كان الجمهور على علم بوجود مباراة للمنتخب بفعل توقف الدوري المحلي
ثمة حقيقةٌ لا يمكن إغفالها هنا. من مِن جماهير أندية المناطق يحضر بأعدادٍ كبيرةٍ إلى بيروت في مباريات الإياب الخاصة بفرقهم؟ بل أكثر من ذلك، من هو النادي غير البيروتي الذي يجمع، على ملعبه، في الوقت الحالي، أكثر من ألفي مشجع؟ البرج ربما، وهو العائد إلى الدرجة الأولى بعد غيابٍ دام 14 سنة. الحضور الجماهيري يتقلّص. هذه الصورة الكبيرة التي تغطّيها صورةٌ أكبر لجماهير النجمة والأنصار والعهد. الأندية ميزانياتها «على قد الحال»، وربما أقل، وهي لا تخصص العمل لاستقطاب الجمهور (علماً بأن ازدياد الحضور الجماهيري يسهم في ارتفاع الدخل)، ونتائجها تتراجع، وهو ما يترافق مع الوضع الاقتصادي العام، وكل هذا يسهم في انسحاب المشجعين من الملاعب. الخلاصة، هي ان الأندية فقدت قسماً لا بأس به من الجمهور، وهؤلاء، هم أنفسهم جمهور المنتخب.
عدم الإعلان والتسويق للمباراة ليس سبباً رئيسياً في قلة الحضور الجماهيري. جماهير الأندية تعلم أن فرقها لن تلعب هذا الاسبوع بسبب استحقاق المنتخب، وبالتالي هي على علمٍ بوجود مباراةٍ وطنية، لكن الحضور ضعيف. طبعاً، يوجد من يتابع مباريات المنتخب ولا يهمه الدوري المحلي وأنديته، لكن هؤلاء، كما الدائرة الثالثة من جماهير الأندية، التي تمثّل من يتابع اللعبة والأندية من دون مواكبة فعلية للفرق، لا يحضرون إلا في المناسبات الكبيرة.
الأداء والنتائج سببٌ أيضاً. مستوى كرة القدم اللبنانية بشكلٍ عام، لا المنتخب فحسب، «يمتاز» بالبطء في اللعب والعشوائية وكثرة سقوط اللاعبين على أرض الملعب وغيرها من الأسباب التي «تقتل» المباراة. في الواقع، يُمكن إجراء مكالمةٍ هاتفيةٍ خلال المباراة من دون أن تفوّت الكثير من الأحداث؛ ربما لقاءٌ صحافي، أو حديثٌ عن الليرة والدولار ومناقشة وضع المنطقة الأمني. الكرة تتدحرج في وسط الملعب معظم الوقت، واللَعِب عشوائي. لا هجمات من الجانبين تقطع الحديث، أو تمنعه من الأساس. وهنا، يمكن المرور بهوية المنتخب المنافس. منتخب تركمانستان ليس من المفترض أن يُقارع المنتخب اللبناني، ولو أن هذا الأمر حدث فعلاً، وبالتالي، الجمهور يكبر ويصغر مع أهمية المباراة، وهو أمرٌ يبدو واضحاً من متابعة المباريات المحلية. غالباً، لو كان المنافس منتخباً يختلف اللبنانيون حوله خارج الملعب، أو من كبار القارة أيضاً، ويضم نجوماً يلعبون مع فرقٍ من نخبة أوروبا، لازداد عدد الحضور، لكن في المقابل، تلك كانت المباراة الأولى للمنتخب على أرضه في التصفيات، بل الأولى التي يستضيفها منذ آذار 2018، وبالتالي كان من المفترض أن يحضر الجمهور بأعدادٍ أكبر.
وبطبيعة الحال، ثمة وضعٌ اقتصادي غالب. ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية كان يغص بالمشجعين خلال تصفيات كأس العالم ما قبل الماضية، حين كان الحضور مجانياً، وبعد التأهل إلى الدور الأخير من التصفيات، طُرحت التذاكر، وتراجع الحضور مع تراجع النتائج، وهو أمرٌ يمكن استخلاص نتيجته من أول جولتين، إذ حضر نحو 40 ألف مشجع في مباراة لبنان وقطر، وتراجع الحضور إلى 13 ألف في مواجهة أوزبكستان، التي جاءت بعد المباراة الأولى بخمسة أيامٍ فقط. الحديث عن إضراب محطات الوقود تارةً، وإضراب أصحاب الأفران خلال أيام، له دورٌ أيضاً.
الجمهور سيحضر بأعدادٍ أكبر في المرحلة المقبلة على الأقل. هذا أمرٌ متوقّع، خاصةً في حال تغلّب المنتخب الوطني على سريلانكا ضمن الجولة الرابعة. الضيف سيكون ثقيلاً، وهو الكوري الجنوبي، الذي يضم بعض الأسماء البارزة في أوروبا، ومقارعته تبدو مسألةً حماسيةً أكثر من مواجهة منتخبات الصف الرابع والخامس في القارة. لكن الجمهور مُطالبٌ أيضاً بالحضور بأعدادٍ كبيرة في جميع المباريات القارية، القليلة بعددها. هذا واجبٌ وطني، ولو أن الجمهور/الشعب، تعب من حاله في الوطن.