أكّدت مصر، مرة جديدة، أمس، أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ العملية العسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، يعني تعقيد الموقف بصورة أكبر. وقالت مصادر مصرية، لـ«الأخبار»، إن القاهرة «عرضت استئناف جلسات المفاوضات والتوصل إلى هدنة إنسانية ولو لفترات أقل من التي اقتُرحت سابقاً، لكنّ الطلب قوبل برفض إسرائيلي في ظل دعم أميركي واضح ومباشر للعمليات المحدودة التي تُنفذ داخل رفح». وظلّت قضية معبر رفح الذي سيطر الاحتلال على الجانب الفلسطيني منه، مدار خلاف كبير بين مصر والعدو، حيث يدفع مسؤولو الاستخبارات المصرية نحو إعادة تشغيله وفق آليات محدّدة من دون تعاون مباشر مع الجانب الإسرائيلي، لكنّ المحادثات الثنائية على المستويين الاستخباراتي والعسكري في هذا الخصوص، وصلت إلى طريق مسدود.وبخلاف الاتصال الذي أجراه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، أمس، فإن ثمّة خلافات علنية واضحة ظهرت للمرة الأولى بين القاهرة وواشنطن في ما يتعلّق بالوضع في رفح، حيث فوجئت الأولى بأعداد النازحين من المدينة شمالاً نحو مناطق القطاع الأخرى. وما يعتقده المصريون هو أن التخاذل الأميركي عن دعم جهود إيقاف الحرب بات أكثر وضوحاً من ذي قبل، الأمر الذي يعني استمرار القتال لفترة أطول، وإتاحة المجال أمام إسرائيل لاستكمال تدمير القطاع وجعله غير صالح للحياة، عبر تدمير مناطق الجنوب أيضاً بعد نقل المدنيين منها.
وبالفعل، دافع مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك سوليفان، أمس، عن العملية الإسرائيلية، قائلاً إن تل أبيب أوضحت أنها «محدّدة وليست شاملة»، مكرّراً أن أي عملية كبيرة ستكون خطأ. وقال للصحافيين في البيت الأبيض إن «أميركا تعمل جاهدة على وقف إطلاق النار واتفاق لإطلاق سراح الرهائن»، معتبراً أن على العالم أن يدعو «حماس» إلى العودة إلى مائدة التفاوض وقبول الاتفاق. وأشار إلى أن بلاده تكثّف الجهود الدبلوماسية الآن، متوقّعاً اجتماعاً مباشراً مع مسؤولين إسرائيليين في غضون أيام وليس أسابيع. وذكر أيضاً أن إدارته «لا تزال تعمل مع إسرائيل بشأن أفضل السبل لهزيمة حماس». وحول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، أمس، إن الولايات المتحدة أثارت مع إسرائيل واقعة قيام متطرفين إسرائيليين باعتراض طريق شاحنات مساعدات متجهة إلى غزة.
«الجيش» يحمّل نتنياهو مسؤولية الفشل في غزة


وعلى المقلب الإسرائيلي الداخلي، أُضيفت مشكلة جديدة إلى المشاكل الكثيرة التي يواجهها رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ولكن هذه المرة من داخل الجيش، وليس من السياسيين أو الحلفاء الخارجيين، حيث اتّهمه الجنرالات بتضييع ما وصفوه بـ«الإنجازات التكتيكية»، عبر الامتناع عن إعداد خطة تحدّد من سيحكم غزة في اليوم التالي. وتحت ستار «ضباط بارزين في الجيش» أو «أعضاء في هيئة الأركان»، بعث ضباط الجيش برسالتهم إلى وسائل الإعلام، ومفادها أن الجنود أُرسِلوا إلى جباليا للمرة الثانية، وإلى حي الزيتون وغيره من الأحياء في شمال القطاع للمرة الثالثة، لأن «حماس» عادت إلى هذه المناطق؛ ومردّ عودتها تلك، رفض نتنياهو إعداد استراتيجية لإيجاد قوة بديلة تملأ فراغ السلطة في القطاع.
وذكرت صحيفة «هآرتس» أن هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الضباط إلى الإعلام بشكل علني ولو من دون استخدام أسمائهم، في إيجازات منسّقة ضد نتنياهو. وهم يردّون لنتنياهو ما فعله بهم، كونه يتحدّث دائماً ضدهم، هم وقادة الأجهزة الأمنية، ويحمّلهم وحدهم مسؤولية الفشل الذي أدّى إلى السابع من أكتوبر، ولم يقبل حتى الآن بتحمّل أي مسؤولية عن الحدث. ومع ذلك، ردّ رئيس الوزراء بالطريقة نفسها، من خلال تسريبات على لسان «مصدر سياسي بارز» قال إن المطالبة باستراتيجية لليوم التالي بينما «حماس» ما زالت لديها قوة عسكرية في غزة هي «انفصال عن الواقع»، مضيفاً أنه «لا قوة بديلة يمكن وضع تصوّر لها قبل تدمير حماس». واعتبرت الصحيفة أن رسالة نتنياهو هي تلميح إلى رئيس الأركان، هيرتسي هاليفي، بأنه إذا لم يكن مستعداً لتدمير «حماس»، فعليه الاستقالة وإفساح المجال لضباط آخرين ليسوا رهينة لمفهوم «اليوم التالي».