لم تكن الخطوة التي قامت بها «بيروت فوتبول أكاديمي» عبر نقل نفسها إلى بطولة الدرجة الثانية من خلال اندماجها بنادي سبورتينغ مفاجئة، إذ إن الأكاديميات الخاصة التي اتسمت بطابع الجديّة منذ السنوات الأولى لتأسيسها باتت تلعب دوراً رئيساً في اكتشاف المواهب وتخريجها إلى أندية كرة القدم اللبنانية.هذه الأكاديميات بالتحديد أرادت منذ فترةٍ ليست بقصيرة لعب دورٍ منافسٍ على الساحة، وهي لهذا السبب شاركت في بطولات الفئات العمرية من خلال استعانتها بأنديةٍ معيّنة، فحملت أسماءها التي اختفى بعضها عن خريطة المنافسات منذ أعوام طويلة، فأعادتها إلى الحياة لا بل ذهبت بها إلى منصات التتويج من خلال إحرازها للألقاب على حساب أنديةٍ عريقة.
هو ما فعلته BFA مثلاً من خلال لعبها باسم نادي الشرق وغيره، وهو ما أقدمت عليه أكاديميات مختلفة أخرى محققةً نجاحات مختلفة. لكن الأهم أن هذه الأكاديميات أبعدت عن نفسها بنسبة كبيرة الطابع التجاري التي اتُهمت به، وباتت رافداً للأندية الكبرى وحتى المنتخبات الوطنية، لتلعب بالتالي الدور المطلوب منها في مجال تطوير اللعبة عامةً.

تعويض الأندية
بالفعل تحمل الأكاديميات الخاصة مهمةً أساسية، إذ إن الكثير من الأندية اللبنانية لا تولي اهتماماً كبيراً بالنشء وتشارك في بطولات الفئات العمرية لمجرد المشاركة المفروضة عليها، مفضلةً التركيز على إيلاء الاهتمام والميزانية الأكبر لفريقها الأول.
هذه المسألة قد تكون مبرّرة بالنظر إلى صعوبات تأمين المال الكفيل بخلق هيكلية مثالية يمكنها أن تولّد لاعبين مستقبلاً، فكانت أبرز الأكاديميات الخاصة، ولا يتخطى عددها أصابع اليد الواحدة، حاضرةً من أجل خلق المساحة المثالية والأرض المناسبة للاعبين الصغار السن من أجل اللعب وفق معايير فنية صائبة، وذلك انطلاقاً من ربط نفسها بأنديةٍ عالمية ساعدتها في خلق البرامج التدريبية، وأدخلت إليها ثقافة تعيين مدربين متخصصين في الأعمار المختلفة للحصول على النتائج المثالية. كما كانت هذه الأكاديميات وبحكم قدرتها على تأمين التغطية المالية اللازمة من خلال أهالي الطلاب جاهزة للسفر والمشاركة في دورات خارجية انعكست فائدةً فنية عليها، فحققت الألقاب وسارت في درب التطوّر.
الكثير من الأندية لا تولي اهتماماً بالنشء وتشارك مرغمة في بطولات الفئات العمرية


