أحبائيالعميد همّام أسعد

«استمعت إلى رسالتكم، وفيها العز والإيمان، فأنتم مثلما قلتم رجال الله في الميدان، ووعد صادق أنتم، وأنتم نصرنا الآتي، وأنتم من جبال الشمس عاتية على العاتي».
مطربة جنوبية المنشأ، مسيحية الانتماء، غنت شهداء المقاومة بأسمى الكلمات وأرقاها، تألقت في شدوها الذي تجلت فيه أرفع مظاهر الحب والعطاء الفني المقاوم. بعثت في أعماقنا متعة النصر، حيث تأججت أرقى مشاعر العزة والكرامة التي تشحن فينا الحماسة والرغبة في التصدي لدولة الشر والعدوان، ومن يدعمها من رافضي النصر في الداخل.
عندما تصدح ابنة عين إبل بصوتها الوطني الحنون الذي يخاطب القلب والعقل والوجدان في آن معاً، قائلة: «أحبائي بكم تحرر الأرض، بقبضتكم، بغضبتكم يصان البيت والعرض، بناة حضارة أنتم، وأنتم نهضة القيم، وأنتم خالدون كما خلود الأرز في القمم، وأنتم فخر أمتنا، وأنتم أنتم القادة، وتاج رؤوسنا أنتم». يشعر كل وطني في لبنان بمهابة الاستماع إلى خطاب السيد، فكيف غذا غنت جوليا بطرس، تلك المطربة الراقية التي سمت فوق الابتذال والمادية، فارتقت سلم الشهرة بجدارة من دون اللجوء إلى الوسائل الرخيصة، والأساليب الملتوية التي رفعت للأسف العديد من المغنيات إلى قمة الشهرة الزائفة التي استخدمنها لبلوغ الجمال والدلال، والعقود المشبوهة دونما حاجة إلى الصوت والأداء الفني البريء.يشهد الله وكل الأنبياء والقديسين، أن الدمع ترقرق في عيون من ملك أدنى مشاعر الوطنية عند رؤيتها وسماعها، تأثراً لما يختلج في أعماقه من تقدير لمن مضى وهو يدافع عن تراب لبنان. تاركاً وراءه اليتامى والثكالى، والشهادات الجامعية التي أفنى العمر في تحصيلها، وعندما ناداه الواجب لبى النداء لأنه به يتحرر الأسرى ويصان الوطن، ما يجعل شهادته في أسمى مراتب الشهادة وأرقاها التي حاول تشويهها قادة بعض الميليشيات، بادعاء الشهادة لعناصرهم الذين ماتوا وهم يسرقون أملاك الناس، وينهبون أموال المؤسسات العامة، ومعظم هؤلاء قتل بعضهم بعضاً خلال نزاعات مسلحة على توزيع غنائم الحرب الأهلية، وتقاسم المسروقات.
ليس هؤلاء من يستحق التكريم، بل أمثال تلك المرأة العظيمة ومن غنَّتهم من شهداء الحق والعزة والكرامة، بكلمات ليست كالكلمات «أحبائي بكم سنفيد الدنيا ويسمع صوتنا القدر، بكم نبني غد الأحلام، بكم نمضي وننتصر... بكم نمضي وننتصر... بكم نمضي وننتصر...».
من أجل هذا كرهها أعداء لبنان في الخارج، وضاق ذرعاً بصوتها الحلو الرنَّان عملاء السلطة في الداخل.
وإني لأستغرب عدم تكريمها حتى الآن، ممن يقدرون هذا العطاء الوطني الصادق الذي فاق بأهميته كل العطاءات والإنجازات.
لست خجلاً من الاعتراف لهذه السيدة الشجاعة التي أسكتت بصوتها كذب الذين يدعون الوطنية، ويرونها حكراً على حزبهم وطائفتهم. إنني في كل مرة أشاهدها تتنقل في أرض الجنوب المقاوم، وصوتها يملأ أحراج الصنوبر، ويتردد صداه في الوديان المكسوة بأزهار القندول والبلان، لا أستطيع أن أحبس الدمع في عيون أرهقتها الدموع حباً للشهداء الذين غنتهم بأرَقِّ الكلمات وأعذب الأصوات، تأثراً بصوتها الذي أطربني على امتداد السنين الماضية وما زال. أنت يا سيدتي كل الحب، أنت كل العطاء، وأنت أنت الروعة والجمال. كم كانت رائعة نقلات قدميك التي انغرست كما أقدام المقاومين ومعك أبطال الغد في ربوع هذا الجنوب الذي روت أرضه دماء الشهداء، فأنبتت حباً كبيراً لك يا أجمل النساء، وضمتك إلى باقة النساء المقاومات مكللة بالشرف والإباء.
سيدتي... كم يسعدني أن أكون قد وفيتك جزءاً ولو يسيراً من القدر الذي تستحقين من الشكر والتكريم، مع يقيني أنك لا تقبلين الثناء على عطائك السخي، ولا تنتظرين الشكر، لأنك ينبوع دائم التدفق بالحب والوطنية، وهو بالنسبة إليك واجب وطني لا داعي للشكر عليه، لكني مع ذلك لا أمنع نفسي من تسجيل بعض اللوم والعتب على المسؤولين عن الشؤون المعنوية في هيئة دعم المقاومة، الذين لم يجعلوا من تكريمك إحدى أولوياتهم، لا لتشجيعك معاذ الله، بل للتعبير لك على طريقتنا الشرقية عمّا تحمل قلوبنا العاشقة من مشاعر الحب والتقدير والامتنان لك سيدتي... وليسمح لي هؤلاء السادة أن أذكِّرهم بأن إنشادك لخطاب سيد الوعد الصادق كان تعبيراً رائعاً عن النصر الحالي، لكنه بقيمته المعنوية سيكون جزءاً كبيراً من النصر الآتي بإذن الله تعالى.