غزة | شهد قطاع غزة، أمس، واحداً من أشد أيام القتال ضراوة منذ بداية العملية البرية فيه قبل أكثر من سبعة أشهر، مع توسيع العدو رقعة العمليات في مخيم جباليا شمال القطاع والأحياء المحيطة به، وبدئه ضغطاً هو الأكبر من ثلاثة محاور. أما في حي الزيتون، فقد ضاعف جيش الاحتلال من عمليات هدم المنازل وتسوية مربعات سكنية كاملة بالأرض، وشرع في تقدّم جديد في اتجاه شارع النديم ومنطقة المصلبة وحي صلاح الدين. و على محور مدينة رفح جنوبي القطاع، وسّع العدو عملياته لتشمل محيط مسجد التابعين وابن تيمية، بالإضافة إلى تمركزه المستمر في محور صلاح الدين ومحيط معبر رفح البري، وأنذر مناطق جديدة بالإخلاء. وفي مقابل ذلك، قدّمت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة أداء ميدانياً رفيعاً، ونفّذت، أمس، نحو 55 مهمة قتالية، مقابل 17 أول من أمس. وعليه، سجّل المنحنى البياني لأداء المقاومة القتالي منذ بدء العملية البرية في جباليا قبل أربعة أيام، قفزة كبيرة. وشملت المهمات إطلاق عشرات قذائف الهاون، واستهداف نحو 20 آلية ما بين دبابة وجرافة وناقلة جنود، فضلاً عن تنفيذ خمسة كمائن مركّبة، والالتحام المباشر مع جنود العدو من مسافة صفر.
محاور شمال القطاع
بدأ العدو بالتقدّم في جباليا من ثلاثة محاور في وقت متزامن، الأول الذي شرع في العمل فيه منذ اليوم الأول للعملية، والممتد من حي الصالحين شرق المخيم، في اتجاه شارع أبو العيش ومدارس «وكالة الغوث» شرقاً، ومنها إلى وسط سوق الذهب في وسط المخيم. ثم عزّز قواته، أمس، وتقدّم من محورين جديدين، من حي السلام في اتجاه مدينة جباليا البلد جنوب شرق المخيم، ومن الجهة الشمالية في اتجاه حي قليبو وحي تل الزعتر في شرق المخيم. كما أنذر أحياء جديدة شمال غرب القطاع، هي السلاطين والزهور والكرامة، بالإخلاء تمهيداً لبدء عملية عسكرية جديدة فيها. ويشير البطء الشديد في الاختراق البري، إلى حجم المقاومة التي يلاقيها جيش الاحتلال، حيث سجّل مخيم جباليا طفرة قتالية غير مسبوقة في محاور القتال كافة على امتداد مساحة القطاع، ما دفع العدو إلى زيادة وتيرة القصف الجوي؛ فلا تتقدّم الدبابات الإسرائيلية متراً واحداً من دون تمهيد ناري من ثلاث وسائط نارية في وقت واحد، هي الطائرات الحربية، والقذائف المدفعية الثقيلة من نوع «هاوترز»، وطائرات الـ«كواد كابتر» المُسيّرة التي تطلق النار بكثافة شديدة. ويضاف إلى ما تقدّم، الرصد الآني من الطائرات المُسيّرة المقاتلة التي تطلق الصواريخ في اتجاه كل هدف متحرّك. وعلى رغم كل تلك الكثافة النارية، تبدي المقاومة بسالة منقطعة النظير، حيث خرج الجهد القتالي من الإطار التقليدي، إلى أعلى مستويات العمل النوعي، بل والالتحام والمواجهة المباشرة من مسافة صفر.
