بعدما دفعت تحذيرات السفارات الأجنبية في لبنان بعض اللاعبين الاجانب الى مغادرة انديتهم عشية استئناف الدوري اللبناني لكرة القدم، وجدت الاندية التي خسرت لاعبيها نفسها امام معضلةٍ، وخصوصاً انه لا يمكنها تعويض رحيل هؤلاء الاجانب حتى مرحلة السداسية بحكم النظام الفني الخاص بموسم 2023-2024.اللافت ان لبنان ليس بحالة حرب معلنة، والدليل ان البلاد تسير بشكلٍ طبيعي في مختلف القطاعات، والمباريات تنشط في ملاعب الرياضات المختلفة، وبالتالي تترك هذه المسألة حيرة وتعقيدات قانونية اذا ما قرر احد الطرفين المعنيين المضي نحو قضيةٍ قانونية من اجل فكّ الارتباط او طلب التعويضات ما شابه.
لا سبب موجب لمغادرة بعض اللاعبين الاجانب للبنان في ظل عدم وجود حرب معلنة (طلال سلمان)

بالفعل الوضع يختلف تماماً عمّا أفرزته القوانين الدولية الصادرة عن «الفيفا» عند انطلاق العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا حيث ترك الكثير من اللاعبين البلاد، ولم يعتبر الاتحاد الدولي وقتذاك انهم خرقوا شروط العقد لانه اعتبر ان الخطر يحيط بهم، لكن في الحالة اللبنانية لا تعتبر التحذيرات مُلزمة، وبالتالي فإن مغادرة اللاعبين بهذا الشكل تصبّ في مصلحة الاندية في حال ذهبوا الى المحاكم، وهو ما يضع النادي في موقفٍ قوي اذا ما حاول دفع لاعبه نحو العودة.
أضف لا يعتبر العقد معلّقاً ايضاً لان قرار اللاعب بالمغادرة لا يمكن ان يأتي من استنتاج، فالدوري يسير بشكلٍ طبيعي وليس هناك اي حرب شاملة، لذا يمكن للنادي وبكل بساطة الامتناع عن دفع راتب اللاعب لانه لم يغادر استناداً الى سبب شرعي او بقرار من الاتحاد اللبناني او الاتحاد الدولي على حدٍّ سواء.

فسخ عقود «الهاربين»
لكن هل يحق للنادي هنا طلب فسخ عقده مع اللاعب في ظل الأوضاع الحالية في حال غادر هذا الأخير الى لبنان؟
يقول المحامي المتخصص في القضايا الرياضية جاك طبر في حديثه الى «الأخبار»: «بالعودة الى لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم الصادرة عن «الفيفا» يتبين بأنها حددت في المادة 14 منها أصول فسخ العقد الموقّع بين اللاعب والنادي بحيث أنه يقتضي توفر السبب العادل لكي يُعتبر الفسخ قانونياً ومن دون أن يرتب على الفريق الفاسخ أية تعويضات أو عقوبات.
ويضيف: «في هذا السياق لا بد ان نجري مقارنة بين وضع لبنان الحالي والوضع في أوكرانيا حيث ان الاتحاد الدولي لكرة القدم اعتبر ان أوكرانيا بحالة حرب وتدارك الامر بإصداره بتاريخ 3 آب 2022 الملحق التعديلي رقم 7 للائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم وعلق كافة عقود اللاعبين، كما أجاز للاعبين الذين غادروا أوكرانيا التعاقد مع اندية في الخارج وان كانت خارج فترة الانتقالات، وبالتالي، لو كان الوضع في لبنان يستوجب اتخاذ هكذا إجراءات لكان الاتحاد الدولي استدرك الأمر واتخذ إجراءات مماثلة او شبيهة لتلك التي اتخذها في أوكرانيا. أضف الى ذلك ان العمليات العسكرية التي تجري في لبنان محدودة في نطاق جغرافي معين وليس له أي تأثير ولا يشكل خطورة حالياً على سلامة اللاعبين الأجانب نظراً لبعد المسافة بين الحدود وأمكنة تواجد الأندية والملاعب».
الأندية اللبنانية في موقفٍ قانوني قوي في حال قررت مقاضاة لاعبيها المغادرين


