بدا واضحاً في المدة الأخيرة أنّ سهام الانتقاد لا تصوّب إلا باتجاه منتخب لبنان عندما يرتبط الأمر بالنتائج المحققة على الصعيد الخارجي. لكن الواقع والمنطق يوضحان أنّ المنتخب هو نتاج عمل المنظومة الكروية عامةً، أي ما يفرزه الدوري اللبناني الذي بات يضمّ حتى العدد الأكبر من اللاعبين الذين استعان منتخبنا بهم عبر السنوات من بلاد الاغتراب.الدوري المؤلف طبعاً من أندية، وهذه الأندية هي التي تقدّم ما لديها من عناصر تعتبر الأفضل إلى المنتخب، ما يعني أنّ هناك ارتباطاً مباشراً بين المسابقات المحلية والتمثيل الخارجي المرتبط بالمنتخب، لتكون المعادلة بسيطة: الدوري بخير إذا كانت الأندية بخير، والمنتخب بألف خير إذا كانت الأندية نفسها تعمل بشكلٍ طبيعي.
باختصار، يقال هناك في البلدان التي تتألّف منتخباتها من الأكثرية الساحقة من اللاعبين المحليين بأن ما يقدّمه أي منتخب هو نتاج عمل الأندية المحلية، ويذهب المحلّلون للدلالة على هذا الأمر عبر ربط نتائج الأندية في البطولات الخارجية بنتائج المنتخبات المعنية، وذلك على صورة منتخبَي ألمانيا وإنكلترا...

سقوط الأفضل
جاءت النتيجتان الأخيرتان لممثّلَي لبنان في كأس الاتحاد الآسيوي لتلتقيا مع هذه الفكرة، إذ إنّ تعادل منتخب لبنان في أول مباراتين له في التصفيات الآسيوية ـ المونديالية، رافقه تعثّر غير بسيط للعهد في كأس الاتحاد الآسيوي بعد بداية لافتة، وسقطة قاسية للنجمة ولو أن أمله في التأهل إلى الدور المقبل كان قد انتهى.
اللافت هنا أنه ليس هناك في نظر كثيرين أفضل من النجمة والعهد لتمثيل لبنان في المدّة الحالية، فالأول الذي سقط بسداسية أمام الرفاع البحريني، يتصدّر الدوري اللبناني. أما الثاني، فهو وصيف البطولة حالياً وحامل لقبها في الموسم الماضي، ما يعني أن المشكلة أبعد من نتيجةٍ سلبية للمنتخب هنا وأخرى هناك، فلا يجب أن ننسى بأن أحداً من الأندية لم يتمكّن من إظهار نفسه بصورةٍ خارجية قوية منذ عام 2019 عندما توّج العهد نفسه لبنان بأول ألقابه القارية.
الواقع أن ما عرفته كرة القدم اللبنانية من ظروفٍ طارئة ارتبطت غالباً بأحوال البلد عامةً، كانت الضربة الأولى لها، والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه، إذ نجهد اليوم من أجل استعادة الصورة التي عرفها المنتخب والأندية منذ مدةٍ ليست بطويلة، ما يعني أن الفرصة لا تزال متاحة لتصحيح المسار، وهو شأن الجميع وعلى رأسهم الأندية.
وهنا ينقل أكثر من مدربٍ أجنبي عَمِل في لبنان وجهة نظرٍ بخصوص هذه القضية، إذ يتفق كثيرون على أن الانغماس في نظامٍ تدريبي محدّد سيكون خطوة تطويرية أساسية، وهو ينطلق من الأندية المفترض أن تولي الاهتمام إلى النُّشء بقدر ما توليه إلى فرق الرجال التي تحظى بالقسم الأكبر من الاستثمار.

إنقاذ النُّشء
ويصوّب الحديث في هذه النقطة عند ضرورة استقدام مدربين أجانب لفرق الفئات العمرية التي تظهر في كثيرٍ من الأحيان خامات ممتازة، ولكنّ نموّها الكروي يبدو بطيئاً أو في أحسن الأحوال يتوقف قبل وصولها إلى الفريق الأول أو حتى بعد تمكنها من اللعب في الدرجة الأولى، وهي إذا ما وصلت إلى هذه المرحلة يُفترض أن تكون جاهزة لتقبّل الأفكار الفنية، وذلك انطلقاً من انغماس كل الفرق بنظامٍ تدريبي موحّد، يخلق ارتباطاً بين كل فرق النادي، ولذا إنه سيكون من السهل على المدربين التعامل مع لاعبيهم الذين يصلون إلى الفريق الأول كون مسألة اندماجهم سهلة بفعل اعتنقاهم نظام اللعب الموضوع منذ نعومة أظافرهم.
هناك ارتباط مباشر بين نتائج الأندية خارجياً والأخرى الخاصّة بالمنتخب


بالفعل للأندية اليد الطولى في تطوير نتائجها وتالياً المنتخب، وذلك لناحية سياسات التعاقدات التي تبرمها، إذ إن الأمر لا يرتبط فقط باستقدام عنصر أجنبي لتحقيق نتائج أفضل، بل الأهم التعاقد مع لاعب يؤمّن الاحتكاك معه الإضافة الإيجابية للاعب المحلي الذي يعدّ نواة أي فريق يشارك خارجياً، ويُسأل عن دوره في نتائجه، وطبعاً الأساس في المنتخب المؤلف من اللاعبين اللبنانيين حصراً.
هؤلاء الذين كانوا محور اللعبة بفعل مواهبهم الاستثنائية، بينما تعجز ملاعبنا اليوم عن تقديم لاعبٍ بمستوى دولي يعوّض آخر معتزل، أو نجمٍ استثنائي على صورة أولئك النجوم الذين حملوا المنتخب على أكتافهم في فتراتٍ مختلفة.
الفرصة لا تزال قائمة، ولكن التحرك الجماعي يجب أن يكون سريعاً لكي لا تعود أنديتنا ومنتخباتنا الحلقة الأضعف في ميزان القوى، وتتكرر النتائج السلبية الخارجية التي تركت الجمهور اللبناني أمام قلقٍ كبير حول ما ينتظره في المستقبل.