الدوري الفرنسي سابع أفضل الدوريات في أوروبا بعدما سبقه الدوري البلجيكي والدوري الهولندي، لتدفع الأندية الفرنسية ثمن فشلها المتواصل بعدما ظهرت بصورة مختلفة عن تلك التي ظهر عليها منتخبها، أقلّه في آخر مونديالين، حيث حلّ بطلاً ووصيفاً على التوالي.بالفعل، الأندية الفرنسية، ولا أحد سواها، تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور، إذ إن «زعيمها» باريس سان جيرمان مثلاً، رغم صرفه الأموال الطائلة لسنواتٍ طويلة وجمعه نجوماً كباراً في تشكيلته، خرج من دور الـ 16 لمسابقة دوري أبطال أوروبا في الموسم الماضي، وهو الذي كان آخر الفرق الفرنسية في المسابقتين الأوروبيتين الأهم، إذ إن غريمه التقليدي مرسيليا كان قد قبع في قاع مجموعته مع نهاية الدور الأول من البطولة الأوروبية الأمّ، بينما ودّع كلٌّ من: موناكو، نانت، ورين مسابقة الدوري الأوروبي (يوروبا ليغ) من الدور الإقصائي الأول.
وحده نيس بقي في الساحة، لكن في تلك المسابقة الأوروبية التي لا يعيرها كثيرون أيّ اهتمام، وهي دوري المؤتمرات (كونفرنس ليغ)، والتي غادرها طبعاً من الدور ربع النهائي.
هذه النتائج الهزيلة للفرق الفرنسية في أوروبا خلال موسم 2022-2023، رمت الـ«ليغ 1» في المركز السابع بين أقرانه، وبفارقٍ ضئيل حتى عن الدوري البرتغالي صاحب المركز الثامن، وذلك وفقاً لحسابات الاتحاد الأوروبي للعبة التي تستند الى أداء أندية هذه البطولة أو تلك لتخرج بتصنيفها عشية انطلاق الموسم الجديد.

تراجعٌ مستمر
التصنيف الجديد دفع الكثيرين الى التهكم على الدوري الفرنسي، قائلين إنه «حقاً دوري الفلاحين»، أو جعل البعض الآخر يصوّب البوصلة باتجاهٍ آخر، مشيرين الى الدوري السعودي المثير للاهتمام برأيهم أكثر من الدوري الفرنسي المفترض على أنديته الآن تحقيق نتائج أفضل من أندية الدوري البلجيكي والهولندي من أجل استعادة المركز الخامس.
وبالتأكيد، هذا السرد المختصر يلخّص القصة الكاملة لأسباب تراجع سمعة الدوري الفرنسي ومركزه لاحقاً، إذ إن أندية البطولات الخمس الكبرى اجتهدت وحققت نتائج أفضل منه في المواسم القريبة الماضية.
صحيحٌ أن باريس سان جيرمان بلغ نهائي دوري أبطال أوروبا في موسم 2019-2020، لكن الأندية الأخرى لم تفعل أي شيء مماثل مقارنةً بما حققته مثلاً الأندية الإيطالية بين موسمٍ وآخر. ففي الموسم قبل الماضي، لم يصل أي فريقٍ من الـ«سيري أ» الى الدور ربع النهائي، بينما شهد الموسم الأخير وصول 3 فرق إيطالية الى نهائي البطولات الأوروبية الثلاث.
فشل عام أوروبياً وعدم استقرار في المستوى محلياً السبب في تراجع تصنيف الدوري الفرنسي


ببساطة، أصبح الدوري الفرنسي بعيداً جداً عن الدوريات الأخرى رغم أن فرنسا لديها نظام تدريبي ممتاز وهي تنتج أفضل اللاعبين في كل المراكز، ولا يسبقها في تصديرهم الى الخارج سوى البرازيل على مستوى العالم، في وقتٍ اعتُبر فيه منتخبها الأقوى في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وهذه النقطة بالتحديد، أي مسألة تصدير اللاعبين بالجملة والحاجة الى وقتٍ لإنتاج غيرهم، جعلت من أندية الدوري الإنكليزي والإسباني مثلاً متفوّقة على نظيرتها الفرنسية التي أُفرغت من النجوم، والدليل أن التشكيلة الأخيرة التي استدعاها مدرب «الديوك» ديدييه ديشان لم تضمّ أكثر من 5 لاعبين من الدوري المحلي، وبعيداً من النجم الأول كيليان مبابي لم يلعب هؤلاء مجموعين أكثر من 21 مباراة دولية!

نزف النجوم
كما ساهمت نقطة أساسية في تراجع مستوى الدوري الفرنسي تسويقياً ومن ثم فنياً، وهي ما بدا كأنه استسلام لسطوة باريس سان جيرمان على مقاليد البطولة، حيث ظهر وكأنه يلعب في دوري آخر بسبب الفوارق بينه وبين منافسيه على مختلف المستويات، وهذه المسألة لا نشهدها غالباً في البطولات الكبرى الأربع الأخرى.
أما أبرز مثال على هذا الموضوع حول عدم قدرة الفرق الفرنسية على الاحتفاظ بقوتها أو تطويرها مستسلمةً للعروض الخارجية لنجومها، هو ما عاشه موناكو الذي فاز بلقب الدوري في عام 2017 ومن ثم تفادى الهبوط الى الدرجة الثانية بعد عامين فقط، وذلك بعد إنهائه الموسم الذي سبقه في المركز الثالث. هذا يعني أن الفرق الفرنسية التي لا تستطيع أن تحافظ على قوتها المحلية، لا تستطيع أن تحافظ على وجودها في أوروبا، وذلك بعكس فرق الدوري الإسباني مثلاً، وتحديداً فرق وسط الترتيب مثل إشبيلية، فالنسيا وفياريال، التي نادراً ما تفشل في حجز مركزٍ مؤهلٍ الى إحدى البطولات القارية. ويبرز دليل على هذا الكلام هو في تبدّل ممثلي فرنسا في البطولات الخارجية موسماً بعد آخر، ولو أن البعض يرى شيئاً إيجابياً في هذه المسألة، ففي الموسم المقبل سيلعب لنس في دوري أبطال أوروبا، وتأهّل تولوز الى «يوروبا ليغ»، ليكون عدد الفرق الفرنسية التي لعبت في المسابقة القارية الأمّ 13 فريقاً منذ موسم 2018-2019، وهو عدد يتخطى ممثلي الدوري الإنكليزي في نفس الفترة، رغم أن «البريميير ليغ» يحصل على مقاعد أكثر موسمياً.
كل هذا الفشل العام وعدم الاستقرار في المستوى، أوضحه ترتيب الفرق الذي صدر عن الـ«يويفا» بحيث احتل باريس سان جيرمان المركز السادس، تلاه فرنسياً ليون الذي وقف في المرتبة 26، ورين الذي يُعدّ الفريق الفرنسي الوحيد الآخر ضمن لائحة الـ 50 نادياً.
طبعاً، حسابات الـ«يويفا» لن تُغيّر من عدد ممثلي فرنسا في «التشامبيونز ليغ»، حيث سيوجد ثلاثة منهم في نسخة الموسم الجديد، لكن الأكيد أن «بريستيج» الدوري الفرنسي تشوّه وقد انهار تماماً.