لم يكن دخول رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو على خط الأزمة المتفاقمة بين باريس سان جيرمان وهدّافه كيليان مبابي أمراً عادياً، إذ منذ قرّر النجم الفرنسي ترك العاصمة الفرنسية لخوض تجربة جديدة في مسيرته، انشغل مسؤولون من أعلى المستويات بهذا القرار حتى تدخّل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصياً لثنيه عن قراره لما يمثّله الشاب الأسمر من أهمية للعاصمة وللبلاد والـ«ليغ 1» عامةً.بقي مبابي بعدما فرض شروطه ومدّد عقده مقابل ما يزيد على 120 مليون دولار كراتبٍ سنوي، لكنه لم يُسقط إطلاقاً فكرة الرحيل، وخصوصاً أن هوس ارتداء قميص ريال مدريد الإسباني لا يفارقه أبداً.
هنا، طفح الكيل بالنسبة إلى باريس سان جيرمان الذي قدّم كل شيءٍ ممكن من أجل ضمان بناء مشروعٍ مستقبلي حول نجمه الموهوب الذي لا يزال في الـ 24 من العمر، لكنّ رغبة الأخير بعدم الاستمرار تبدو أقوى من أي إغراءات.
عملياً، تصرّف بطل فرنسا بشكلٍ صحيح عندما قرّر الدخول في معركةٍ مع مبابي، والسبب أنه صرف أصلاً مبلغاً كبيراً لاستقدامه من موناكو ومن ثم تحمّل أعباء راتبه الضخم والحوافز المالية الأخرى. وبسبب وجوده لم يبخل النادي من أجل ضمّ المزيد من النجوم لتكوين فريقٍ قوي حوله، لكنّ النتيجة كانت السقوط موسماً تلو آخر في المسابقة - الهدف بالنسبة إليه ألا وهو دوري أبطال أوروبا.
وهذه المسألة بالتحديد دفعت المدير الرياضي السابق للنادي، البرازيلي ليوناردو إلى القول بأن الـPSG يمكنه الفوز باللقب الأغلى من دون مبابي، والدليل أن كل الفرق التي رفعت الكأس الأوروبية في الأعوام القريبة الماضية لم يكن متواجداً في صفوفها.
الواقع أن هناك شيئاً منطقياً في ما قاله ليوناردو، وهو ما دفع باريس سان جيرمان لإعلان الحرب الداخلية على نجمه حمايةً لمصالحه، إذ إن عدم تمديد مبابي لعقده يعني رحيله من دون مقابل بعد تكبّد النادي المزيد من المبالغ المتوجّبة عليه بحكم العقد المبرم بينهما والمتبقّي منه سنة كاملة. أضف أن ما يمكن أن يحصل عليه سان جيرمان لقاء بيعه مبابي وما سيوفّره من أموالٍ يدفعها له، سيكون مبلغاً كبيراً ومفيداً في سوق الانتقالات من أجل إعادة بناء تشكيلته وتعزيز صفوفه بمن يمكنهم تعويض قائد المنتخب الفرنسي وأيضاً النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الذي سبق أن ترك النادي هذا الصيف.
المال عنصر أساسي في صراع باريس سان جيرمان ونجمه الأول


بكل الأحوال وصل الطرفان إلى نقطة اللاعودة بمجرد ترك باريس سان جيرمان لمبابي في فرنسا قبل انطلاقه إلى جولته الآسيوية، ومن ثم موافقته على عرضٍ تقدّم به الهلال السعودي من أجل جعل اللاعب الأغلى في التاريخ. لكنّ مبابي مرتاح لأنه يعلم أنه في موقفٍ قوي والنادي هو الذي تضيق عليه الخيارات في الوقت الحالي، ما جعل الأخير يلعب ورقةً إعلامية أفادت بعدم استبعاد إبقاء مبابي على مقعد البدلاء طوال الموسم المقبل.
إذاً يقف مبابي اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ، إذ إن بقاءه لن يضمن له اللعب بعدما ساءت الأمور إلى حدٍّ بعيد مع الإدارة التي أبلغت المدرب الإسباني لويس إنريكه باستبعاد اللاعب من حساباته الفنية. أضف أن ريال مدريد ليس جاهزاً بحسب المعلومات المتداولة لضمّه هذا الصيف لأسبابٍ مالية، ما يعني أن عليه البحث عن فريقٍ آخر أو قبول اللعب في السعودية حيث سيحصل على راتبٍ سنوي خرافي يصل إلى 776 مليون دولار من أصل 1.1 مليار دولار يبدو السعوديون مستعدّين لدفعها من أجل إبرام صفقة العصر.
المال لا شك في أنه العامل الرئيس في مشاكل باريس سان جيرمان ومبابي، فالأخير لا يمانع البقاء أصلاً لأنه سيحصل على مكافأة الولاء التي تُقدّر قيمتها بـ200 مليون يورو، وذلك بعدما لحظها الاتفاق الأخير بين الطرفين. لذا يمكن اعتبار أن المال قد يلعب دوراً أساسياً في تحديد مبابي لمصيره، ما يجعل احتمال انتقاله إلى المملكة الخليجية وارداً، بحيث يمكنه أن يحصل في سنةٍ واحدة على مبلغٍ لم يصل إليه نجومٌ كثر من الصف الأول طوال مسيرتهم.
هو قد يظلم نفسه في نظر البعض في حال عدم اتخاذه القرار الصحيح، وذلك بعدما قرّر الـ PSG أن يبادره بنفس ما يعتبره ظلماً له على قاعدة «العين بالعين»، فبات الأفضل بالنسبة إلى الطرفين هو الافتراق، إذ لا نتيجة أفضل في الموسم المقبل إذا ما كانت الأجواء سلبية كما هو الحال عليه حالياً، حيث اقتنع باريس سان جيرمان ومبابي بأن «الجرّة انكسرت» وهناك استحالة لإعادتها إلى سابق عهدها.