عندما يخسر المنتصرون منتصف القرن التاسع عشر- أميركا الجنوبية: حرب طاحنة ستدور بين أربع دول نالت استقلالها من الاستعمار الإسباني أخيراً، البرازيل والأرجنتين والأوروغواي، من جهة، والبارغواي من جهة أخرى. أمّا السبب وراء هذه الحرب، فهو أن حاكم الباراغواي كان منتهكاً لأعراف الأمم المتحضّرة وطاغية وضيعاً ويجب قتله كما تُقتل الزواحف بل إنه «أتيلا أميركا»، هذا كما يصفه خصومه.
شنّوا هذه الحرب، إذاً، لتحرير الشعب الباراغوانيّ من براثن المجرم، ولكن ما إن انتهت بعد سنوات قليلة حتى كان الباراغوانيون أفقر شعوب القارة، مشرّدين ولاجئين، مذلين ولم يبق منهم في بلادهم إلا ربع مليون من أصل مليون ونصف مليون. بلادهم منهوبة في الأرض والخيرات من قبل التحالف الثلاثي وكل ما بنوه في سنوات الاستقلال القصير قد سُوي بالأرض.
الأسباب الآنفة الذكر هي بحسب سردية التحالف الثلاثي، أمّا حقيقة الأمر فتبدأ على بعد مئات الأميال، حيث كانت الإمبراطورية الإسبانية تتآكل من الداخل والإمبراطورية البريطانية تبحث عن تعويض لخسارة مستعمراتها في أميركا الشمالية المستقلة حديثاً، لذا دعمت بعض الاستقلاليين الأوليغاركيين اللاتينيين لتحصد ورثة إسبانيا في جنوب القارة على شكل مستعمرات اقتصادية. أصبحت دول المنطقة أسواقاً ومناجم ومزارع تصديرية للبريطانيين استنزفت من خلالها الموازنات ودمرت الصناعات وجاع الملايين، بينما كان خير الأرض يُصدر إلى الخارج بأثمان بخسة، والبارغواي كانت الاستثناء، جريمة طاغية العصر فيها تأمين اكتفاء ذاتي للبلاد، والصعود في الصناعات على أشكالها وصولاً إلى صناعة الأسلحة، وإنجاز شبكة بنية تحتية فعّالة من المياه والتلغراف والسكك الحديد، دون الاقتراض، واستطاع تأمين تعليم شامل في البلاد والتخلص من الأمية، كل هذا أُنجز بفعالية، وبدون ديون خارجية، وذلك لأنه لم يفسح مجالاً للأوليغاركية لبيع ورهن البلاد والعباد للبريطانيين. فبحسب إدواردو غاليانو، شكّلت تجربة البارغواي الصغير فضيحة مدوية لكل من البرازيل والأرجنتين بشكل خاص: «لقد كان من الضروري لتوطيد الدولة الأوليغاركية محو أثر الفضيحة التي كان يثيرها هذا البلد الكريه، المكتفي ذاتياً وغير الراضي بالرضوخ للتجار البريطانيين».
بنك روثتشايلد، بنك بارينج وبنك لندن، التي أقرضت دول التحالف لشن هذه الحرب المجنونة هم من كانوا وراء الكواليس، ولهذه الغاية كان الوزير البريطاني إدوارد ثورنتون يجلس إلى جانب الرئيس الأرجنتيني كمستشار خلال الحرب، لا بل ساعد على التحضير لها قبل أن تبدأ. في هذه القصة خسرت الباراغواي الكثير، لكن خسارتها لم تقل عن تلك التي تكبّدها الجيران المنتصرون، إذ دمرت هذه الديون اقتصاداتهم وأدخلتهم في دوامة انهيارات لأجيال متعاقبة لا تزال الأرجنتين تعاني منها إلى اليوم. وهكذا قتل البريطانيون أربع أمم في حرب عبثية بينما ملأوا خزائنهم بالمال الملطّخ بالدماء.
