هنا تُلعب كرة القدم بمعناها الحقيقي. في طرابلس يشعر زائر ملعب رشيد كرامي البلدي بأنه يتواجد في ملعبٍ حقيقي. رائحة العشب الطبيعي الذي ارتوى بالمياه تفوح في الأرجاء، وتترك المتابعين أمام شريط ذكرياتٍ عدة لمباريات كبيرة احتضنها هذا الملعب إن كان للفرق اللبنانية وعلى رأسها مواجهات الغريمين النجمة والأنصار، وإن كان لناحية خوض المنتخب لمبارياتٍ دولية وديّة ورسمية عدة هناك.حتى على شاشة التلفزيون بدا الملعب جذاباً للمشاهد عند نقل مباراة النجمة والصفاء السبت الماضي، بحيث اشتاق الجمهور إلى متابعة لقاءٍ في ملعبٍ واسع تبدو فيه الصورة أجمل وأسهل لقراءة المجريات وتحركات اللاعبين وتفاعل المشجعين.
كل شيء كان جميلاً من طرابلس رغم أن الحسرة تحضر عند الفرق البيروتية التي ترى نفسها مجبرةً على خوض مبارياتها على بعد 85 كيلومتراً عن العاصمة، ما يحتّم عليها مصاريف اكبر لناحية المواصلات والمبيت في الفندق عشية المباراة، إضافةً إلى خسارتها قسماً كبيراً من قاعدتها الجماهيرية.
لكن الأمر يستحق العناء، إذ إن اللاعبين سعداء باللعب على أرضيةٍ عشبية طبيعية مجدداً. أضف أنّ نسق اللعب يبدو أفضل وأسرع، وإمكانية استعراض المهارات تبدو أعلى، ما يجعل الصورة العامة في الملعب وعلى الشاشة جذابة وجميلة.

مشكلة الإضاءة
أمام هذا المشهد العام الإيجابي، تقفز مشكلةٌ قد تحرم الجمهور من مشاهدة المزيد من المباريات من طرابلس، وهي غياب الأضواء الكاشفة التي تسمح بإقامة المباريات في فترة بعد الظهر خلال التوقيت الشتوي بسبب حلول الظلام باكراً، ما يقف عائقاً أمام جدولة اللقاءات في توقيتٍ مناسب يلتقي مع التمارين اليومية للفرق التي تكون عادةً بعد الظهر، وأيضاً أمام النقل التلفزيوني بحيث إنه من غير المستحب نقل أي مباراة في توقيتٍ أبكر عند الواحدة أو الثانية مثلاً كون غالبية المتابعين في أشغالهم أو لديهم انشغالات خاصة يوم العطلة.
من هنا، اتفق الكل على أن إضاءة ملعب رشيد كرامي هي أولوية قصوى، وهو أمر سبق أن وضعت له بلدية المدينة دراسةً قبل الأزمة المالية، لكن مصدراً ذكر بأن هذه الدراسة احترقت عند إشعال مبنى البلدية في أواخر شهر كانون الثاني من عام 2021، حتى طلب الاتحاد اللبناني لكرة القدم بعد نهاية الموسم الماضي، تقدّم البلدية بدراسة أخرى لكي يُصار إلى طلب مساعدة من «الفيفا» من أجل إضاءة الملعب.
(طلال سلمان)

وبالفعل أصبحت الدراسة موجودة في الاتحاد الذي يعمل على معرفة التكلفة النهائية للمشروع قبل الاتجاه نحو «الفيفا»، وذلك انطلاقاً من إدراكه بأن هذا الملعب سيحلّ مشكلةً كبيرة لناحية توزيع المباريات، وأيضاً سيذلل أي عقبة أمام النقل التلفزيوني الذي انحصر في ملعب مجمع الرئيس فؤاد شهاب الرياضي في جونية، وهو الوحيد الذي يتمتع بإضاءة مقبولة لنقل الصورة إلى المشاهدين ضمن المعايير المطلوبة.
وفي وقتٍ كانت فيه الدراسة الأولى تضع معياراً للإضاءة يصل إلى 1200 لوكس، فإن الدراسة الجديدة رفعت الرقم إلى 2000 لوكس، ما يعني أنها ستكون الأفضل في لبنان على الإطلاق، إذ إن آخر مرة تمّ فيها قياس الإضاءة في مدينة كميل شمعون الرياضية لاستضافة مبارياتٍ آسيوية، وصلت الإضاءة فيها إلى 800 لوكس، علماً أن ملاعب عالمية كثيرة تنقل منها التلفزيونات مباريات وفق تقنية عالية الدقة والوضوح (4K) تحت إضاءة تصل إلى 2400 لوكس.
أعدّت بلدية طرابلس دراسةً ليُصار إلى طلب مساعدة من «الفيفا» لإضاءة الملعب


