على مرّ التاريخ، أنجبت كرة القدم الكثير من المدربين الذين صنعوا الأمجاد. عمالقة، مثل السير ألكس فيرغسون، كارلو أنشيلوتي، جوزيه مورينيو، رينوس ميتشيلز... وغيرهم من الأسماء التي تركت بصمة كبيرة في عالم المستديرة. لكن، مشاهدة «العبقري» بيب غوارديولا على رأس العارضة الفنية لأي فريق لها متعة مختلفة. المدرب الإسباني (52 عاماً)، الذي يرى البعض بأنه «أكذوبة» صنعها ليونيل ميسي والجيل الذهبي لبرشلونة، أثبت للجميع نجاحه وكفاءته، وأنه على قمّة التدريب العالمي.قبل وصول بيب غوارديولا إلى نادي مانشستر سيتي الإنكليزي ـ المملوك إماراتيّاً ـ في عام 2016، تعرض للكثير من الانتقادات والتشكيك بقدراته. ولطالما تحدث محبو الدوري الإنكليزي، أن أفكار المدرب الإسباني لن تنجح مع قوة المسابقة والأندية هناك، ولكن بعد سنوات قليلة، نسف «الفيلسوف» هذه الفكرة.
فلسفة المدرب، وتكتيكاته داخل الملعب، وإخراجه لأفضل الإمكانات من لاعبيه، جعلت من منافسته والفوز عليه أمراً صعباً. هو سيطر محلياً وقارياً في إسبانيا، ومحلياً في ألمانيا، وقرر أن يهيمن على الدوري الإنكليزي الممتاز، الدوري الأقوى والأصعب في العالم. لذلك مقارعة بيب، لم تكن سهلة على أي فريق أو مدرب واجه أزرق مانشستر. الرجل ابتكر أفكاراً عصريّة في كرة القدم، وكان أكبر منافسيه في الدوري المحلي نادي ليفربول الذي يدربه المحنك الألماني يورغن كلوب، والذي لم يستطع أن يحقق سوى لقب واحد للدوري في موسم 2019.
إنجاز تحقيق لقب الدوري الإنكليزي ثلاث مرات توالياً، كان مسجلاً باسم السير أليكس فيرغسون وحده، المدرب الذي صنع التاريخ مع مانشستر يونايتد. لكن هذا الأمر، كان قبل وصول غوارديولا، الذي حقق هذا الإنجاز أيضاً، وأحرز خمسة ألقاب للـ«بريمييرليغ» في آخر ست سنوات.
يحتل مانشستر سيتي المركز 13 من حيث صافي الإنفاق في السنوات الخمس الأخيرة

ولم يكتفِ غوارديولا باحتكار الدوري المحلي بل حقق كأس الاتحاد الإنكليزي مرتين، وكأس الاتحاد الرابطة أربع مرات، وحقق كأس الدرع الخيرية في مناسبتين. لم تتوقف إنجازات «بيب» هنا، «الفيلسوف» حقق دوري أبطال أوروبا، وكتب السطر الأهم من كتاب أمجاد النادي الإنكليزي، بأحرف من ذهب. هذه الكأس التي بقيت عصيّة على المدرب الإسباني طوال سبع سنوات، رفعها الموسم الماضي بعد أن فاز على إنتر ميلانو الإيطالي بنتيجة (1-0)، بعد موسم استثنائي أطاح خلاله بملك البطولة ريال مدريد، برباعية نظيفة في ملعب الاتحاد. هذه الكأس لم تكن تنقص غوارديولا نفسه، فالمدرب رفعها مرتين مع برشلونة. بل تحقيقها مع مانشستر سيتي، الفريق الذي لا يمتلك تاريخاً في البطولة، كان الإنجاز الأكبر، وخاصة أن المدرب الإسباني قادهم إلى النهائي مرتين، وخسر في المرة الأولى أمام نادي تشيلسي بنتيجة (1-0).
يعتبر البعض بأن الإنجازات التي حققها غوارديولا مع مانشستر سيتي منذ توليه مهمة تدريب الفريق، كانت بسبب الإسراف الهائل من قبل إدارة النادي الإماراتية. لكن في الحقيقية، وبحسب موقع «ترانسفر ماركت»، المتخصّص برصد عمليات البيع والشراء التي تقوم بها الأندية الأوروبية، يحتل نادي مانشستر سيتي المركز 13 من حيث صافي الإنفاق في السنوات الخمس الأخيرة. بينما يأتي في المراكز الستة الأولى، أندية إنكليزية: تشيلسي، مانشستر يونايتد، آرسنال، ويستهام، نيو كاستل، وتوتنهام توالياً. علماً أن هذه الأندية لم تحقق إنجازات كبيرة في السنوات الخمس المنصرمة، على الصعيدين المحلي والأوروبي. هذا الأمر وإن دل على شيء، فإنه يدل على أن نجاح أزرق مانشستر في السنوات الأخيرة، سببه الأساسي هو تميّز المدرب وقدرته على بناء فريق منسجم وقوي، ولا شك أنه سيتوجه قريباً لخوض مغامرة أخرى، ولمَ لا، يمكن أن تكون مع أحد المنتخبات المنافسة في كأس العالم وبطولة أوروبا.