أكثر من نصف أندية الدرجة الأولى في الدوري اللبناني لكرة القدم تعيش من خلال أموال مموّلين فرديّين لها. هؤلاء دخلوا الى اللعبة لأسبابٍ مختلفة، فمنهم من يحبّ كرة القدم فعلاً، ويعشق فريقه الذي رافقه مشجعاً له في المدرّجات قبل أن ينتقل الى إدارته، ومنهم من يدخلها حبّاً لشعب منطقته ودعماً له، بينما سلك آخرون طريق اللعبة الشعبية الأولى من أجل مكاسب خاصة؛ منها الشهرة أو كسب تعاطف الناس لغايات سياسية ترتبط غالباً بالانتخابات النيابية.لكن بكل الأحوال، وبغضّ النظر عن الأسباب، هناك أمران أساسيّان، أوّلهما أن داعم أيّ نادٍ يحظى بشعبية واسعة في حال السير في خطٍ مستقيم لناحية إرضاء جمهوره. أما ثانيهما، فهو أن اللعبة بحاجةٍ الى كلّ واحدٍ منهم مهما كانت شخصيته، وخصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها البلاد، حيث يعني انكفاء أي مموّل انهياراً مالياً شبه تام لناديه، ما يشكّل خطراً على مستقبله واستمراريته.

أندية لا مؤسسات
حالةٌ شهدناها سابقاً في ظروفٍ طبيعية، إذ إن أندية كرة القدم افتقرت تاريخياً الى هيكيلة المؤسسة التي يمكنها تمويل نفسها بنفسها، ولو أن رؤساء كثيرين وعدوا فور تسلّمهم مهامّهم بنقل إداراتهم من طور الهواية الى مرحلة الاحتراف، وبالتالي تحويل النادي الى مؤسسة منتجة يكون لديها اكتفاء ذاتي، حتى في حال رحيل الرئيس - المموّل.
طبعاً، هذه المسألة لم تحصل في أيّ نادٍ من الأندية اللبنانية التي بقيت بحاجة الى أموال رؤسائها لكي تبقى على قيد الحياة، وهي عاشت أزمات نفسية في مناسباتٍ عدّة على وقع كلامٍ عن رحيل هذا المموّل أو ذاك، فكاد أن يصبح مصيرها في مهبّ الريح.
بالفعل، عرفت أندية كثيرة هذه التجربة، لكن اللافت أن متموّلين كثراً لوّحوا مراراً بهجرهم كرة القدم، وخصوصاً عند شعورهم بظلمٍ ما أو ذهاب أموالهم هدراً بفعل مشكلاتٍ معيّنة، لكن في النهاية بقوا في ميادين كرة القدم وجدّدوا ارتباطهم بها.
هي مسألة محيّرة، لكن لها أسبابها المتعدّدة بحسب هويّة الداعم وأهدافه، وهي التي تدفع رئيس النادي الى البقاء والاستغناء عن فكرة ترك ميادين الكرة وناديه.
انكفاء أيّ مموّل يعني انهياراً ماليّاً شبه تامّ لناديه


مسؤولية إنسانية ومجتمعية
رئيس نادي شباب الساحل سمير دبوق اعتكف مراراً ونادى بترك اللعبة، لكنه أخيراً جمع رؤساء الأندية الأخرى للبحث في عناوين الموسم المقبل. خطوةٌ لم تكن مفاجئة لمن يعرف مدى تعلّق دبوق بناديه وبالمشروع الذي سبق أن أطلقه على مستوياتٍ عدّة حبّاً بالمستديرة.
وفي هذا الإطار يوضح رئيس النادي المتطوّر موسماً بعد آخر، قائلاً لـ«الأخبار»: «صحيح أنّني أرغب في ترك كرة القدم في بعض الأحيان، وخصوصاً عندما تتقاطع ظروف معيّنة مع النتائج الفنية لفريقي، لكنّني أجد نفسي أمام مسؤولية كبيرة، أوّلاً لأنّني أحبّ شباب الساحل، وثانياً لأنه لا بديل لتسيير أمور النادي ودعمه».
النقطة التي يشير إليها دبوق مهمة جداً، فهي ترتبط بما يشعر به الرؤساء المموّلون من مسؤولية إنسانية ومجتمعية في آنٍ معاً، وهو ما يضيء عليه رئيس نادي البرج فادي ناصر الذي قال لـ«الأخبار» إنه لا يأسف على أي مبلغٍ يدفعه حتى لو شعر في بعض الأحيان بأنّ عليه ترك اللعبة: «فالأموال التي ندفعها لا تذهب هباءً، إذ يستفيد منها الكثير من العائلات». ويضيف: «هذه النقطة بالتحديد تجبرنا على التفكير بعدم رمي المنشفة، إضافةً الى نقطةٍ أهم وهي أن النادي الذي ندعمه يحمل اسم منطقتنا، وهي مسؤولية بحدّ ذاتها يفترض أن تتناقلها الأجيال لأنّ في فرحة جلب الفوز الى المنطقة من خلال فريق كرة القدم انعكاسات إيجابية على المجتمع عامةً».
ويلتقي دبوق مع هذا الكلام انطلاقاً من المسؤولية الاجتماعية التي باتت مرتبطة بنادي شباب الساحل في محيطه الجغرافي انطلاقاً من منطقة حارة حريك حيث يوجد ملعبه، فيقول دبوق: «الأمر لا يتعلّق بالمال فقط، فنحن نخسر طبعاً. لكن أكاديمية نادينا مثلاً باتت متنفّساً للمنطقة وتخلق حالة اجتماعية إيجابية، وتفرز جيلاً من اللاعبين العاشق للساحل».
اللافت أن كل الأجواء توحي بأن دبوق وناصر لن يتركا الكرة اللبنانية كما تردّد سابقاً، فالأول الذي ينتظر انتخابات هيئة إدارية بأسماء جديدة قد تساعد في عملية الدعم، يعمل على تأمين تمويل إضافي لفريقه من أجل تعزيز صفوفه، وذلك في موازاة استمراره بضخّ الأموال في الأكاديمية. أما الثاني فيعمل بشكلٍ حثيث لإضافة أسماء مهمة الى تشكيلة ممثّل لبنان في بطولة الأندية العربية بغية تقديم فريقٍ أقوى في الموسم المقبل.
بالتأكيد، دخول المزيد من المتموّلين لن يضرّ اللعبة، وتمسّك الأندية بمموّليها الحاليين مسألة مفصليّة في مشوارها، الذي لا يرغب كثيرون في تركه انطلاقاً من مسؤولية عامة أيضاً ترتبط باللعبة التي يعيشونها ولا يريدون أن يشهدوا على سقوطها بعدما ساهم كل واحدٍ منهم على طريقته الخاصة في إبقائها على قيد الحياة.