انهيارٌ تام، سقوطٌ حرّ، ونهاية العالم. هذه العناوين وغيرها هي ما يمكن وضعها فوق أي صورة للمنتخب الألماني الذي يعيش أزمة نتائج رهيبة في سنة 2023 التي شارفت على النهاية، إذ تلقّى فيها 6 هزائم (مقابل 3 انتصارات وتعادلين) في 11 مباراة خاضها.هزائم دفعت الكثيرين إلى الحسبان أنه لولا استضافة الألمان لكأس أوروبا في الصيف المقبل، لكان من المستحيل أن يحصل منتخبهم على بطاقةٍ مؤهلة إلى النهائيات، والسبب أنه في إمكان أيٍّ كان في الوقت الحالي التغلّب على المنتخب الألماني.
الأرقام تحكي عن واقع الحال، فألمانيا التي تُعدّ إحدى أعظم الدول في تاريخ كرة القدم، حقّقت أسوأ نتائج لها في سنةٍ واحدة منذ عام 1964، وتحتل أسوأ مركزٍ لها في تصنيف الاتحاد الدولي للعبة (المركز 16) منذ عام 2004 (المركز 19).
كل هذا يحدث، ولا يبدو أنّ الألمان قادرين على فعل شيء حيال فشلهم المتواصل، إذ بعد الخسارتين الأخيرتين أمام تركيا والجارة النمسا، بدا واضحاً أن الأمور أصبحت خارج السيطرة، ما دفع القائد إيلكاي غوندوغان إلى القول: «الأمر الإيجابي الوحيد في كل ما حدث هو أنّ الأمور لا يمكن أن تزداد سوءاً».
(أ ف ب )

فريقٌ مستسلم
كلامٌ كبير من أحد أبرز لاعبي «المانشافت» وقائده المفترض ألا يرفع الراية البيضاء التي رفعها الكل في المدة السابقة مع المدرب هانزي فليك، قبل أن يُستبدَل بالشاب يوليان ناغلسمان، ولكن من دون أن يحصل أيّ تغيير إيجابي ملحوظ.
بالفعل، بقيت الأمور على حالها: فريقٌ يلعب بروحٍ انهزامية، ويفتقد إلى الحيوية، ويعجز عن خلق الفرص، ويفشل في إيقاف الهجمات المرتدّة ضده، وقد أُضيف إلى كل هذه المشكلات «اختراعات» لا جدوى منها قام بها ناغلسمان في آخر مباراتين كإشراك لاعبٍ مفترض أن يكون مفتاحاً هجومياً في مركز الظهير الأيسر وهو كاي هافرتز، بينما أشرك الظهير الأيسر بنيامين هنريش في مركز الظهير الأيمن!
كل هذا دفع إلى السؤال إذا ما كان قرار الاتحاد الألماني صائباً بإسناد مهمة تدريب المنتخب إلى مدربٍ شاب أُقصيَ من تدريب بايرن ميونيخ بعدما فقد السيطرة على غرفة الملابس، وذلك في وقتٍ يحتاج فيه المنتخب إلى أقوى شخصيةٍ ممكنة من أجل إخراج الأفضل من لاعبين لا شكّ في أنهم يملكون الإمكانات الفردية، لكن لا يظهّرون أي شيءٍ منها عندما يذهبون جماعياً إلى أرض الملعب.
وبالحديث عن القرارات، الواضح أن هناك مشكلة على صعيد الإدارة في كرة القدم الألمانية، وهو ما بدا جليّاً عبر نتائج كل المنتخبات، إذ حتى منتخب السيدات الذي اعتاد على المنافسة على كل الألقاب، خرج بخفيّ حنين من كأس العالم الأخيرة.
مشكلات فنيّة وأخرى إدارية وراء الفشل المتواصل للألمان في هذه الأيام


الأندية متهمة
بالفعل هناك مشكلة نظام عام في الكرة الألمانية التي كانت قد وضعت أسساً جديدة بعد الخروج المخزي من الدور الأول لكأس أوروبا عام 2000، فكانت النتيجة الفوز بكأس العالم 2014. وهنا الكلام يرمي إلى شحّ المواهب التي تقدّمها الأندية الألمانية، إذ باستثناء جمال موسيالا، لم تعرف ألمانيا لاعباً شاباً عالمياً منذ مدةٍ طويلة.
طبعاً تتحمّل الأندية جزءاً من المسؤولية، إذ إنها لا تعطي الفرصة الأكبر للاعبين الشبّان المحليين على أعلى مستوى، فهذه الأندية تتعاقد مع لاعبين أجانب حتى من بلدانٍ مغمورة في عالم الكرة، إذ يكاد الدوري الألماني يضم لاعبين من كل الجنسيات.

(أ ف ب )

هذا وتتقاطع هذه المشكلة مع واحدة أخرى ترتبط بالنظام العام للتأسيس، إذ لا يوجد هيكلية واضحة أو مشتركة في ما خصّ منتخبات الفئات العمرية وصولاً إلى المنتخب الأول الذي عجز منذ اعتزال الهدّاف ميروسلاف كلوزه عن إيجاد رأس حربة على صورته، أو على الأقل على صورة أولئك المهاجمين الذين كانوا عبر التاريخ السبب الأول في انتصارات وإنجازات المنتخب الألماني.
هذا المنتخب الذي يفتقد أيضاً إلى لاعبين مؤثّرين في مراكز عدة، أمثال خطّ الظهر، حتى اضطر إلى إعادة استدعاء المخضرم ماتس هاملس لكي يتفادى الإذلال قدر الإمكان.
الذلّ أصاب الألمان بطبيعة الحال، إذ يكفي الخروج من الدور الأول في آخر مونديالَين للدلالة على هذا الأمر، بينما في الماضي البعيد كان الإقصاء من الدور ربع النهائي لكأس العالم (1994 و1998 مثلاً) أشبه بكارثة وطنية تطلق إنذارات حالة الطوارئ التي يحتاجها «المانشافت» اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فبعد كل ما حدث، يشعر الألمان وكأن نهاية العالم حلّت عليهم.