ويشير أحد خبراء الإضاءة بأن هذا المشروع يتطلب مبلغاً يُراوح بين 300 و500 ألف دولار، وذلك بحسب حجم متطلبات تجهيزه، بحيث إن مولدات كهربائية ضخمة مطلوبة، ومن الضروري إضافة مولدات دعم للأعطال الطارئة، لذا فإن التكلفة ستتحدّد بحسب ما هو المطلوب.

تحسين المرافق كافةً
حتى حلّ المشكلة، تبدو طرابلس أشبه بواحةٍ لأندية المدينة والشمال واللعبة عامةً بعد اهتراء الملعب الأولمبي الواقع على مدخلها، والذي كلّف ملايين الدولارات عند استضافة كأس آسيا 2000. في المقابل، لا تتخطى المصاريف السنوية للملعب الـ30 ألف دولار بحسب مصدر في البلدية، إذ هناك كلفة المازوت لتشغيل آلات الريّ، وكلفة البنزين لقصّ العشب وشراء البذور، إضافةً إلى أجور الموظفين.
كلفةٌ بسيطة لا توازي أبداً حجم تقديمات الملعب لكرة القدم وجمهورها الذي يسأل عن سرّ حفاظه على لونه الأخضر بعكس كل الملاعب التي أصبحت في طيّ النسيان في بيروت وصيدا؟

(طلال سلمان)

الجواب يعيدنا إلى عام 2000 عندما قَدِم مهندسون من فرنسا للعمل على تهيئة الملعب ليكون مخصصاً لتدريبات المنتخبات المشاركة في نهائيات كأس آسيا، فكان حُسن اختيار التربة ذي الجودة الممتازة، ما سمح بديمومة العشب، إضافةً إلى الكمية الكبيرة للمياه الصالحة للريّ المتاحة في الملعب، ناهيك عن اهتمامٍ استثنائي من المولجين برعاية الملعب الذي يمكن أن يكون أجمل حتى لو تمّ العمل على تأهيل المضمار الذي يحيط بالمعشّب الأخضر، لكن تكلفة هذا المشروع أيضاً تبدو باهظة، وقد تصل إلى 300 ألف دولار في حال الذهاب نحو تجهيزه وفق معاييرٍ عالية.
من مباراة النجمة والصفا على ملعب طرابلس الأسبوع الفائت (طلال سلمان)

وهذه النقطة ليست الوحيدة التي تحضر في الحديث عن تحسين المرافق كافةً، إذ هناك جزءٌ آخر يرتبط بالمنصة والمدرجات حيث تكفّل نادي طرابلس بتأهيلها بحسب ما رَشَح عن اجتماع عقده رئيس الاتحاد اللبناني المهندس هاشم حيدر والأندية اللبنانية مع وزير الشباب والرياضة جورج كلاس. وبحسب رئيس النادي ظافر كبارة الذي تحدث إلى «الأخبار»: «المشروع لم يسقط، إذ يسعى نادي طرابلس إلى إعادة إحياء جو كرة القدم في المدينة والملعب، ويعمل جاهداً لتذليل أي عقبة عبر مبادراته، ومنها الأمنية بحيث نعمل اليوم على تأمين خوض نادي العهد لمبارياته في مدينتنا». وأضاف: «لدينا طموح بأن يكون الملعب بصورةٍ حسنة تليق بالمدينة، ولهذه الغاية أي مشروع يحتاج إلى تعاون بين الاتحاد والنادي والبلدية التي يرأسها «كبيرنا في الفوتبول» الحاج احمد قمر الدين (العضو السابق في الاتحاد)».
بكل الأحوال مجرد التفكير بتحسين كل المرافق له أبعاد إيجابية تتخطى الدوري اللبناني، إذ هناك حاجة ماسّة لملعبٍ يستضيف المباريات الآسيوية للمنتخب والفرق اللبنانية، وهي مسألة دفعت نادي النجمة إلى إرسال وفدٍ من أجل التحقق من الجوانب التقنية أملاً في خوض مبارياته في كأس الاتحاد الآسيوي في طرابلس، لكن هذه الخطوة دونها عقبات ترتبط بمعايير الاتحاد القاري التي لا يبدو بعضها مؤمّناً في عاصمة الشمال.