أصبح واضحاً ضعف الفرق الإيطالية في القارة العجوز، سواء بسبب «ندرة» الموارد المالية أو الافتقار إلى «التكتيكات». فمنذ أن حقق إنتر ميلانو آخر نجاح ملموس للإيطاليين بحصده دوري الأبطال 2009-2010 على حساب بايرن ميونيخ في المباراة النهائية (2-0)، رفعت الفرق الإسبانية دوري أبطال أوروبا 7 مرات، والأندية الإنكليزية 4 مرات كما لقبين للأندية الألمانية، مقابل صفر ألقاب لأندية «الكالتشيو».تأمّل الإيطاليون في أكثر من استحقاق بأن ينتهي الانتظار، وخاصةً عندما وصل يوفنتوس إلى نهائي دوري أبطال أوروبا مرتين (2014 و 2017) قبل بلوغ إنتر ميلانو نهائي مسابقة الموسم الماضي، غير أن الخسارة في المحطات الأخيرة طوّلت الغياب أكثر وأسالت الأسئلة حول الأسباب الكامنة وراء «القحط» الأوروبي.
الأمر لا يرتبط بلعنةٍ أو شعوذة، هو ببساطة نتاج سوء هيكلة من القيّمين على القطاع الكروي في البلاد. ففي الفترة الممتدة بين منتصف الثمانينات حتى العقد الأول من الألفية الجديدة، كانت الأندية الإيطالية حاضرة وبقوة في دوري الأبطال برفعها ثمانية ألقاب، في زمنٍ اتصف فيه «الكالتشيو» بالمتانة المالية ما سمح لفرقه باستقدام أفضل لاعبي العالم، كما امتلاك مديرين فنيين كانوا من الأفضل في حقبتهم.
ومع تعاقب السنوات، تبدّلت الحال وغرقت الكرة الإيطالية بأزمة طويلة قوامها الفساد، بالتوازي مع فشل ذريع تمثّل بعدم وضع خطة للنهوض، أو حتى السعي لتسويق منتجات الكالتشيو إلى العالم. وتفاقم الوضع سوءاً على خلفية إغراق بعض الملاك لفرقهم بالديون، أمثال قطبَي ميلان تحت الملكية الصينية، كما تورط آخرون بقضايا احتيال، كان بطلها غالباً يوفنتوس في فضيحة «كالتشيوبولي» عام 2006، ثم فضيحة التلاعب بمكاسب رأس المال (plusvalenza) عام 2021.
وفي وسط تلك العاصفة، أثقل إعصار كورونا كرة القدم ككل بعبئه المالي ووجّه ضربة موجعة لما تبقّى من الكالتشيو. الوباء لم ينهش الإطار الاقتصادي المتهالك أساساً لكرة القدم الإيطالية بقدر ما أنه كشف المستور، أما النتيجة، فقد عكسها إفلاس الأندية.
أصبح الدوري الإيطالي بمثابة دوري الدرجة الثانية في أوروبا


هكذا، وجدت الفرق الإيطالية نفسها أمام واقعٍ جديد. لا رؤساء يمتلكون مساراً واضحاً للسير عليه ولا سيولة تسمح باستقدام لاعبين مميزين، ما جعل أندية الكالتشيو تعتمد مبدأ «الترقيع» بالصفقات المجانية وصفقات الإعارة، والتي ساهمت تباعاً في انخفاض قدرتها على المنافسة في أوروبا. واقع الحال اختصره رئيس ميلان باولو سكاروني بقوله لصحيفة «إيل فوجليو» الإيطالية: «في السنوات العشرين الماضية، تفوّق علينا الجميع تقريباً. الدوري الإيطالي أصبح دوري الدرجة الثانية في أوروبا».
ترافق الأمر مع إعاقة البيروقراطية السائدة في إيطاليا لتقدّم بعض الفرق، محلياً وأوروبياً، وخاصةً فيما يتعلق بالملاعب. العديد من الملاعب المتهالكة في الدوري الإيطالي تحتاج إلى إعادة بناء بالدرجة التي تحتاجها هيكلية اللعبة نفسها. ومع ذلك، تصطدم الفرق الراغبة في بناء ملعب جديد، مثل إي سي ميلان، بآلاف العوائق من الاتحاد الإيطالي والبلديات، ما يحول دون تقدم اللعبة ككل. بعيداً عن أن أي منشأة رياضية جديدة بسعة أكبر سوف تُدخل عائدات موسمية أكثر لأي نادٍ، يُعد الملعب والبنى التحتية الجيدة بشكل عام أصولاً أساسية للحصول على عقود ضخمة، لأن البنى التحتية المتهالكة لا تجذب الرعاة ولا الجمهور.
تجدر الإشارة إلى أن تلك المشكلات لم تنعكس على فرق الدرجة الأولى فحسب، بل إنها شملت كل الدرجات، كما انسحبت إلى المنتخب الوطني الذي غاب عن آخر نسختين من كأس العالم.
يبقى احتمال النهوض وارداً رغم صعوبة تحقيق الأمر في المستقبل القريب. يستوجب على الاتحاد الإيطالي لكرة القدم التخلي عن الأفكار «التقليدية» بالدرجة الأولى، وتبنّي أفكار وتوجهات تناسب متطلبات الكرة الحديثة، عسى أن تزيّن فرق الكالتشيو الواجهة الأوروبية والعالمية من جديد.