strong>انتهت أيام رينات داساييف وفولودومير بينيسوف وسيرغي الينيكوف وأوليغ بروتاسوف وغيرهم من أولئك السوفيات الذين حملوا منتخب بلادهم إلى المباراة النهائية لكأس أوروبا 1988، ليرث إيغور أكينفييف واندري أرشافين ورومان بافليوتشنكو التركة، ويعيدوا روسيا إلى الواجهة ببلوغهم الدور نصف النهائي في بطولة 2008
شربل كريّم
لا يمكن مقارنة المنتخب الروسي بأي منتخب آخر في كأس أوروبا المقامة حالياً في النمسا وسويسرا، وحتى تركيا التي قدّمت كرة قدم خلاقة ممزوجة بمهارات استثنائية للاعبيها، إذ إن الروس قدّموا أسلوباً جديداً في اللعبة بدا داخل منطقة الجزاء أشبه بكرة الصالات «فوتسال» التي تعتمد على التمريرات القصيرة والسريعة دون سواها.
وأبهر رجال المدرب الهولندي غوس هيدينك الجميع في المباراة أمام هولندا (3ـــ1) السبت الماضي، وأسقطوا المنتخب صاحب أفضل النتائج في الدور الأول، حيث لعبوا من دون خوف، إذ حتى عندما تقدّموا 1ـــ0 ظلوا يهاجمون المرمى البرتقالي من دون أن يلجأوا إلى إضاعة الوقت أو الانكفاء إلى الخلف!
الآن فرضت روسيا على الجميع احترامها، وأكدت أن «ثورتها» الكروية التي توّج في سياقها زينيت سان بطرسبرغ بلقب كأس الاتحاد الأوروبي في الموسم المنتهي، لم تكن وليدة الصدفة، وهي تتسلّح بخطورة «الكرة الشاملة» على الطريقة الروسية التي أضافت إليها الروح القتالية وعدم الاستسلام.
كثيرون سيشيدون بهيدينك المعتاد على تحويل الصغار إلى قوى عظمى تقارع كبار اللعبة، وهذا ما أكده سابقاً عندما أشرف على أوستراليا وأكثر بقيادته كوريا الجنوبية إلى نصف نهائي مونديال 2002، ودائماً من دون اللجوء إلى الطرق الدفاعية المملة التي اعتمدتها اليونان مثلاً في 2004 وظفرت عبرها باللقب القاري، إذ يوعز هيدينك إلى لاعبيه بالهجوم واللعب دفاعياً بنظام في آن معاً.
إذاً، أسقطت روسيا منافستها هولندا بسلاح الأخيرة الذي اعتمدته في الدور الأول، حيث لقّنت إيطاليا بطلة العالم وفرنسا وصيفتها درساً في أصول اللعبة، لكن هل كانت الناحية النفسية وحدها السبب الأساس في عودة روسيا بقوة إلى ساحة كرة القدم العالمية؟
لا يخفى على أحد أن الكرة الروسية عرفت نهضة استثنائية في الأعوام القريبة الماضية، إذ دخلها أصحاب رؤوس الأموال بقوة، وأوّلهم مالك نادي تشلسي الإنكليزي رومان ابراموفيتش الذي يتكفل شخصياً برعاية عدد لا بأس به من الفرق، إلى أخذه على عاتقه نفقات هيدينك الذي من دون شك راض عن وجود الأموال التي تبقي المواهب تحت ناظريه في روسيا، وهو الأمر الذي ارتدّ إيجاباً أصلاً لناحية وصول لاعبي المنتخبات الأخرى مرهقين بعد موسم طويل، بينما بدا الروس في حالة انتعاش، لأنهم لم يخوضوا مباريات كثيرة إثر انطلاق قطار الدوري في بلادهم حديثاً.
الأسئلة التي تطرح نفسها أيضاً هي ما إذا كان بإمكان روسيا أن تثبّت قدميها بشكلٍ دائم بين نخبة القوى في العالم؟ وهل الفترة التي تمرّ فيها ستكون مؤقتة في ظل وجود مدرب نجم ولاعبين أصحاب مواهب نادرة؟
طبعاً هذا الأمر مرشح للحصول رغم تفاؤل الصحافة الروسية المفرط التي وصفت اللاعبين بـ«آلهة كرة القدم»، وما حصل أمام هولندا بـ«المعجزة»، وهذا بكل تأكيد ليس بسبب حجم النتيجة أو سمعة المنتخب الخاسر، بل لأن الأداء الممتع ترك الدهشة حتى على وجوه المنافسين الذين سيأخذون «الدب الروسي» في الحسبان من الآن وصاعداً.
كل الاحتمالات أصبحت قابلة للحدوث الآن، وتقف روسيا مرشحة للقب بقدر ألمانيا حاملة الرقم القياسي بثلاثة ألقاب وإسبانيا الساعية إلى تخطي خيباتها المتكررة، وهي التي لم تتذوق اللقب إلا مرة وحيدة (طبعاً من دون إسقاط حظوظ تركيا).
الثورة الروسية مستمرة وهيدينك ينتظر لمعرفة ما إذا ما كان سيحصل على لقب آخر، أي «رجل العام» في روسيا، وذلك بعدما ضمن لقباً في بلاده الأم وهو «خائن العام».