وقد أتت هذه الرسالة في وقت كثّف فيه نواب محافظون من الحزب الحاكم ضغوطهم على سوناك للتحرّك في شأن غزة، بعدما قتل الجيش الإسرائيلي سبعة من عمال الإغاثة الدوليين، من بينهم ثلاثة بريطانيين. ونقلت صحف لندن عن مصادر من داخل «حزب المحافظين»، قولها إن «وزير الخارجية، ديفيد كاميرون، يرى أن على الحكومة البريطانية تشديد نهجها حيال إسرائيل، لكنه يواجَه بمقاومة شديدة من طرف 10 داونينغ ستريت (مكتب رئيس الوزراء)». كذلك، دعا عدد من أبرز قادة «المحافظين» في البرلمان، وهم: ديفيد جونز، وبول بريستو، وفليك دروموند، وهوغو سواير، إلى تعليق صادرات الأسلحة إلى إسرائيل بعدما أعرب بيتر ريكيتس، الذي كان مستشاراً للأمن القومي إبّان عهد ديفيد كاميرون، ويخدم الآن عضواً في مجلس اللوردات، عن اعتقاده بوجود «أدلّة كثيرة الآن على أن إسرائيل لم تتّخذ إجراءات كافية للوفاء بالتزاماتها في شأن سلامة المدنيين في قطاع غزة، مع علمها أن على الدولة التي تحصل على أسلحة من المملكة المتحدة أن تمتثل للقانون الإنساني الدولي، إذ يمثّل ذلك شرطاً من شروط منح رخص تصدير الأسلحة». وانضمّ وزير الخارجية السابق، السير آلان دنكان، إلى أولئك الذين تحدّثوا ضدّ الهجوم الإسرائيلي، واصفاً الأخير بأنه «نقطة تحوّل في سمعة إسرائيل المنهارة»، متسائلاً عمّا إذا كان ينبغي على بريطانيا إعادة النظر في إسرائيل كحليف.
56% من البريطانيين يؤيّدون فرض حظر على مبيعات الأسلحة والمعدّات وقطع الغيار إلى إسرائيل
وتتوازى هذه الضغوط على الحكومة، مع تحرّكات شعبية يتم التعبير عنها أسبوعياً في تظاهرات حاشدة تخرج في العاصمة لندن ومدن أخرى ويشارك فيها مئات الآلاف من البريطانيين الذين يدعون دائماً إلى وقف فوري لإطلاق النار، ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة. ولعلّ من الأخبار السيئة لسوناك وللسفارة الإسرائيلية في لندن، أن استطلاع رأي أجرته مؤسسة «يوغوف» شبه الحكومية، قبل اغتيال عمال الإغاثة في غزة بأيام، أشار إلى أن أغلب الناخبين (56%) - في بلد يتّجه نحو انتخابات عامة مفصلية خلال أشهر - يؤيّدون فرض حظر على مبيعات الأسلحة والمعدات وقطع الغيار إلى الكيان، مقابل 17% فقط يعارضون ذلك؛ فيما اعتبر 59% من المستطلعين أن إسرائيل تنتهك حقوق الإنسان بهجومها على غزة.
ولا شكّ في أن هذه الأرقام ستتّجه إلى الزيادة فيما لو أجري الاستطلاع اليوم، بعد الإعلان عن أسماء البريطانيين الثلاثة الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، وسط أنباء تداولتها الصحف تشير إلى أن طائرة الدرون (من طراز «هيرميس 450») التي استخدمت في استهداف عمال الإغاثة، مزوّدة بمحرّك من صنع بريطاني. وكان سقوط العمال الأجانب، ومن ضمنهم البريطانيون، قد أثار غضباً عاماً في البلاد؛ إذ جدّد «حزب الخضر» البريطاني دعواته المتكرّرة إلى «وقف صادرات الأسلحة إلى الكيان العبري لأن الحكومة الإسرائيلية تنتهك شروط التراخيص التي يتم بموجبها تصدير الأسلحة». وقال كارني روس، الديبلوماسي السابق في الشرق الأوسط والمعني بملفّ العلاقات الدولية في الحزب الصغير، «إنه لَأَمر مخيّب للآمال للغاية، ولكن يمكن التنبّؤ به للأسف، أن تأتي الدعوات إلى إنهاء صادرات الأسلحة إلى إسرائيل فقط بعد فقدان أرواح مستخدمين غربيين، فيما ذُبح ما يزيد على 33 ألفاً وجرح عشرات الآلاف، بالقنابل والرصاص الذي زوّد به الغرب إسرائيل، ولم تبد النخبة البريطانية اهتماماً يذكر»، بل استمرّت شحنات الأسلحة تتدفق على الكيان عبر القواعد العسكرية البريطانية في جزيرة قبرص.
وانضمّ ديفيد لامي، الممسك بملفّ الشؤون الخارجية في حكومة الظل، إلى دعوة «الخضر» لوقف صادرات السلاح إلى إسرائيل، متّهماً كاميرون بـ»التزام الصمت المطبق» في شأن مسألة ما إذا كانت تل أبيب تمتثل للقانون الإنساني الدولي في ما يتعلّق باستعمال الأسلحة البريطانية. وقال لامي، في تصريح للصحافة: «القانون واضح. لا يمكن منح تراخيص الأسلحة البريطانية إذا كان هناك خطر تجاوز واضح للقانون الدولي». ومن أدنبرة، اعتبر الوزير الأول لإقليم اسكتلندا، حمزة يوسف، أن حكومة «حزب المحافظين»، برفضها وقف مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، «تجعل من المملكة المتحدة متواطئة في قتل المدنيين الأبرياء».
لكن كل هذه الضغوط المتراكمة لم تفلح إلى الآن في زحزحة رئيس الوزراء عن إصراره على استمرار شحن الأسلحة إلى النظام العبري، إذ قال، في مقابلة صحافية، إنه متيقّن من أن تراخيص تصدير السلاح تخضع لمراجعة «دقيقة» وفقاً «للوائح والإجراءات التي سنتبعها دائماً»، مشيراً إلى أنه كان واضحاً باستمرار مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومنذ السابع من أكتوبر، بأن «بريطانيا ستدافع بالطبع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وشعبها ضدّ هجمات حماس، لكن عليهم أن يفعلوا ذلك في إطار القانون الإنساني الدولي وحماية أرواح المدنيين». في هذه الأثناء، قال الناطق باسم مكتب رئيس الوزراء: «نرحّب بالتزام إسرائيل بإجراء تحقيق كامل وعاجل وشفاف في هجوم يوم الاثنين، ونريد أن نرى ذلك يحدث بسرعة كبيرة».