الاحتراف جزء لا يتجزأ من كرة القدم. يسعى اللاعبون باستمرار للانتقال إلى فريق أفضل، داخل أو خارج البلاد، أملاً بالحصول على أحسن حوافز وظيفية ممكنة. في إنكلترا، كان الأمر مختلفاً بعض الشيء. قلّة هم اللاعبون الإنكليز الذين تركوا دوريهم «الاستثنائي» للاحتراف خارج المملكة، إذ فضّلوا أغلب الأحيان الانتقال من نادٍ إنكليزي إلى آخر، وعدم الخروج من البلد.ولكن اختلفت الأمور في السنوات الأخيرة. إذ أصبح «مألوفاً» احتراف اللاعب الإنكليزي خارج الـ«بريمييرليغ»، على أن يكون الدوري الألماني، غالباً، وجهته المفضلة. هي ظاهرة جديدة، تعود بالمنفعة على الأطراف كافةً. تمتلك أندية الدوري الإنكليزي الممتاز الكثير من الأموال، وهي تسعى دائماً للمنافسة بهدف الحفاظ على تدفق العائدات. هكذا، تقوم الفرق بصرف أموالها على أفضل اللاعبين المحليين والأجانب، مما يقلل فرص مشاركة اللاعبين الإنكليز الشباب مع أنديتهم.
قد يبدو الأمر مثيراً بالنسبة للمشجع نظراً لزيادة التنافسية، ولكن من منظور لاعب بريطاني شاب، فإن الأمر أشبه بكابوس. لا خبرة تشفع للمشاركة ضمن الفريق الأول، ولا أفضلية على حساب لاعبين جاهزين جاؤوا بمبالغ كبيرة. هكذا، تتقلص الخيارات أمام الشباب إلى إعارة أو انتقال دائم، بعيداً عن النادي الأم.
وبلغة الأرقام، أظهرت دراسة أجراها مرصد كرة القدم «CIES» أن آرسنال ومانشستر سيتي وتشيلسي أعطت على التوالي 23 و17 و16 في المائة من الدقائق للّاعبين المحليين في موسم 2016/2017. وبحلول 2018/2019، مثّل اللاعبون الإنكليز 35.2% فقط من كل الدقائق التي لعبت في الدوري المحلي، وساهموا بنسبة 30.7% من الأهداف، كأدنى الأرقام ضمن العقد الماضي. بالمقابل، فإن أقل من نصف لاعبي الدوري الألماني هم أجانب، مما يمنح الشباب فرصة لحجز مقعد أساسي وعدم القلق من ناحية المشاركة ضمن أفضل الفرق كما يحصل في البريمييرليغ.
أدرك القيّمون على الدوري الألماني هذه الأفضلية فعملوا ليخلقوا من المعضلة الإنكليزية فرصةً تعود على «بوندسليغا» وعلى اللاعبين الشباب بالمنفعة. وزاد إلحاح الألمان للاستثمار في «أشبال» إنكلترا نظراً لقلّة الموارد المحلية، بحيث تحد قاعدة «50 + 1» أحياناً من عائدات فرق الـ«بوندسليغا»، ما يجعل قدرتها الشرائية أقل من منافسيها الأوروبيين. لذا، ركّزت الأندية الألمانية على تطوير المواهب الشابة وبيعها كجزء أساسي من نموذج أعمالها، أملاً بتحقيق أرباح تضاعف الميزانيات تباعاً. ولأن اللاعب الإنكليزي يحظى بقيمة سوقية عالية، انجذبت فرق الـ«بوندسليغا» للاستثمار فيه بشكل أساسي.
فتح جايدن سانشو الباب أمام اللاعبين الإنكليز للاحتراف في ألمانيا


يمكن أن تُعزى الأعداد المتزايدة للاعبين الإنكليز في الدوري الألماني خلال السنوات الأخيرة إلى جايدن سانشو. فبعد أن شعر الشاب الإنكليزي بالإحباط في أكاديمية مانشستر سيتي نظراً إلى محدودية فرص المشاركة ضمن الفريق الأول، انضم سانشو إلى بوروسيا دورتموند بعمر الـ17. كان ذلك عام 2017. تألق سانشو بشكل لافت مع «أسود الفيستيفال» ليعود إلى إنكلترا عام 2021 من بوابة مانشستر يونايتد مقابل 85 مليون يورو.
شكّل سانشو بوابة العبور للمواهب الشابة، فتوافَد بعدها الكثير من أشبال الإنكليز إلى ألمانيا مثل أديمولا لوكمان، ريس نيلسون، إميل سميث رو، جونجوي كيني، صامويل إيدوزي وغيرهم…
لكن الأبرز بعد سانشو كان بلا شك جود بيلينغهام، الذي حط رحاله في دورتموند عام 2020 قادماً من نادي برمنغهام سيتي الإنكليزي مقابل 30 مليون يورو، ليرحل خلال سوق الانتقالات الحالي إلى ريال مدريد الإسباني مقابل 103 مليون يورو.
بالطبع، تتنوع حقيبة استثمارات الأندية الألمانية لتشمل مختلف الجنسيات، غير أن العائد الكبير المتوقع من تطوير اللاعب الإنكليزي ثم بيعه، جعل التركيز ينصبّ على شباب منتخبات «الأسود الثلاثة».
هو «جزء من حمض الدوري النووي»، كما أشار العضو المنتدب لبوروسيا دورتموند، كارستن كرامر، فتنمية المواهب الشابة ثم بيعها هو «البديل الوحيد للتنافس». ويلفت كرامر إلى أن ندرة المال مقارنةً بفرق أخرى مملوكة لمستثمر أو حكومة مثل بعض أندية الدوري الإنكليزي الممتاز، تحتّم على الفرق الألمانية أن تكون «مبدعة».
هكذا، أصبحت أندية مثل باير ليفركوزن وبوروسيا دورتموند وغيرها الوجهات المفضلة للاعبي كرة القدم الإنكليز الشباب، الذين ساهموا تباعاً في زيادة عائدات الدوري الألماني وتسويق أسهمه.