رام الله | فيما تواصل إسرائيل هجومها على «وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، متخذة من عملية «طوفان الأقصى» ذريعة للتحريض على الوكالة دولياً، تمهيداً لتقويض عملها والقضاء عليها، كشف تقرير أممي مستقل أن حكومة الاحتلال «لم تقدّم بعد الأدلة التي تدعم مزاعمها» بشأن «تورط» عدد من موظفي الوكالة في هجوم السابع من أكتوبر، كما أنها لم ترد على طلبات «الأونروا»، التي وجّهتها الأخيرة خلال شهري آذار الماضي ونيسان الجاري، إلى الحكومة الإسرائيلية، لتقديم الأسماء والأدلة الداعمة لمزاعمها. وخلُص التقرير، الذي أشرفت عليه وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاترين كولونا، بتكليف من «الأمم المتحدة» في شباط الماضي لقيادة «مراجعة حياد الوكالة والرد على مزاعم حدوث انتهاكات»، إلى أن «الأونروا كانت تزود إسرائيل بشكل منتظم بأسماء موظفيها للتدقيق»، فيما لم تكُن الحكومة الإسرائيلية تبدي «أي مخاوف» بشأن الارتباط المزعوم لهؤلاء بالمقاومة الفلسطينية، علماً أنها زعمت في أعقاب هجوم 7 أكتوبر أن 12 شخصاً من موظفي الوكالة شاركوا فيه، قبل أن تعاود «اتهام» أكثر من 450 آخرين، في آذار الفائت، بأنهم «عناصر مسلحون في جماعات إرهابية في غزة». ويستبطن ذلك حقيقة أن حكومة الاحتلال بنت روايتها في التحريض على «الأونروا»، على الأكاذيب، والاعترافات المأخوذة من بعض الموظفين تحت الضغوط والمعاملة السيئة والانتهاكات، علاوة على الضرب المبرح، والإغراق إلى حد الاختناق، والتهديد بإيذاء الأهل، والاعتداءات عبر الكلاب البوليسية، والعنف الجنسي، وفقاً لما كشفته الوكالة في وقت سابق. وترجع عمليات التلفيق تلك إلى اعتقاد دولة الاحتلال بأنه بتفكيك «الأونروا» ستنتهي قضية اللاجئين كقضية سياسية، وسينتفي معها حق العودة، وهو ما عبّر عنه المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أمس، قائلاً إن «الدافع وراء الهجوم على الأونروا ليس عدم حيادها بل حرمان الفلسطينيين من وضع اللاجئين»، مؤكداً الالتزام «بتطبيق جميع التوصيات الواردة في التقرير»، وهو ما يتطلّب، وفقاً له «دعم الدول الأعضاء». وأضاف أن «180 من مقار الأونروا في قطاع غزة تعرضت للدمار، بينها 160 دمرت بشكل كامل»، لافتاً إلى أن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل إلى قطاع غزة وصل إلى 250 يومياً ولكن هناك حاجة للمزيد». وكان لازاريني، قال أمام «مجلس الأمن الدولي»، الأسبوع الماضي، إن «الأونروا» التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 هي «العمود الفقري للعمليات الإنسانية في غزة». وإذ ندّد بحملة «خبيثة» لوضع حد لعملياتها، فقد حذّر، في الوقت نفسه، من أن تفكيكها «ستكون له تداعيات طويلة الأمد»، على رأسها «تعميق الأزمة الإنسانية في غزة وتسريع ظهور المجاعة». 