وصباح أمس، أعلنت كلٌّ من «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، تنفيذ عدد من الكمائن النوعية القاتلة، التي أمست حديث الناس الذين لم يخلِ أكثرهم المخيم، وواصلوا متابعة المعارك من أقرب نقطة من خط النار الأول. وقالت «سرايا القدس» إن مقاوميها نفّذوا كميناً مركّباً، مضيفة أنهم استدرجوا قوة من جنود العدو إلى كمين في شارع سوق الذهب، وأجهزوا عليها بالعبوات الهندسية الشديدة الانفجار وقذائف الـ«تي بي جي» من مسافة صفر. والأصداء المعنوية لهذا الكمين الذي شاهد أهالي المخيم تفاصيله بالعين المجرّدة، كانت فاتحة ليوم طويل سُجّل في سجلّات أيام العدو السود. وأعلنت «السرايا» أيضاً، أنها تمكّنت من الإغارة على شقة سكنية كان يتحصّن فيها جنود الاحتلال شرق المخيم، إذ هاجمها المقاومون بالأسلحة الرشاشة وقذائف الـ«تاندوم»، وذكرت، كذلك، أنها استخدمت القنابل المقذوفة من نوع «برق» في الهجوم على شقة سكنية في شارع أبو العيش فور دخول عدد من جنود العدو إليها. أما «كتائب القسام»، فقد أعلنت أن مقاوميها نفّذوا كميناً مركّباً استهدفوا فيه دبابة «ميركافا» بقذائف «الياسين 105»، قبل أن يتقدّموا ويجهزوا، من مسافة صفر، على سبعة جنود كانوا يتحصّنون خلف الدبابة المستهدفة. وفي ساعات المساء، أكدت الكتائب تنفيذ عملية مركّبة عند نهاية شارع المدارس في مخيم جباليا، حيث استهدف المقاومون قوة خاصة تحصّنت داخل أحد المنازل بقذيفة مضادة للأفراد. وفور إخلاء الجنود إلى أسفل المنزل، عاجلهم المقاومون بعبوة ناسفة رعدية مضادة للأفراد، ليوقعوهم جميعاً بين قتيل وجريح. وفي خضمّ الحدث، تقدّم عدد من المقاومين إلى المنزل نفسه، وفجّروا عبوة رعدية ثانية في الجنود الذين كانوا لا يزالون داخله. وعقب انسحاب المقاتلين، تقدّمت مدرّعة لإنقاذ المصابين وانتشال القتلى، فاستهدفها المقاومون بقذيفة «الياسين 105»، ثم استهدفوا دبابة ثانية من نوع «ميركافا» بعبوة «شواظ». كما نفّذت «القسام» عملية إطباق ناري بالقذائف والرصاص الكثيف، استهدفت منزلاً كان يتحصن فيه عدد من الجنود، ووزّعت مشاهد أظهرت قيام المقاومين بإطلاق القذائف المضادة للتحصينات في اتجاه فتحات الجدران التي يطلّ منها القناصون مباشرة، قبل أن يمطروا الجنود بوابل من الرصاص.
وقعت قوات الاحتلال فريسة لتباطؤ خطواتها الميدانية في رفح


وفي معارك الصورة، نشر «الإعلام العسكري لكتائب القسام» مشاهد مدهشة أظهرت التحام مقاتليها مع العدو من مسافة صفر. وفي واحد من المقاطع، وُثّق استهداف 11 آلية، وقتال وجهاً لوجه مع جنود العدو الذين دخلوا وسط أزقة المخيم الذي يتوه فيه حتى أهله وسكانه. كذلك أعلنت «كتائب القسام» تمكّنها من قنص جنديين إسرائيليين، فيما بلغت حصيلة الآليات التي تمّ تدميرها في مخيم جباليا وحده، 16 آلية. وإلى جانب ما تقدّم، تمكّن المقاومون من إطلاق العشرات من قذائف الهاون وصواريخ الـ«107»، فضلاً عن قصف مدن عسقلان وسديروت بالعشرات من الصواريخ.
