بعيداً عن الفوائد الاقتصادية والمجتمعية لعالم الرياضة، يُعد الاستثمار في كرة القدم تحديداً أداة لتلميع الصورة وتعزيز سمعة الدول أمام الرأي العام، بحيثُ تشتت رعاية فريق ما أو حدث رياضي الانتباه عن الممارسات السيئة في أماكن أخرى.تاريخياً، تمّ استخدام كرة القدم كسلاح لإخضاع الجماهير. يكمن «الطُّعم» في جعل اللعبة منصة تنفيس لتفجير الكبت، قبل تنفيذ أهداف سياسة باطنية. العديد من الجهات جرّدت كرة القدم من جانبها «البريء»، واستخدمتها تباعاً لأهدافٍ متفرّقة وصلت إلى حد تلميع القضايا على الأجندة الدولية.
في إيطاليا مثلاً، استخدم بينيتو موسوليني وسيلفيو بيرلسكوني كرة القدم، في محطات مختلفة، بهدف احتواء الجمهور وتعزيز المكانة السياسية، كما لجأ إليها فرانكو وفلورنتينو بيريز في إسبانيا لأهدافٍ سياسية وتجارية. أمثلة مختلفة من حقباتٍ متفرّقة تُسلّط الشبهات نحو طفرة الاستثمارات الخليجية في الرياضة، وأبعاد نشاطاتها اللافتة أخيراً.
البروز الخليجي على ساحة الكرة المستديرة ليس وليد الصدفة. هو نتاج استثمارات متفرّقة تكدّست في السنوات الأخيرة، خاصةً على صعيد ملكية الأندية الأوروبية. وعلى خطٍّ موازٍ، استثمرت دول الخليج في حقولٍ أخرى مرتبطة بكرة القدم، فبرزت شركات ذات عقود ضخمة مع فرق أوروبية تُقدَّر بملايين الدولارات، مثل «Emirates» ،«Etihad Airways» ،«Qatar Airways»... كما محطات نقل تلفزيوني ذات تأثير كبير في الرأي العام.
في بادئ الأمر، قادت «الطفرةَ» الكروية دولتا قطر والإمارات، إذ «سيطرت» الأخيرة على الدوري الإنكليزي الممتاز من خلال ناديها مانشستر سيتي، في حين احتكر القطريون بطولة الدوري الفرنسي عبر باريس سان جيرمان، ثم احتضنوا كأس العالم للمرة الأولى في المنطقة. انسحب الدور أخيراً على المملكة العربية السعودية، حيث إنها تحتل اليوم العناوين العريضة في عالم كرة القدم.
تصاعدت اتهامات النقّاد بضلوع الدول الخليجية في «غسيل رياضي»


سبق أن أنفقت السعودية أكثر من 1.5 مليار دولار على الرياضات الاحترافية خلال السنوات القليلة الماضية، مثل الغولف وسباق السيارات والكريكيت والمصارعة الحرة تبعاً لتقرير نشرته مجموعة حقوق الإنسان «Grant Liberty» عام 2021. رقمٌ ضخم زاد بشكل لافت في العامين الماضيين، مع زيادة الاستثمار في كرة القدم بشكل ملحوظ.
بدأ المشروع بشراء المملكة لنادي نيوكاسل عام 2021، ثم تركّزَ الاستثمار على الدوري المحلي حيث فتحت السعودية خزائنها لاستقدام لاعبين «عالميين» في نهاية مشوارهم الكروي مقابل أجور ضخمة، تجاوز بعضها عتبة الـ100 مليون يورو في الموسم الواحد.
ورغم إعلان القيّمين الخليجيين عن استخدام الرياضة كجزء من حملة لتنويع اقتصاد المنطقة بعيداً عن النفط، تصاعدت اتهامات النقاد بضلوع الدول الخليجية في «غسيل رياضي» على نطاقٍ واسع، خاصةً مع إثبات التجارب بأن البذخ في الاستثمارات على أحداث عالمية أو استقدام لاعبين متقدّمين في السن لن يضمن نمواً مستقبلياً، بل سوف يصوّب الضوء تجاه الدولة المستثمِرة بالدرجة الأولى. يعكس ذلك قيادة ليونيل ميسي حملة السياحة في السعودية واستخدام كريستيانو رونالدو جسراً لعبور لاعبين آخرين إلى المملكة، كما قطر عبر إنفاقها أكثر من 200 مليار دولار لاستضافة كأس العالم 2022 دون ضمان عائدات تفوق 20 مليار دولار، وحتى مشروع تعددية الأندية التي تقوده الإمارات في شتى دول العالم.
هناك مخاوف أيضاً من استضافة السعودية لدورة الألعاب الآسيوية الشتوية عام 2029 في مدينة نيوم الذكية مع تخطيطها لاستضافة كأس العالم 2030، كما محاولة قطر استضافة الأولمبياد. الحضور اللافت أخيراً كوّنَ اعتقاداً في الأوساط الرياضية بأن الاستثمارات الخليجية سوف تغيّر وجه كرة القدم في المستقبل القريب، عبر خلقها تسلسلاً هرمياً جديداً قد يجعل الخليج عاصمة رياضية عالمية.