مع بدئها ما سمّتها «عملية محدودة» في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، تعتقد إسرائيل بأنها بهذه الطريقة تستطيع أن تفرض تنازلات إضافية على حركة «حماس». ومردّ ذلك، بحسب المحلل العسكري لموقع «واينت»، رون بن يشاي، أن معبر رفح يمثل «أحد الأصول الحيوية» بيد الحركة، ويشكل أهميّة لسكان القطاع كافة، كونه المنفذ الوحيد إلى الخارج، وتحته تمتد «أنفاق تستخدمها حماس، إضافة إلى المهرّبين الذين يستخدمونها في إطار أعمالهم التجارية». كما أن المعبر يمثّل، بحسب بن يشاي، مصدراً رئيسياً لدخول الأموال إلى الحركة «التي تطلب 5 آلاف دولار عن كل فلسطيني بالغ و2500 عن كل طفل، من أولئك الراغبين في الخروج من غزة والسفر عبر مصر»، بحسب زعمه. ويضاف إلى ذلك، أنه عبر شارع صلاح الدين تدخل الشاحنات القادمة من مصر، ومن ضمنها شاحنات المساعدات الإنسانية، «ومن خلاله أيضاً تمكّنت حماس خلال السنوات الماضية من إدخال كلّ المواد المتعددة الاستخدام التي جيّرتها لتصنيع السلاح، والحفّارات والأدوات التي بنت بها الأنفاق». ووفقاً للكاتب نفسه، فإن أحد الأمور التي تم التوافق عليها في المباحثات، يتمثل في قائمة من 50 عنصراً من الحركة أصيبوا خلال الحرب، ويحتاجون إلى علاج في الخارج، «غير أن الدخول إلى رفح سيؤخّر علاج هؤلاء، وهو ما يشكل مزيداً من الضغط على حماس».وإلى جانب ما تقدّم، يضيف بن يشاي أن «صلاح الدين» يُعد طريق المرور الضروري من الجنوب نحو الشمال؛ وبالتالي، «حتى لو لم يكن الجيش الإسرائيلي متمركزاً في شمال القطاع، فإن سيطرته على طرفي هذا الطريق تعني سيطرته على حركة النزوح شمالاً بحكم الأمر الواقع». وإذ يشير إلى أن لدى جيش الاحتلال في رفح هدفَين استراتيجيَّيْن: الأول «هو السيطرة على محور فيلادلفيا ومنع عمليات التهريب»، والثاني هو «تفكيك كتائب حماس المتبقية في المدينة»، فهو يعتقد أن ثمة عائقَين استراتيجيَّيْن أمام ذلك: «الأول يكمن في التعامل مع النازحين والمهجّرين، ومع الرأي العام والمجتمع الدولي الذي يرى أن المساس بهؤلاء سيشكل كارثة إنسانية وجريمة حرب». والثاني «يتعلق بخشية مصر من أن العملية ستدفع بالسكان الفلسطينيين إلى اختراق السياج الحدودي والفرار إلى رفح المصرية وسيناء». ويستدرك بأن الدخول إلى المنطقة الشرقية من رفح، «هدفه منع فرار جماعي للنازحين إلى الأراضي المصرية»، مرجّحاً أن تكون تل أبيب قد أبلغت القاهرة مسبقاً قبل شروعها بالعملية؛ ولذلك فإن «الرد المصري حتى الآن معتدل، خصوصاً أنه لا يوجد الكثير من النازحين في شرق رفح، وفقط هناك حوالي 100 ألف شخص في منطقة زراعية».
حتى لو احتلت إسرائيل رفح، وقتلت 500 مقاتل في «حماس»، فإن هذا لن يُعد انتصاراً إسرائيلياً


في المقابل، يعتقد المحلل السياسي في صحيفة «معاريف»، بن كسبيت، أنه حتى لو احتلت إسرائيل رفح، وقتلت 500 مقاتل في «حماس»، فإن هذا لن يُعد انتصاراً إسرائيلياً، لأن «الانتصار على الحركة يتحقق بمجهود كبير يتواصل لسنوات»، مقارناً بين ما يجري في القطاع وعملية «السور الواقي» في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، والتي بحسبه «لم تحقق شيئاً» إلا بعد سنوات من ذلك. وبحسبه، فإن ما حدث في الضفة ينبغي أيضاً أن يحدث في غزة، «لكن بشكل أصعب وأخطر، لأن حماس في عام 2024 أخطر وأقوى من (المقاومة الفلسطينية) التي كانت في الضفة في بداية الألفية. وهدف الحرب الحالية هو خلق وضع يتمكّن فيه الجيش الإسرائيلي من الدخول إلى غزة والخروج منها بحرية نسبية. وهذا الهدف أنجزناه تقريباً». ويشير إلى أن «الجيش بدأ عملية في رفح، (ولكن) إذا سألتموه ماذا يريد المستوى السياسي منه، فإنه لا يملك الإجابة عن هذا السؤال، كما لا يملكها المستوى السياسي أيضاً»، مضيفاً أنه بالنسبة إلى توقيت البدء بـ«العملية المحدودة»، فإن إسرائيل منحت من خلاله «لطاقم مفاوضيها تفويضاً بقول «نعم» للمقترح المصري، وإحباط «نعم» حماس بطريقة ملتوية».
أما المحلل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، فيرى أن التقدّم في رفح من دون استراتيجية سياسية، يمثّل الفجوة بين الواقع القائم وما يخطط له الجيش، قائلاً: «خلال حروب إسرائيل، وبشكل أكبر في حرب غزة، اتضح أن ما يخطط له الجيش وما يحدث على أرض الواقع هما قصتان مختلفتان»، مذكّراً بأن «ضباطاً سابقين وحاليين في الجيش حذّروا من أنه ليست لدى نتنياهو استراتيجية خروج. فحتى مع افتراض نجاحنا في السيطرة على محور فيلادلفيا... لمن سنسلّم المنطقة التي سيطرنا عليها؟ لا يوجد أحد في إسرائيل باستثناء اليمين المتطرف يرغب في أن يحكم هو أو أولاده حكماً عسكرياً في القطاع». ويلفت إلى أن البيت الأبيض أوضح لنتنياهو أنه في حال شنّ عملية عسكرية واسعة في رفح، فإنه «سيفرض حظراً على إمداد إسرائيل بشحنات أسلحة (ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أمس، أن إدارة جو بايدن تعرقل وصول الشحنات في ضوء تفاقم الضغوط الداخلية على الإدارة بسبب الحرب)»، مضيفاً أن «بايدن تعهّد في بداية الحرب بالوقوف إلى جانبنا ضد حماس. وبعد سبعة أشهر، إسرائيل عالقة في غزة، وفي لبنان أيضاً. وهذه ليست إسرائيل التي سعى بايدن إلى مساعدتها».