تبدو القصة مألوفة، أليس كذلك؟ هناك تشابهات بين التحالف الثلاثي والحرب على سوريا ودول أخرى في المنطقة، وإن كان استنزاف دول الخليج لم يأت على شكل ديون، إلا أن مبيعات الأسلحة الغربية ودعم الميليشيات التكفيرية هدّدا مدخرات الدول الخليجية ووضعاها في أزمة اقتصادية حرجة، ولولا أزمة الطاقة الناتجة عن العقوبات على روسيا لما استطاعت هذه الدول استعادة تعافيها الاقتصادي وسد النزيف المالي الذي أدرك الجميع وبشكل تدريجي ضرورة إيقافه.

لجنة صنع الله إبراهيم
«عندئذ رفعت يدي المصابة إلى فمي وبدأت آكل نفسي»، هذه الخاتمة لرواية «اللجنة»، للكاتب صنع الله إبراهيم، عبقريّة، إذ تتحدّث الرواية عن لجنة عابرة للمحيطات، تهيمن على الدول والأفراد وتطوّعهم لإرادتها، ولكن كيف لها كل هذا الجبروت؟ الإجابة في النهاية؛ فبطل الرواية كان منبطحاً تماماً أمام اللجنة يتمنى رضاها لتقبله في نادي المحظيين المتنفّذين، ولكنه بعد تمرّدٍ صغير وغير مقصود وجد نفسه في مواجهة اللجنة، وبالرغم من تماسكه الخطابي في مواجهتها، قام بالنهاية بتنفيذ إرادتها وأكل نفسه لأن جبروتها يكمن في عقله بأنها كلية الإرادة والقوة. أو كما عبّر حسني مبارك: «اللي ما يخافش من أمريكا ما يخافش من ربنا» - دول كثيرة أكلت نفسها خوفاً من «اللجنة» كمصر والعراق.
صحيح أن أميركا قوة عظمى لناحية الاقتصاد والتسلّح، ولكن هذه نتائج لممارسة نوع آخر من القوة (ناعمة وفائقة) سمح لها بالتحكم عن بعد في حكومات دول ومصائر شعوب عديدة بدّدت ثرواتها وأفقرت شعوبها وانخرطت في صراعات عدمية أهلية وإقليمية خدمة للمصالح الأميركية. في المقابل، هناك دول استنزفت نفسها لتملّق الأميركيين وطلب حمايتهم، فإذا نظرنا مثلاً إلى الحروب التي موّلتها ودعمتها السعودية حفاظاً على المصالح الأميركية، من أفغانستان إلى الحرب العراقية الإيرانية فالحربين على العراق، ثم الحرب على سوريا وليبيا واليمن وغيرها، فسنجد أن السعودية لم تُستنزف مادياً من خلال هذه الحروب فحسب، بل إن هذه الحروب تحديداً هي التي صنعت قوى صاعدة مقاومة للمشروع الأميركي وصلت مع حرب اليمن إلى حدودها، وبتبعية السعودية للأميركيين شكّلت هذه القوى تهديداً وجودياً للمملكة.
مسار التدمير الذاتي للسعودية كان ليستمر بشكل أكثر مأساوية فيما لو نجح المخطط الأميركي لإنشاء شرق أوسط جديد، فالمشروع لم يقتصر على تقسيم وتدمير الجمهوريات العربية، بل كانت السعودية نفسها ستجد نفسها على نفس طاولة التشريح في نهاية الأمر، ولهذا فإن الرجعية العربية لا تدين لسوريا واليمن (ومعهما كل المحور) بالاعتذار للمؤامرات الدامية فحسب، بل تدين أيضاً بالشكر لهما لصمودهما وحماية المنطقة، بما فيها الدول المتآمرة (طبعاً لا أحد في هذا الوارد فبالنسبة إلى هؤلاء لا أخلاق في السياسة).
