنطقة، أي أن لا تكون انسحاباً جزئياً ولا أكذوبة، بل إظهاراً واضحاً، للشعب الأميركي وشعوب الشرق الأوسط، لعجز القوة العسكرية الأميركية عن كتابة النهايات. لذلك يتحدّد هدف الكتاب في إظهار إخفاقات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، وخصوصاً أنّ غزو العراق كان مشروعاً فاشلاً، الأمر الذي يفضي إلى أنّ الانسحاب منه خطوة لا بدّ منها، وسيليها المزيد من الفوضى، إلى أن يعيد العراق تكوين ذاته في دولة، تعكس حضور التعدّديّة في نسيجه الاجتماعي. وقد تتغيّر حدود عام 1918 في ظلّ معطيات التشكّل العراقيّ الجديد، وخاصة أنّ القوى المختلفة في عقائدها السياسية والإيديولوجية، التي تحرّرت بعد إسقاط النظام العراقي السابق، ستعمل بدورها على تقويض الوضع الذي أوجده الاحتلال الأميركي. وبالتالي فإن كل شيء بات قابلاً للتغيير، ويشمل ذلك النخب الحاكمة، والأنظمة الاجتماعية التي تنهض عليها التركيبة الإثنية والمذهبية، ولا يمكن أحداً نفي احتمال ظهور كيانات جديدة أو تأكيده، وخصوصاً أن نموذج إقليم كردستان ماثل للعيان.
ويعزو المؤلّف اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط إلى عاملين هما: النفط وإسرائيل، مشيراً إلى أن وجود إسرائيل في المنطقة كان خطأً، إن كان القصد منه هو إيجاد ملاذ آمن ليهود العالم، وبالتالي عليها أن تصبح جزءاً مندمجاً إلى حدّ معقول مع محيطها، وعقد الاتفاقات المناسبة، مع أنها لن تعقد الاتفاقات ما دامت تؤمن بأنها تمتلك حقّ استخدام القوة الساحقة للولايات المتحدة الأميركية. لهذا السبب قد يكون انسحاب القوة الأميركية من المنطقة نعمة خفية، حتى بالنسبة إلى إسرائيل.
ويحلّل المؤلف أسباب الفشل الذريع لإدارة الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، في العراق، والتداعيات العديدة التي تطاول منطقة الشرق الأوسط برمّتها، وخصوصاً بعد أن يتّخذ القرار بسحب وحدات الجيش الأميركي من العراق، التي قد تدخل المنطقة دوّامة خطيرة، تجلب معها أعنف التحوّلات وأكثرها قوّة وإشاعة للفوضى وعدم الاستقرار منذ أيام الحكم العثماني الذي انتهى مع نهاية الحرب العالمية الأولى. وسوف تختار المنطقة مستقبلها بنفسها بعيداً من التدخّل الغربي، وبالتحديد الأميركي، بعد فترة زمنيَّة، قد لا تتعدّى القرن من الزمن. وعليه فإن الشرق الأوسط بصيغته الحالية المتوارثة، يلفظ أنفاسه الأخيرة، والسبب هو أن فشل الغزو الأميركي للعراق، قد يفضي إلى فقدان الولايات المتحدة رغبتها في مواصلة مهمتها هناك بحجة الحفاظ على الأوضاع القائمة. وقد قدمت الهزيمة في العراق رافعة سياسيّة لجميع ديموقراطيّي أميركا المستعدّين للانقضاض على مختلف مواقع القرار في الإدارة الأميركيّة.
