كانت كرة القدم عصيةً على السوق الأميركي فيما سبق رغم شعبيّتها العالميّة الجارفة، لأنه في واشنطن كانت الأولوية دائماً لرياضات أخرى حظيت بأهمية مضاعفة لدى الجمهور مثل كرة السلة والبيسبول وكرة القدم الأميركية «ركبي». لم ينل «الجلد المدور» على مدى العقود قبولاً في الولايات المتحدة تبعاً لاختلافات ثقافيّة واقتصاديّة ومؤسساتيّة. ومع ذلك، تغيرت الموازين خلال الفترة الماضية، حيث تزايد الإقبال على كرة القدم أو «السوكر» في أميركا بشكلٍ لافت وفي أكثر من حقل.أصبح اللاعب الأميركي صاحب قيمة سوقيّة مضاعفة. يدعم ذلك انتشار المواهب الأميركيّة في كبرى الدوريات الأوروبيّة وتحديداً في الدوري الألماني، من دون إغفال التطور اللافت الذي عرفه المنتخب الوطني للرجال، بالتوازي مع حصد منتخب السيدات أربعة ألقاب كأس العالم كرقم قياسي.
الدوري الأميركي بحد ذاته تحسّن كثيراً خلال السنوات المنصرمة وصار وجهةً للعديد من اللاعبين.
كان الإنكليزي ديفيد بيكهام أول اسم كبير يحدث تحولاً في الدوري الأميركي لكرة القدم، وذلك بعد انتقاله إلى هناك عام 2007. اليوم، هناك العشرات من نجوم النخبة الذين حطوا رحالهم في دوري «MLS»، آخرهم النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي مع فريق إنتر ميامي.
تعاقدات لافتة ساهمت في تحسين جودة الدوري، فضلاً عن كونها استراتيجية تسويقية زادت من أسهم «MLS». وعلى خطٍ موازٍ، قام العديد من رجال الأعمال الأميركيين بشراء أندية في مختلف الدوريات الأوروبية الكبرى، وأصبحوا يملكون نفوذاً على صعيد اللعبة ككل.
هكذا، زادت شعبية اللعبة في الأوساط الأميركية ما شجّع أندية النخبة من مختلف الدوريات على إقامة تحضيراتها الصيفية في الولايات المتحدة بهدف تعزيز العلامة التجارية، كما تأمين عائدات تلفزيونية هائلة من سوق مختلفة.
أصبحت فرق النخبة في أوروبا تفضل إقامة تحضيراتها في الولايات المتحدة على حساب قارة آسيا


سبق وأن أكد الدوري الإنكليزي الممتاز إقامة ستة فرق محلية تحضيراتها الصيفية في الولايات المتحدة، هي نيوكاسل يونايتد، وأستون فيلا وبرايتون وفولهام وبرينتفورد وتشيلسي الذي يحظى بملكية أميركية خالصة ممثلةً برجل الأعمال تود بولي، كما أنه يضم في صفوفه أحد أفضل مواهب أميركا، كريستيان بوليسيتش، على أن تلعب الفرق الستة مباريات ودية في خمس مدن على الساحل الشرقي للولايات المتحدة في نهاية تموز الجاري. من جهته، أعلن الدوري الإسباني لكرة القدم أيضاً مشاركة عدد من أنديته للعب مباريات في الولايات المتحدة والمكسيك في آب المقبل. أصبح جلياً تفضيل فرق النخبة إقامة تحضيراتها في الولايات المتحدة على حساب قارة آسيا كما كان معتاداً في السابق.
وأعاد الرئيس السابق للشراكات العالمية في برشلونة بين عامي 2013 و 2017 ، جولي نادال، بداية تحويل الوجهة، إلى إطلاق كأس الأبطال الدولية (ICC) في عام 2013، وهي بطولة سنوية تقام في الغالب على ملاعب الولايات المتحدة. ولفتَ نادال إلى ضخامة العائدات في الولايات المتحدة مقارنةً بآسيا إضافةً لتفوق أميركا من ناحية التنظيم، بقوله: «في جولة صيفية جيدة، دعنا نقول 10 أيام، يمكنك حصد عائدات تفوق ما يقدمه راعٍ عالمي طوال الموسم. من الناحية اللوجستية، جذبت أميركا الأندية كي تنظم التحضيرات على أراضيها. إذا اختار فريق ما الذهاب في جولة إلى آسيا، فعادة ما كانوا يعتمدون على العديد من المروجين بدلاً من هيئة واحدة لتنظيم كل شيء كالذي يحصل في الولايات المتحدة، حيث يتم الاهتمام بمرافق تدريب الأندية وتنظيم المباريات، مع تعيين الأشخاص لهم للتأكد من سير الأمور بسلاسة».
سيكون عام 2026 بمثابة منصة للوصول إلى مكانة رياضية أكبر عندما تستضيف أميركا إلى جانب كندا والمكسيك فعاليات كأس العالم للرجال. فهل يستمر نمو كرة القدم في الولايات المتحدة، أم يتوقف الحد على أعتاب المونديال كما حصل أخيراً مع قطر؟