صحيح أنه لا يزال محاطاً بالتهديدات والتحديات، لكنه مليء أيضاً بالفرص المذهلة بوجود محور لديه بشكل جمعي مصادر طاقة ضخمة، ومواد خام، وطاقات بشرية هائلة


ما الذي يجعل منك عدواً لأميركا؟
قبل الخطر الأحمر الذي شكّله الاتحاد السوفياتي لأميركا كان هناك الخطر الأصفر ذلك الذي مثّلته الصين بالنسبة إلى الغرب حتى وهي تخوض قرن الإذلال القومي، والسبب كان بحسب منظّرين أن قوة متجانسة ثقافياً مسيطرة على رقعة واسعة من الأرض وكتلة ضخمة من السكان، إذا ما تمكنت من التقانة الغربية، فهي ستشكل تهديداً وجودياً للتفوق الغربي. للمفارقة، قبل ظهور فكرة الخطر الأصفر بعقود قليلة، كان الأوروبيون ينظرون إلى أميركا المنغلقة داخل القارة على أنها خطر أميركي American peril من المنطلقات ذاتها، ولأن لأميركا مميزات تجعل منها خطراً استثنائياً: جاران ضعيفان جنوباً وشمالاً، بينما تحميها المحيطات الشاسعة إلى الشرق والغرب.
للباحث والمنظّر جون ميرشايمر نظرية حول سلوك الدول العظمى، مبنية على مسلّمات خمس عليها اعتراضات وجيهة، ولكن هذا لا يهم، المهم أنها تعبير عن تيار فكري سياسي داخل أميركا؛ فميرشايمر من الحمائم مقابل روسيا، بينما هو من الصقور مقابل الصين، ومع ذلك فالصينيون يستقبلونه بحفاوة، ومن المرجّح أن مرد ذلك إلى التأكيد أن المواجهة مع أميركا أمر حتمي، وما يهمنا من نظرية ميرشهايمر حول الأولوية القصوى للسياسة الخارجية الأميركية: حرية الحركة البحرية وأن صعود أي قوة مهيمنة في إقليمها سيعرّض هذه الحرية للخطر كما سيفتح المجال لهذه القوة الصاعدة من حرية الحركة في محيط الولايات المتحدة (بالبنتاغونية -لغة البنتاغون بحسب ميرشهاير: أميركا لا تحتمل وجود الأنداد، وهو ما يُترجم إلى الليبرالية كصراع ضد قوى لا تحترم الحقوق والحريات والديموقراطية وما إلى ذلك من الخطابة). ظروف أميركا الإقليمية سمحت لها بالتفوق على محيطها بشكل مطلق، الأمر الذي فتح لها المجال للتدخل وإشغال أي قوة صاعدة إقليمياً في العالم دون التسبب بتهديد على أراضيها (لهذا وصول البحرية الإيرانية إلى فنزويلا يشكّل اختراقاً مذهلاً للهيمنة الأميركية). وهكذا استطاعت أميركا أن توكل أضداداً في مواجهة أي رأس يانع سواء أكان حليفاً أم عدواً، فأفغانستان وجورجيا وأوكرنيا في وجه روسيا، وكوريا الجنوبية واليابان والفيليبين في وجه الصين، والأكراد واليونان في وجه تركيا، والعرب في مواجهة إيران، وإسرائيل في وجه كل دول المنطقة المطبّعة والمقاومة. لهذا السبب، فإنّ معارضة المصالح الأميركية ليست السبب الوحيد لكي تعاديك، ما يجعلك خطراً بالنسبة إليها قد يكون مجرد وجودك.

بلاستيك يا أميركا بلاستيك
صحيح أن بعض الشخصيات السعودية كانت تهدد منذ سنوات بخيارات التوجه شرقاً في سعي من محمد بن سلمان لتثبيته كحاكم رسمي للمملكة ولتحسين شروط العلاقة بين السعودية وأميركا، ولكن هذه التهديدات لم تكن جدية قط، فالسعودية كانت إلى زمن قريب لا تزال تستبطن وهم كلية القدرة الأميركية. وتطلّبت الاستدارة السعودية الكبرى نحو الشرق عوامل عدة لتتم، منها أن ولي العهد كان منذ البداية متحفّزاً من المؤامرات الداخلية التي قد تحاك ضده من الخارج، لذلك بدأ عهده بحملة التطهير الشهيرة لكل مراكز القوى في المملكة، ووضع العالمَ أمام حقيقة أنّ «الدولة أنا» (L'Etat, c'est moi)، والحقيقة أنه لولا هذا التطهير وهذه الشمولية المتطرفة لما استطاع أن يصمد إلى الآن ولا أن يستدير قيد أنملة.