هذا الدرب لا يتوقف طبعاً عند صقل اللاعبين ومن ثم تقديمهم على طبقٍ من فضة إلى الأندية العريقة الموجودة في الدرجة الأولى على وجه التحديد. وهذه النقطة باتت تدركها الأكاديميات البارزة والمنتجة، فباتت تذهب اليوم إلى خطواتٍ اكثر عمقاً، وذلك عبر إعطاء نفسها إطاراً رسمياً يخوّلها الانغماس اكثر في اللعبة وخلق مساحةٍ اكبر لنفسها من اجل استكمال عملية تطوّرها والوصول إلى أهدافها المنشودة.
وبالفعل هذا ما سعت إليه «بيروت فوتبول أكاديمي» منذ تاريخ تأسيسها قبل 20 عاماً بحسب ما أشار رئيسها زياد سعادة لـ«الأخبار» على هامش إعلان اندماجه مع نادٍ نشط في الدرجات المختلفة منذ سنواتٍ قليلة، ليتحوّل المشروع إلى فريقٍ اسمه BFA ـ سبورتينغ سينافس في دوري الدرجة الثانية في الموسم المقبل.
ويقول سعادة: «عملنا بجهدٍ طوال سنواتٍ خلت إلى الفصل بين مشروع خلق أرضية للراغبين في ممارسة كرة القدم كهواية وبين من لمسنا أنه بإمكانهم الذهاب بعيداً في الملاعب، فتحوّل عملنا الأكاديمي إلى مرحلة اكثر جديّة وكانت النتيجة تقديم العديد من المواهب إلى اللعبة وأنديتها». ويضيف: «لكن بما أن طموحنا كان دائماً عدم التوقف عند نقطة معيّنة قررنا بشجاعة دخول المنافسات في أعلى مستوى ممكن، فكانت عملية الدمج مع نادٍ سبق أن نشط على مستوى الفئات العمرية وبطولات الرجال بهدف تقديم فريقٍ مميّز في بطولة الدرجة الثانية الموسم المقبل».

أبعد من مشروع رياضي
المميّز في المشروع الذي لقي دعماً أساسياً من لبناني مغترب يدعى جوزف الباشا، الذي مارس اللعبة ويدرّب حالياً في أستراليا، هو في ذهاب BFA ـ سبورتينغ نحو إشراك لاعبين لا يتجاوز غالبيتهم الـ17 من العمر في بطولةٍ للرجال، ما سيؤمّن احتكاكاً مهماً لهم، يمكن للنادي أن يقطف ثماره مستقبلاً، وخصوصاً أن هذه التجربة ليست عادية أو كلاسيكية في كرة القدم اللبنانية حيث قد يتجاوز اللاعب الـ20 من العمر من دون أن تسنح له الفرصة للمشاركة في المباريات مع الفريق الأول تحت ذريعة أنه لا يزال صغيراً في السن، بينما تشهد العديد من البطولات الأوروبية الكبرى مشاركاتٍ للاعبين في السادسة عشرة، إذ لا يهم العمر في البلدان المتطورة كروياً بقدر ما تهم الموهبة والإمكانات.
أضف إلى نقطة لافتة أخرى وهي ربط النادي باللاعبين في بلدان الاغتراب، انطلاقاً من أستراليا التي استفادت ولا تزال من ذوي الأصول اللبنانية في منتخباتها من دون أن يستطيع المنتخب اللبناني استقطابهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر أندرو نبّوت الذي لعب مع «السوكروز» في كأس العالم 2018، وباتريك يزبك (لاعب وسط فايكينغ النروجي) الذي يعدّ لاعباً أساسياً في المنتخب الأسترالي الأولمبي حالياً.
الأكيد أن دور الأكاديميات الخاصة اليوم هو تطوير الثقافة الكروية ومحاولة تقديم الكرة اللبنانية بأفضل صورة في الخارج ومن ثم عكس النجاحات إلى الداخل، ولهذا السبب يقول سعادة إن ناديه يحمل في اسمه صفات الرياضي، الثقافي، والاجتماعي حيث عليه أن يلعب دوراً أساسياً في عملية الربط بين لبنان والاغتراب.
إذاً هو مشروع انطلق من عملٍ صحيح في عملية الإنتاج ليفرز فريقاً ناشئاً يعجّ باللاعبين المميزين شجّع في النهاية على اتخاذ قرارٍ استثنائي باللعب في ساحة الرجال بغية الوقوف بين الكبار، ليكون هذا التحدي فاتحة لأكاديميات أخرى قادرة بلا شك على مختلف الأصعدة على اتخاذ خطوات مشابهة، ما سينعكس إيجاباً لا محالة على الوضع العام للعبة التي تبدو بحاجةٍ ماسّة اليوم إلى كوكبة من المواهب تضيف إلى ملاعبها متعةً لا محدودة وتترك أملاً بمستقبلٍ أفضل للأندية والمنتخبات على حدٍّ سواء.