ولا يميل المؤلّف إلى اعتبار الحرب الدائرة في العراق المحتلّ حرباً بين مجموعتين من المتعصّبين، لأنّ العراق كان منذ وقت طويل واحداً من أكثر الدول علمانية في العالم الإسلامي، وقد أوجد الغزو الأميركي حالة من الفوضى، ولم تنتبه الإدارة الأميركيّة إلى ما يمكن أن تبلغه حركة التمرّد العراقيَّة على الاحتلال الأميركي، فلجأت إلى مواجهتها بزيادة عدد قوّاتها، ولم يتوقع الأميركيون أنّ الأمر سيصل إلى شن عمليّات انتحاريَّة وأن قدرة العراقيّين على المواجهة لن تلين، فأخطأوا التقدير، مثلما أخطأوا بحلّ الجيش العراقيّ، وملاحقة أعضاء حزب البعث وحرمانهم أسباب الحياة، وعدم اللّجوء إلى انتخابات مبكرة للحكومة، إضافة إلى الإساءة التي ارتكبتها القوات الأميركية، والتي وصلت إلى حدّ التلذّذ بالقتل والإجرام وتحقير القتلى. وإن كان شيعة العراق قد هلَّلوا لرحيل صدّام، إلا أنّ غالبيتهم لم تكن مسرورة بالاحتلال الأميركي. وعليه، باتت الولايات المتحدة عالقة بين سندان الشيعة الموالين لإيران ومطرقة السنّة، وراحت تراهن على إعادة التحكّم بالعراق بانسحاب غير كامل، بعدما تبيّن دمار العراق الخارج من حرب لا علاقة لها بالحرب على الإرهاب. مع أن الإرهاب الشرق أوسطيّ وكذلك التطرّف، يراهما المؤلف ردّة فعل على فترة مديدة من الهيمنة والاستغلال اللذين مارستهما الولايات المتحدة الأميركية وسائر الدول الغربيّة.
وقد أسهمت أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 في دفع المحافظين الجدد إلى المقدمة في إدارة بوش، لأن التفسير الأميركي النموذجي لأفعال الإرهابيين، الذي يشدد على الصراع المزعوم بين القيم، كان ينسجم مع ادعاء المحافظين الجدد بامتلاكهم المفتاح الذي يستطيعون بواسطته تحويل المجتمعات العربية، حيث سيحولها الجيش الأميركي والقوة الإيديولوجية إلى مجتمعات ديموقراطية، وهذا سيخلصها من تطرفها. وقد أثبت الواقع بطلان وعودهم الفارغة.
ويرى المؤلّف أن الترويج للقنبلة النوويَّة الإيرانيَّة ما هو إلا تسويق إسرائيلي قديم، في حين أن حقيقة الأمر تتجسد في أن إيران تريد موازاة باكستان نوويّاً، وهي لا تتطلَّع جدياً إلى إلغاء الكيان الإسرائيلي من الوجود، كما أن إيران لن تهاجم جيرانها العرب. وقد قدمت الولايات المتحدة الأميركية بغزوها العراق هدية إلى إيران، فقوّت نفوذها ودورها في المنطقة، وكلّ أنشطتها السياسيَّة مغلَّفة بقضايا محليَّة صرفة، وليس هناك من هلال شيعيّ على الإطلاق، حسبما يقول المؤلف.
وبخصوص مستقبل العراق، يرى المؤلف أنّ زيادة عدد القوات الأميركيّة فيه لن تفضي إلى النجاح في فرض الأمن وإيقاف جريان أنهار الدماء، ومن الممكن مقارنة العراق بعد الحرب مع لبنان المتعدّد طائفيّاً، لكن الخلاف قد ينشب على بعض المناطق، مثل كركوك التي يريدها الأكراد، وكذلك الموصل. والحاصل هو أن الولايات المتحدة الأميركية قدّمت في أفغانستان والعراق شعارات للديموقراطيّة فقط، ولم تقدم الديموقراطيَّة. ويحتاج الشرق الأوسط إلى تغيير حقيقي ولا يحتاج إلى دم.
* كاتب سوري





العنوان الأصلي
الفوضى التي نظّموها ـــــ الشرق الأوسط بعد العراق
الكاتب:
جوين دايار
الناشر
الدار العربية للعلوم