وبناءً عليه، يشير الزخم القتالي في مخيم جباليا إلى مدى اتساع العملية، حيث يزيد العدو من حشده للجنود والمدرّعات، ويسعى إلى تدمير أكبر قدر من المساحة العمرانية في المخيم، فيما تريد المقاومة التي تدرك أنها لن تستطيع عرقلة عجلة التدمير المهولة، رفع التكلفة البشرية للعدو، وحرمانه من صورة الانتصار التي ظل يروّج لها لأشهر في شمال القطاع، إذ بدت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة في مخيم جباليا، وكأنها استُدعيت لتوّها لدخول الحرب، الأمر الذي يقوّض كل منجز ميداني زعم العدو أنه استطاع تحقيقه من عملية جباليا الأولى، في نهاية العام الماضي، والتي تواصلت لأكثر من شهر ونصف شهر، واجتاح فيها مساحات واسعة من مناطق المخيم والأحياء المحيطة به، بما فيها أحياء قليبو وتل الزعتر والسكة ومدينة بيت لاهيا التي عسكر فيها لثلاثة أشهر متواصلة.
أما في حي الزيتون، فواصل جيش الاحتلال محاولة توسيع نطاق «المنطقة الآمنة» المحيطة بالنقاط المستحدثة. هناك، لم يستطع أيضاً، على رغم تواصل العملية لأكثر من أسبوع، وتكرّر الهجوم على الحي للمرة الثالثة منذ بداية الحرب، أن يصل إلى مرحلة صفر قتال، إذ تواصل الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة ليس تنفيذ المستوى التقليدي من التصدي والمشاغلة فحسب، وإنما تنفيذ عمليات مبادرة نوعية أيضاً، حيث أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها استدرجوا قوّة خاصة إلى أحد المنازل في شارع صلاح الدين، ثم خاضوا مواجهة مباشرة مع جنودها. كذلك، قالت قوات «عمر القاسم» التابعة لـ«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» إن مقاوميها استهدفوا بصواريخ «107» القوات المتوغلة في محيط مسجد حسن البنا. كما واصلت المقاومة عمليات استهداف الحاجز المستحدث في منطقة «نتساريم» بالعشرات من القذائف والصواريخ التكتيكية.

محور القتال جنوب القطاع
وفي مدينة رفح، وقعت قوات الاحتلال فريسة لتباطؤ خطواتها الميدانية، حيث تسبّبت التعقيدات السياسية التي تحيط بقرار توسيع العملية، وتمركز الجنود في نقاط محدّدة لمدة طويلة، في زيادة فرص المقاومة لتنفيذ عمليات أكثر دقة وتركيزاً. وكان لافتاً، أمس، أن المدينة التي صدّرت خبرات حفر الأنفاق إلى كل مناطق القطاع، وظّفت ما لديها من فائض في صناعة كمائن قاتلة، حيث أعلنت «كتائب القسام»، صباح أمس، تمكّنها من تفجير عين نفق مفخّخة في شرق المدينة بقوة هندسية من جيش الاحتلال كانت قد حاولت الدخول إليه، وأوقعت القوة بين قتيل وجريح. كما قالت الكتائب إنها فجّرت دبابة بقذيفة «الياسين 105» خلف مسجد التابعين شرق رفح، وتمكّنت أيضاً من تفجير منزل تمّ تفخيخه، بقوة خاصة من جيش الاحتلال في شارع جورج شرق رفح. وأعلنت «القسام»، كذلك، تمكّنها من تفجير دبابة لجيش الاحتلال من نوع «ميركافا» في محيط معبر رفح. وفي حي السلام، استهدف مقاومو الكتائب ناقلة جند ودبابة لجيش الاحتلال بعبوتي «شواظ». كما أعلنت كلّ من «سرايا القدس» و«كتائب القسام»، قصفهما قوات العدو شرق المدينة بالعشرات من قذائف الهاون.
في النتيجة، تُعتبر العملية البرية الحالية، واحدة من أكبر محاولات الضغط التي تسعى إلى قلب موازين القوة. وتُقدّر مصادر مقرّبة من المقاومة، أن العدو يستند إلى معلومات استخبارية حصل عليها من تحقيقه مع المئات من المعتقلين. على أن تقويض الهدف الميداني الحالي، واستدامة النبض المقاوم في المناطق المستهدفة، سيحرمان جيش الاحتلال من آخر مبادراته الطموحة في هذه الحرب.