أمام هذه المعطيات، فإن الأوضاع التي يمرّ بها لبنان تسمح للنادي في هذه الحالة اعتبار العقد مفسوخاً على مسؤولية اللاعب الأجنبي في حال اراد اتخاذ هذه الخطة، لكن يتوجب عليه اتخاذ إجراءات تسبق اعتبار العقد مفسوخاً على غرار توجيه كتاب للاعب يدعوه فيه للعودة الى لبنان والالتحاق بالنادي ومعاودة التدريب واللعب وذلك ضمن مهلة أسبوع مثلاً. اما في حال تمنع اللاعب عن العودة فيمكن تكرار هذه الدعوة وذلك لإثبات عدم رغبة اللاعب في تلبيتها، وبالتالي اذا ما استمر ممتنعاً عندها يصار الى توجيه كتاب فسخ للعقد مع ما يترتب عليه من مفاعيل قانونية.

النادي هو المتضرر
لكن ماذا لو اراد اللاعب طلب فسخ عقده؟

يجيب طبر عن هذا السؤال بالقول: «للإجابة عن هذه النقطة يقتضي تحديد مدى الزامية قرارات المغادرة التي توجّهها الدول الأجنبية لرعاياها، فالقرارات المشار اليها هي من قبيل الإجراءات الاحترازية التي تقوم بها الدول الأجنبية حفاظاً على سلامة رعاياها، وذلك من دون ان يكون لهذه القرارات الطابع الالزامي، إذ أن عدم تقيد أي من الرعايا بطلب المغادرة لا يرتب عليه اية مفاعيل قانونية ولا يعتبر بمثابة مخالفة».
ويتابع: «في هذه الحالة، وبما ان هذه القرارات هي احترازية وليست ملزمة فإنها لا تشكّل سبباً عادلا بمعنى المادة 14 من لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم الصادرة عن «الفيفا» مما يحول دون إمكانية تذرع اللاعب الأجنبي بهذا السبب لفسخ عقده».
اذاً النادي هو المتضرر في هذه الحالة، وبما أن التعويض الفني صعب في هذه المرحلة من عمر الموسم، قد يكون التعويض المادي بمثابة «جائزة الترضية»، والقانون قد ينصفه في هذه الحالة.
ويؤكد طبر هذه المسألة من خلال المواد القانونية، فيقول: «من خلال مراجعة نص الفقرة 1 من المادة 17 من لائحة أوضاع اللاعبين وانتقالاتهم، نجد ان الفريق الفاسخ لغير سبب عادل يجب ان يسدد تعويضاً للفريق المتضرر». ويعقّب: «ان تعيين التعويض يأخذ بعين الاعتبار ما هو منصوص عنه في العقد وإلا تطبق قواعد القوانين الصادرة عن الدولة المعنية او أية معايير موضوعية مثل المكافآت والمنح التي تقاضاها اللاعب والمصاريف التي تكبدها النادي... ».
وتجدر الاشارة هنا الى مادةٍ اضافية تفيد بإنزال عقوبات رياضية بحق اللاعب المخلّ بالعقد بحيث يتم إيقافه عن اللعب لمدى أربعة اشهر في المباريات الرسمية، وعند توفر حالات مشددة يتم إيقاف اللاعب ستة أشهر، ويبدأ تطبيق هذه العقوبات اعتباراً من بداية الموسم التالي مع النادي الجديد.
اذاً هي مسألة شائكة ومعقّدة قد لا يكون فيه اي غالب او مغلوب، والحلّ الامثل في حالة الاندية اللبنانية هي العمل على الجانب النفسي مع اللاعبين المغادرين من اجل اعطائهم الضمانات والتطمينات بأن كل شيء سيكون على ما يرام لكي يعودوا الى ملاعبنا وانديتنا التي تبدو بحاجةٍ اليهم.