داكا | «مستقبل كرة القدم اللبنانية بين أيدينا». بهذه العبارة وصف القائد الثاني لمنتخب لبنان محمد حيدر في مقابلةٍ تلفزيونية أخيراً، أهمية أول مباراتين لمنتخبنا في التصفيات الآسيوية المزدوجة المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2026 وكأس آسيا 2027.إجابةٌ قد تكون مرّت مرور الكرام عند البعض لكنها تحمل معانٍ كثيرة، فالكل يعلم بأن «رجال الأرز» دخلوا مرحلةً مختلفة مع مديرٍ فني جديد هو الكرواتي نيكولا يورسيفيتش الذي حصل على نقطته الرسمية الأولى بعد التعادل مع فلسطين سلباً الأسبوع الماضي في مستهل مشوار التصفيات.
لكن هذه النتيجة الأخيرة ليست ما يصبو إليه المنتخب أو ما حمله كلام حيدر، إذ إن نجم خط الوسط المخضرم رمى إلى أبعد من ذلك، فحصدُ النقاط والتأهل إلى الدور المقبل من التصفيات الآسيوية – المونديالية، سيعطيان الفرصة للجيل الصاعد في الكرة اللبنانية للعب على أعلى مستوى أمام عمالقة القارة المتنافسين على بطاقةٍ مونديالية، ما سينعكس لا محالة إيجاباً على مستواهم الفردي، وتالياً على المنتخب الذي دخل في عملية بناء جزئية إيذاناً بورشة تغييراتٍ واسعة، ولكن تدريجية بحكم الواقع المفروض المتمثّل بالحاجة إلى عناصر الخبرة في الوقت الحالي مع الأخذ في الحسبان وصول بعضهم إلى خريف العمر الكروي، ما يقتضي التغيير ولكن وفقاً لحساباتٍ دقيقة.

بنغلادش مفترق طرق
من هنا، تكتسي المباراة المقبلة أمام بنغلادش أهميةً كبيرة، وهي تشكّل بالفعل مفترق طرق في رحلة لبنان في التصفيات، فالنقاط الثلاث مهمة، واستعادة نغمة الفوز أهم، والأكثر أهمية هي اكتساب الثقة وتعزيز موقف «رجال الأرز» في المجموعة التاسعة قبل خوضهم غمار نهائيات كأس آسيا في قطر مطلع السنة المقبلة، ثم مقابلتهم الخصم الأقوى في المجموعة، أي أستراليا في شهر أذار 2024.
أهمية هذه المحطة تعيدنا إلى أخرى مفصلية إذا صحّ التعبير، وتحديداً إلى 12 سنة خلت، وذلك عندما واجه لبنان ضيفه البنغالي في 23 تموز 2011 في بيروت ضمن الدور الثاني من تصفيات كأس العالم 2014، وخرج فائزاً من ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية بأربعة أهدافٍ نظيفة سجّلها حسن معتوق، محمد العلي، علي السعدي، وطارق العلي.
لكن بعدها بخمسة أيام كانت الطامة الكبرى عندما خسر المنتخب بهدفين نظيفين في داكا، وهي نتيجة اعتُبرت عامذاك الأسوأ في تاريخ الكرة اللبنانية بالنظر إلى المستوى المتواضع للخصم، ولكنها بلا شك كانت مفصلية إلى حدٍّ كبير وغيّرت من مستقبل اللعبة وصورة المنتخب في الأشهر التالية وامتداداً إلى يومنا هذا.
في عام 2011 غيّرت الخسارة أمام بنغلادش الضعيفة مسيرة لبنان (إلى الأفضل) في التصفيات المونديالية


أيامٌ قليلة بعد تلك الخسارة، تقدّم المدير الفني إيلي رستم باستقالته من منصبه، مشيراً إلى أنه تعرّض لحربٍ داخلية هدفها إفشاله، فسارع الاتحاد اللبناني للعبة إلى تعيين الألماني ثيو بوكير مكانه، ليعيش بعدها لبنان أفضل مدةٍ له، محققاً انتصاراتٍ مدوّية على مجموعةٍ من كبار منتخبات آسيا، أمثال الإمارات، الكويت، كوريا الجنوبية وإيران.

«بيع» لبنان
لكن هذا لم يكن كل شيء لأنه كان في إمكان لبنان الذهاب أبعد من ذلك، وربما إلى كأس العالم في البرازيل لولا تلك الفضيحة الشهيرة التي وجّهت إليه «حقنة مسمّمة» من دون أن يدرك كثيرون.
هنا نعود إلى داكا وإلى تلك المباراة التي لا تُنسى، فقد تبيّن أنها إحدى المباريات التي تمّ التلاعب بنتيجتها من لاعبين لبنانيين لمصلحة «مافيا المراهنات»، وقبضوا ثمنها، وقضوا بعدها عبر حلقات بيعٍ أخرى على أحلام وآمال شعبٍ بأكمله وقف وراءهم بشكلٍ غير معهود.
ما تلا هذه المباراة لم يكن بحجم ما سبقها، فبقيت مواجهة بنغلادش حاضرة دائماً بأنها إحدى المحطات الأساسية التي غيّرت من تاريخ كرة القدم اللبنانية، ولاحقاً مستقبلها بعد فتح تحقيقٍ واسعٍ أفضى إلى إيقاف عددٍ لا يستهان به من اللاعبين الدوليين وإبعادهم عن المنتخب مدى الحياة، ومنهم بدا حاجةً ماسّة للمنتخب في تلك المدّة، وحتى أن البعض الآخر كان في الإمكان الاستفادة منه في المدة القريبة الماضية أو الحالية، ولكن حماية المصلحة الوطنية ومعاقبة المسيئين إليها كانتا القرار الصحيح بعيداً من خسائره المدمّرة التي أضعفت المنتخب تدريجياً.
غداً يعود منتخبنا لمواجهة بنغلادش مجدداً، وهو الذي فاز عليها بهدفين نظيفين في حزيران الماضي، في كأس اتحاد جنوب آسيا، لكنه سيلعب متناسياً تلك النتيجة لأن نتيجة مباراة الغد هي وحدها القادرة على إبقائه حيّاً وقادراً على التعايش مع متطلبات المرحلة المقبلة المهمة.