وطالما أكدت إسرائيل أنها ستعمل لمنع «الأونروا» من العمل في القطاع بعد انتهاء الحرب، بذريعة أن الوكالة تساعد في إدامة النزاع مع الفلسطينيين، وتمنح وضع اللاجئين لأحفادهم الذين تهجّروا من بلادهم. لكن دولة الاحتلال فشلت، حتى الآن، في إظهار أي دلائل تسعفها في إدانة «الأونروا»، فيما استأنفت بعض الدول تمويل الأخيرة لإدراكها صعوبة تعويض الدور الذي تقوم به في غزة. وفي أعقاب صدور التقرير، عادت «الأمم المتحدة» إلى حث جميع الدول على دعم «الأونروا» بشكل فعّال، كونها «شريان حياة للاجئين الفلسطينيين في المنطقة»، علماً أن 16 دولة كانت أعلنت وقف أو تعليق تمويلها للوكالة، والبالغ 450 مليون دولار، على خلفية المزاعم الإسرائيلية، لتعود 10 دول إلى استئناف التمويل باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا وليتوانيا. وقالت كولونا إن «الأونروا تقوم بدور لا يمكن الاستغناء عنه في المنطقة وهي أساسية في توفير المساعدات في غزة». وأضافت، خلال مؤتمر صحافي في نيويورك، أن التقرير الذي أعدّته أوصى بزيادة المساهمات المالية المخصّصة لعمل الوكالة»، لافتة إلى أن «تنفيذ التوصيات الواردة في التقرير سيساعد في تعزيز عمل الأونروا وضمان حياديتها».
من جهتها، رفضت حكومة الاحتلال التقرير الأممي، وادّعى المتحدث باسم خارجيتها، أورين مارمورشتاين، عبر منصة «أكس»، أن التقرير «تجاهل خطورة المشكلة». وزعم أنه «إذا كان أكثر من 2,135 موظفاً في الأونروا أعضاء في حماس والجهاد الإسلامي، وخمسة من مديري مدارس الأونروا هم من نشطاء حماس، فإن مشكلة الأونروا في غزة ليست مشكلة عدد قليل من التفاح الفاسد»، مضيفاً أن «الوكالة شجرة مسمومة ومتعفّنة جذورها حماس». ورأى أن «هناك حلولاً أخرى. لا يمكن للأونروا أن تكون جزءاً من الحل في غزة ليس الآن، وليس في المستقبل». وفي المقابل، حذّرت حركة «حماس» من مساعي الاحتلال، بدعم من «أطراف دولية خبيثة، لاستبدال عمل الأونروا بهيئات وعناوين دولية أخرى»، مشيرة إلى أن استهداف الوكالة «يأتي في سياق حملة تجويع غير مسبوقة في شمال قطاع غزة»، متابعةً أن «قوات الاحتلال دمّرت قرابة 7 مخيمات للاجئين الفلسطينيين الذين يبلغ تعدادهم 70% من سكان القطاع، 90% منهم يعانون الفقر المدقع، في حين أن 95% منهم لا يتقاضون أي دولار جراء البطالة المدمّرة». واعتبرت «حماس» أن تصريحات المفوّض العام للأونروا «تعكس جانباً من مؤامرات دولية لشطب قضية اللاجئين وجعلها قضية إنسانية إغاثية تقوم بها هيئات دولية لا علاقة لها بالأونروا».
ورحّبت «دائرة شؤون اللاجئين» في «منظمة التحرير»، بدورها، بالنتائج والتوصيات التي تضمّنها التقرير النهائي لمجموعة المراجعة المستقلة، وأثنت على «الشفافية التي تحلّى بها رئيس وأعضاء المجموعة خلال عملهم»، مؤكدة أن «التقرير عرّى الأكاذيب والادّعاءات الإسرائيلية ضد موظفي الأونروا». وطالبت «الدائرة»، الدول المانحة، بـ«استئناف تمويلها وعدم الانسياق وراء الادّعاءات الإسرائيلية، والمضي قدماً نحو دعم الأونروا من أجل تقديم الإغاثة الطارئة للاجئين الفلسطينيين لتخفيف معاناتهم الإنسانية، وتمكينها من القيام بمهامها وبرامج عملها الأساسية في التعليم والصحة والإغاثة والحماية».