بعيداً عن الكوارث الطبيعية، كانت الأنشطة البشرية محركاً رئيسياً لتغير المناخ خلال العقود الأخيرة إثر الإسراف في استهلاك الموارد ذات الانبعاثات الضارة. ممارسات غير مسؤولة نشرت آثاراً سلبيةً في حقول مختلفة، وانسحب الأمر إلى الرياضة ضمن أكثر من استحقاق.
قبل بضع سنوات مثلاً، عانى لاعبو كرة المضرب والمشجعون من الآثار السلبية لتغير المناخ في عالم الرياضة. اضطر منظمو بطولة الولايات المتحدة المفتوحة عام 2018 إلى تنفيذ سياسة جديدة تسمح للاعبين بأخذ «استراحة حرارة» خلال المباريات، بعد انسحاب العديد من الرياضيين من البطولة بسبب ظروف الحرارة الشديدة. إجراءٌ تكرّر في كرة القدم، حيث اعتمد الدوري الإنكليزي الممتاز (بريمييرليغ) تسهيلات الـ«cooling break» في الموسم اللاحق لجائحة كورونا.
وفي عام 2020 أيضاً، حدث موقف مشابه ضمن عالم الكرة الصفراء حيث تسببت جودة الهواء المترتبة عن اندلاع حرائق غابات أستراليا في انسحاب بعض اللاعبين من بطولة استراليا المفتوحة «غراند سلام» التي تنظم بداية كل عام.
الاحتباس الحراري وتداعياته الخطيرة والكبيرة كان هاجساً أساسياً أمام استضافة نهائيات كأس العالم 2022 في قطر، ما جعل الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» يؤجل الحدث إلى فصل الشتاء كخطوةٍ غير مسبوقة في تاريخ «المونديال». كما أن الحرارة المرتفعة عموماً في منطقة الخليج، والتي تضاعفت خلال الفترة الأخيرة، جعلت العديد من اللاعبين «الأجانب» في حالة تردد تجاه قبول عروض من الأندية السعودية لممارسة كرة القدم في شبه الجزيرة العربية.
تجدر الإشارة إلى أن الرياضة ليست ضحية لما يحدث من ممارسات معادية للبيئة، وبمعنى أدق، ساهمت العديد من الألعاب في تفاقم الوضع أكثر إثر البصمة الكربونية الناتجة عن إنشاء واستخدام الملاعب من تدفئة وتبريد وإضاءة وإنتاج معدات…
وبلغة الأرقام، أشار تقرير صادر عن منظمة «Rapid Transition Alliance» إلى أن «قطاع الرياضة العالمي يولّد مستوى انبعاثات بنفس معدل دولة متوسطة الحجم». تبيّن ذلك في العديد من الأحداث الرياضية الضخمة، مثل بطولة أمم أوروبا 2020 التي ساهمت في انبعاثات كربونية إجمالية قدرها 425000 طن على الرغم من أن البطولة لم تتطلب سوى بناء ملعب واحد جديد.
قطاع الرياضة العالمي يولّد مستوى انبعاثات بنفس معدل دولة متوسطة الحجم


سبل العلاج
تشغل التغيرات المناخية رؤساء الرياضة منذ فترة، بحيث يحاول القيّمون على الألعاب تقديم حلول ملموسة. في هذا الصدد، برزت اللجنة الأولمبية الدولية كأحد أوائل المنظمات الرياضية في مجال الاستدامة البيئية.
بدأت مشاركة اللجنة في مكافحة تغير المناخ في أعقاب قمة الأمم المتحدة عام 1992. وبعدها بعامين، تم إدراج البيئة رسمياً باعتبارها الركيزة الثالثة للأولمبياد، وأصبح دور اللجنة الأولمبية الدولية يتركّز على «تشجيع ودعم الاهتمام المسؤول بالقضايا البيئية، وتعزيز التنمية المستدامة في الرياضة والمطالبة بعقد الألعاب الأولمبية وفقاً لذلك». تكفي الإشارة إلى أنه في عام 2012، أصبحت لندن أول مدينة مضيفة تقيس البصمة الكربونية للأولمبياد طوال مدة المشروع، مع تحقيقها هدف «صفر نفايات».
وفي كأس العالم الأخيرة لكرة القدم، حرصت اللجنة المنظمة القطرية بالتعاون مع الاتحاد الدولي لكرة القدم على ربط الحدث بالأثر البيئي المستدام، فركّزت على المنتجات القابلة لإعادة التدوير للحدّ من كميات المواد البلاستيكية المستخدمة، كما بَنَت محطات طاقة بديلة لتشغيل وتبريد الملاعب، مع اعتمادها وسائل نقل تعمل على الطاقة الشمسية.
محاولات لافتة لتحقيق الاستدامة جعلت فيفا تعتمد مونديال قطر كحجر أساس للتوجه نحو أحداث رياضية مراعية أكثر للبيئة.
ومن الحلول الملموسة التي قد تساهم في احتواء التغير المناخي، يظهر اعتماد بعض الأندية وسائل تشغيل مستدامة بالدرجة الأولى عبر شراكتها مع مزودي الطاقة الذين يولدون الكهرباء من المصادر المتجددة، كما توجّه بعض منظمي الأحداث إلى تنفيذ تدابير لتعويض انبعاثات الكربون مثل التزام منظمي بطولة «يورو» 2020 بزراعة 50 ألف شجرة في كل مدينة مضيفة، بدون إغفال دعوة بعض الرياضيين للحفاظ على البيئة، باعتبارهم قدوة للجمهور.