لاحقاً، دفعته مجموعة من العوامل للبدء بالاستدارة، ومنها سوء العلاقة مع الأميركيين نتيجة توريط المملكة في حروب وعداوات المنطقة التي باءت كلها بالفشل، عدم استعداد الأميركيين للدفاع عن السعودية، الأمر الذي تجلّى بعد ضربات «أرامكو»، فشل أميركا في الدفاع عن نفسها في مواجهة إيران من ضرب الطائرة الأميركية إلى اعتراض السفن في الخليج إلى تسيير سفن إيرانية إلى فنزويلا إلى ضرب القاعدة الأميركية بعيد اغتيال القائد الشهيد قاسم سليماني. ثم جاءت العملية الاستباقية الروسية في أوكرانيا، وبدأ أول المؤشرات الجدية لهذه الاستدارة في موقف السعودية تجاه المواجهة وتعاملها مع مسألة العقوبات، لتتقدّم، بعدها، السعودية بطلب عضوية لمنظمات مناوئة للهيمنة الأميركية مثل منظمة «البريكس». حتى الآن كانت السعودية تتجه شرقاً على مستوى العالم، لكنها لا تزال تحمل الخطاب العدائي نفسه في الإقليم تجاه إيران وسوريا وبقية قوى محور المقاومة، إلى أن جاءت القمم الصينية الثلاث في السعودية التي أعربت عن الغايات الأساسية للسياسة الخارجية السعودية؛ فمن جهة طموح الأمير الأساسي بتغيير وجه المملكة الثقافي والسياسي والهوس المستمر ببناء المدن المستقبلية-الخيالية، ومن جهة فهو ينظر إلى نفسه كزعيم دولة عظمى في المنطقة ويمكن فهم عقد القمم الثلاث على أنها إعلان سعودي يفيد بأن مفتاح المنطقة في يده، وإن كانت الصين تريد الوصول إلى شرق المتوسط فذلك عن طريقه. وإن كان الأميركيون يتلكؤون تجاه الغاية الأولى فهم يعتبرون الثانية من الموبقات.
بالعودة إلى مسألة الاستدارة، باعتقادي تسبّبت الأزمة الصينية-الإيرانية الناتجة عن البيان الختامي للقمة الخليجية الصينية حول الجزر الثلاث بالانفراجة الكبرى. فرؤية ولي العهد ومشاريع بنائه الفائقة الحداثة والتكلفة أضحت مرتبطة بالقرن الآسيوي القادم، أمّا بالنسبة إلى الصين فإن مشاريع كبرى في المنطقة تتطلب ربطاً وانسجاماً إقليمييْن يستحيلان في ظل العداوات القائمة. ووضعت أزمة الجزر هذه الجميع أمام خيارين: إمّا تصفير المشاكل أو تصفير المشاريع. وهكذا اتُّخذ القرار.
طبعاً ليست السعودية وحدها من يستدير هذه الأيام، هناك تركيا مثلاً التي بدأت بالتخلي النهائي عن مشروعها الاستعماري ضد سوريا، والجميل في المصالحة التي تسعى لها مع الجمهورية العربية السورية تحت نظر كل من الإيرانيين والروس أنها ستؤول إلى خروج تركيا من الأراضي السورية وهذا سيتطلب القضاء على مشروع «قسد»، وهذا بدوره سيتطلب إخراج الأميركيين من الشرق السوري بشكل نهائي، وهكذا فإن إخراج الأميركيين من شرق المتوسط اليوم هو أولوية للأتراك والروس بالإضافة إلى كونه أولوية بديهية لكل من سوريا وإيران.
