قبل الخوض في تحديد الأهداف المعلنة أو المفترضة لكلّ طرف من أطراف النزال في «طوفان الأقصى»، لا بأس بالإشارة إلى الفارق بين أهداف الحروب العسكريّة والأهداف السياسيّة.
في الأهداف السياسيّة، قد يرفع طرف من مستوى الأهداف لكي يصل في النهاية إلى تحقيق أكبر قدر ممّا يمكن تحقيقه من خلال المفاوضات والضغوط، فقد يستطيع ذلك وقد لا يستطيع، لذلك من الممكن أن يتراجع سقف الهدف السياسيّ وينزل دون مستوياته المفترضة، تبعاً لمسار التطورات والأوراق الميدانية التي يمتلكها السياسيّ.
أمّا في أهداف الحروب العسكريّة، فإنّ الهدف الذي يضعه القائد العسكريّ نصب عينيه لا بدّ أن يصل إليه، ودون ذلك يُعدّ أنّه خسر المعركة كونه لم يحقق هدفه، ومن هنا يحرص القائد الميداني على القراءة الدقيقة لكل الإمكانات التي يمتلكها هو وعدوّه، ويحرص على تقدير دقيق لكل الظروف المحيطة قبل أن يضع هدفه من الحرب. وأمّا فكرة رفع مستوى الأهداف والتراجع عنها، كما يفعل السياسيّ، فإنّ له تأثيرات سلبية على الجيش الذي يعمل في إمرته، وعلى الشعب الذي يعتمد عليه.
إذاً، لا بد من التقدير الدقيق في كلّ هدف يضعه القائد العسكري، ولا يكون على طريقة الشعارات الفضفاضة.
وبالعودة إلى أطراف النزال في «طوفان الأقصى» وقراءة أهدافها التي وضعها كل طرف وانعكاساتها على مجريات الأمور في المنطقة، نبدأ أولاً بالأهداف:
1 – «حماس»: كان الهدف الدخول إلى بعض مستوطنات غلاف غزّة والحصول على عدد محدود من الأسرى لتستطيع من خلاله المفاوضة على الأسرى لدى الكيان الإسرائيلي المؤقّت، وفكّ الحصار عن غزّة، وهذا العدد المطلوب من هذا الهدف كان متواضعاً جدّاً من خلال اختيار توقيت يوم الغفران وعدم توقع العدوّ هذه المباغتة من «حماس»، حيث كان ما لا يقلّ عن 200 أسير و250 قتيلاً من جيش العدو ومن المستوطنين الصهاينة، وفتحت المستوطنات أمام حماس، فاستدعى تدخّل الجهاد ودخل الشباب غير المنظّم من الجماهير الغزاوية، فخرج الهدف عن السيطرة وتجاوز حدوده.
2 – الكيان المؤقّت: كردّة فعل، خرج رئيس الأركان ليعلن حربه الشاملة على غزّة من دون وضع سقف قابل للتحقق لهدفه، فصرّح بالقضاء على «حماس»، وبتهجير أهل غزة بالكامل. وهذا الهدف الناشئ من عدم تقدير الإمكانات وعدم دراسة واقعية لـ«حماس» وأهل غزة ولردود فعل محور المقاومة وردود الفعل العالمية، اصطدم بمواجهة شرسة من «حماس»، وصمود أسطوري من أهل غزة، ووقفة عارمة من محور المقاومة، ونهضة عالمية لشعوب العالم.
3- محور المقاومة: وبلسان الأمين العام لحزب الله حدّد هدفين اثنين، الأوّل وقف الحرب على غزة، والثاني انتصار «حماس» بالخصوص، وبدأ العمل على هذين الهدفين.
فاليمن، كجزء من المحور المقاوم، دخل صريحاً إلى الميدان وأطلق مسيّراته وصواريخه على أمّ الرشراش (إيلات) من دون التوسع، ليشمل عمق الكيان برسالة واضحة ليست إلا لهدف الضغط على العدو لتحقيق هذين الهدفين، ولم يعر أيّ اهتمام لكل التهديدات التي وصلته لحدّه ومنعه عن الدخول.
الذي رفع مستوى سقفه بعد عدم التقدير الدقيق لقادة «حماس» هو الكيان الغاصب، لذلك يحتاج إلى صيغة جديدة لينزل عن الشجرة


والمقاومة الإسلامية في العراق، كذلك الأمر، دخلت في المعركة بدكّ كل المواقع والقواعد الأميركية في العراق وسوريا من دون أن ترفع من سقف الأهداف، بل ظلّت ضمن حدود الضغط على القيادة الأميركية للضغط على الكيان المؤقت.
وأمّا إيران، فلكونها الداعم الأول والأساس - وهذا دور لا يخفى على أحد - لكل حركات المقاومة في المنطقة، لا يسمح لها هذا الموقع بالدخول في الحرب كما عليه اليمن، ودخولها يعني دخول المنطقة في حرب كبرى. نشطت في دورها السياسي وفعّلت كل مؤسساتها السياسية والإعلامية، فكان لها الدور الأسبق في الحراك السياسي وفي المؤتمرات المنعقدة، وفي الوقت نفسه رفعت من مستوى جهوزيتها العسكرية ونشاطها الإعلامي لدى الشعب الإيراني واستعداده وتقبّله لدخول الحرب الكبرى لو اقتضى الأمر. كلّ ذلك للضغط على الأطراف الفاعلة والمؤثرة في إيقاف الحرب على غزّة، وتحقيق الهدف الأوّل للمحور.
وأمّا المقاومة الإسلامية في لبنان، فهدفها معلن من قبل أمينها العام، وبدأت بالعمل عليه، وأخذت بالضغط التدريجي على العدوّ الغاصب على امتداد 100 كيلومتر وما يزيد من الناقورة إلى تلال شبعا، وهي تزيد يوماً بعد يوم وتفرض معادلات جديدة وتدخل أسلحة جديدة لم تكن في حروبها السابقة، كلّ ذلك ضمن هدفَين معقولَين، تحققهما ليس بالمستحيل بل هو قاب قوسين أو أدنى، ممّا يرفع من مصداقية القيادة العسكرية.
ومن خلال قراءة هذه الأهداف، نلاحظ أن الذي رفع مستوى سقفه بعد عدم التقدير الدقيق لقادة «حماس» هو الكيان الغاصب، لذلك يحتاج إلى صيغة جديدة لينزل عن الشجرة، فبدأ بتغيير صيغ الأهداف ولا يزال يتخبّط حتى يجد صيغة تخرجه من المأزق الذي وقع فيه. ومهما كانت الصيغة التي يصل إليها، فهي خسارة حتمية لقادة العدو على المستوى العسكري، وعلى مستوى الوعي الجماهيري لدى الكيان المؤقّت.

* كاتب