إذاً، المنطقة اليوم أمام مشروعين كبيرين، يتمثّل الأول في زعامة سعودية إقليمية لها مشروع بناء استهلاكي ضخم يتصل بالشرق ولا يقطع بشكل كامل مع الغرب، فيه مراكز قوى تشغلها الصراعات الداخلية، ومشروع تكامل إقليمي لمحور المقاومة ثبّت نفسه خلال زيارة الرئيس الإيراني لسوريا، وهي زيارة كرّست الانتصار كما عزّزت تماسك المحور ومنطلقاته (كما سخرت من كل نظريات أن السعودية تمارس سياسة كيسنجر في الاحتواء). قد يكون دمج المشروعين مستحيلاً بنيوياً، ولكن تعايشهما ليس أمراً مستحيلاً.
منذ مطلع القرن الماضي -ربما- لم يمر يومٌ واحد على منطقتنا دون أن نكون أمام منعطف تاريخي أو على مفترق طرق مصيري، ولكن شرق المتوسط... الآن هنا (بالإذن من الراحل العظيم عبد الرحمن منيف) ليس ذلك المكان المحكوم بالبؤس والطغيان، صحيح أنه لا يزال محاطاً بالتهديدات والتحديات، لكنه مليء أيضاً بالفرص المذهلة بوجود محور لديه بشكل جمعي مصادر طاقة ضخمة، ومواد خام، وطاقات بشرية هائلة (بالمناسبة هناك ظاهرة لبعث بعض الأمم بعد الحروب لها تفسيراتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية) وصناعات صاعدة (مركزها إيران)، وعلاقات آسيوية وجنوبية متجذّرة وصلبة، وتحالفات اقتصادية واعدة مع قوى التغيير العالمية. ولهذا المحور إطلالات استراتيجية على مضائق ثلاثة هي من الأهم في التجارة الدولية (ويمكن إضافة مضيق رابع إذا ما اعتبرنا أن الجزائر ليست ببعيدة عن المحور)، وعلى بحار خمسة استراتيجية ودبلوماسية طرق هي الأكثر حيوية بالنسبة إلى النهضة الآسيوية الصاعدة. والأهم من كل ذلك والأساس فيه القوة العسكرية المقاومة، المتعددة الخبرات في ساحات مختلفة، تجمع بين الغوار والجيوش النظامية، لها تجارب وانتصارات مجيدة، فهي التي مرّغت أنف الإمبراطورية الأميركية بالتراب وستمرغه إلى أن يرحل بشكل نهائي عن غرب آسيا. بل أكثر من ذلك، إذا ما استشرفنا المستقبل، إذ بتنا نشعر بالساعة تدق وهي تؤذن بنهاية كيان العدو وتحرير فلسطين ليعود الساحل السوري بأكمله عربياً، فأي شرق متوسط ممكن بعد كل هذا؟
هذه المنطقة تصنع الإمبراطوريات وتدمرها، من معركة قادش إلى مرج دابق فالحروب العالمية إلى اليوم، هكذا يحدّثنا التاريخ عمّا أملَته الجغرافيا. في الحراك التكتوني العالمي الحاصل اليوم الكثير من الرابحين والكثير من الخاسرين. أكبر الرابحين هم ممّن يدفعون باتجاه تغيير موازين القوى، سيدفعون أثماناً ويخوضون صراعات ويخاطرون ولكنهم بالمقابل سيحصدون الثمار، وفي الوسط هناك متردّدون يضعون رهانات متقابلة على كفتي الميزان لتأمين بعض المكاسب مهما كانت نتائج الصراع العالمي. أمّا أكبر الخاسرين، فهم أولئك الذين يتمسّكون بعهد بائد فيخرجون بخسائر جمة وفادحة ليس لتضييع الفرص فحسب بل لأنهم سيغدون «كيس ملاكمة» للرجل الأبيض العجوز وهو يفقد هيمنته بالتدريج. هناك في المنطقة اليوم وبعد كل هذه التحولات من هم غارقون في الوهم لا يصدقون صرخة ذلك المقاتل اليمني الباسل في وجه غارات العدوان: «بلاستيك يا أميركا بلاستيك».

* كاتبة عربية