«يمكنك أن تُخرج الرجل من لبنان، ولكن لا يمكنك أن تُخرِج لبنان من الرجل». هذه العبارة التي تشير وتشدّد على الارتباط العاطفي بالمكان، تنطبق تماماً على المدرب المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش الذي أشرف على المنتخب اللبناني لمدة 4 أعوام، ولكنّه بعد رحيله عنه لم يغفل يوماً البقاء على تواصل مع من كانوا على تماسٍ معه طوال تلك المدة وبقيوا أوفياء له عبر عدم تجاهلهم ما فعله من أجل تطوير المنتخب.لاعبون، إداريّون، ومواطنون من ناشطين ومحبين للكرة ربطتهم صداقات برادولوفيتش، وعزّزها احترام الرجل لطبيعة علاقته بهم، فعاد لتلبية دعوات لحضور زفافٍ هنا أو القيام بواجبٍ هناك، واستقبل زوّاراً من «بلاد الأرز» سائلاً عن أحوال الحياة ومعشر كرة القدم، وواعداً في النهاية بالعودة يوماً ما.
لكن الواضح أنه كان هناك صعوباتٍ جمّة حالت دون عودة ما يمكن وصفه بـ «حبيب الشعب»، في وقتٍ أقرب، إذ بعد خروجه إلى ميانمار التي رصدت أموالاً طائلة لتحسين منتخبها وقتذاك، عاش مغامراتٍ لافتة في مسيرته، إذ أشرف على فريق ذوب آهان الإيراني وبعدها على منتخب بلاده. ورغم ذلك بقي شيء من لبنان معه، فنصح الأول بالتعاقد مع الحارس الدولي مهدي خليل، ولم يفوّت المناسبة عندما سنحت الفرصة للعب مع المنتخب اللبناني مباراةً وديّة قبل شهرين أسفرت عن فوزه (3-2).

«ملك» في بلاده
الزائرون له في بودغوريتسا نقلوا عدم وجود أي تبديلٍ في رأيه، إذ لا يزال لبنان ضمن حساباته، ولكن فكرة العودة لم تكن لتصبح واقعاً، إذ يعيش «رادو» كالملك في بلاده بحسب وصف مصدرٍ إداري، فهو لا ينقصه أيّ شيء في حياته اليومية، ويوفّر له الاتّحاد المونتينغري كل ما يطلبه ويؤمّن له وسائل رفاهية يحلم فيها أيّ مدرّب.
باختصار رادولوفيتش في بلاده «قصّة كبيرة» بحسب وصف أحد اللاعبين الذي عاصره في لبنان، ثمّ تابعه هناك في مونتينغرو التي عرض اتّحادها عليه تجديد عقده لمدة عامين، وذلك عقب نهاية مشوار التصفيات إلى نهائيات كأس أوروبا 2024 حيث فوّت القطار بفارق 3 نقاط فقط عن الجارة صربيا.
العقد مع مونتينغرو والتصفيات المذكورة هي التي حالت دون قدوم رادولوفيتش إثر نهاية عهد الصربي ألكسندر إيليتش، إذ تمّ التواصل معه للعودة إلى تدريب منتخب لبنان، ولكن بما أنّه تمسّك بأمل التأهل إلى البطولة القارية، فقد اعتذر من دون أن يقطع الوصال مع الاتّحاد اللبناني، لا بل إنه لم يتردّد في تقديم النصائح أو عرض أحد المرشّحين له لمنصب المدير الفني، تاركاً للاتحاد حرية الاختيار قبل التعاقد مع الكرواتي نيكولا يورسيفيتش.
لكن الاتحاد نفسه كان قد اختار بالفعل رادولوفيتش ليكون مجدداً على رأس الجهاز الفني، وما إن انتهت التصفيات الأوروبية، حتى نشطت الاتصالات معه مجدداً، ونجحت بعد عدد من الجولات في إقناعه بقبول العرض اللبناني الذي سيربطه بالمنتخب مجدداً لمدة 3 سنوات.
أكثر ما يحتاجه لبنان هو مدرّب بشخصية رادولوفيتش الصارم والانضباطي والمحبوب


الرجل المناسب
ويتّفق الجميع بأن «رادو» هو الرجل المناسب لاستلام منتخبنا، ولو أن مشواره سيبدأ قبل أقل من شهرٍ على بداية نهائيات كأس آسيا في قطر (12 كانون الثاني 2024)، فهو بقي متابعاً لتفاصيل مباريات المنتخب ولاعبيه، إضافةً إلى أنّه يعرف الجيل الحالي الذي يدافع عن ألوانه.
كما أن أكثر ما يحتاجه المنتخب حالياً هو مدرّب بشخصية رادولوفيتش الصارم والانضباطي والمحبوب عند اللاعبين والعاملين إلى جانبه في الوقت نفسه، ما يخلق الكيميائية المطلوبة والضرورية لإفراز نتائج إيجابية بسرعة وفي مدةٍ قصيرة، وهو الحريص أصلاً على إرساء الانسجام دائماً، فما كان منه إلا استقدام 4 مدرّبين معه من الجهاز الفني الذي تولّى تدريب منتخب مونتينغرو، وهم مساعده ومدرّب حرّاس المرمى ومدرّب اللياقة البدنية ومحلّل الأداء.
أضف إلى هذا أنّ أكثر ما يريح في ما خصّ المدرّب العائد هي الواقعية التي يتحلّى بها، فهو يضع خططه وإستراتيجيّاته وفقاً للإمكانات الموجودة عند لاعبيه. وهذه النقطة كانت في صلب النجاحات السابقة التي أبقت منتخبنا من دون هزيمة في عهده في 16 مباراة متتالية، ليصل في أيلول 2018 إلى المركز الـ77 عالمياً على لائحة تصنيف «الفيفا»، وهو المركز الأفضل في تاريخه.
بالطبع كأس آسيا المقبلة التي سيُحضّر لها رادولوفيتش بمعسكرٍ داخلي يبدأ الأسبوع المقبل، ثم بآخر خارجي في الدوحة ابتداءً من مطلع السنة الجديدة، ستكون الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل حيث سيكون المطلوب من المدرّب العائد وفور نهاية التصفيات المؤهلة إلى كأس العالم 2026 وكأس آسيا 2027، هو بناء وتجديد تدريجيّ للمنتخب بطريقة مدروسة تعيد لبنان إلى سابق عهده تماماً كما كان في أيامه.



رادولوفيتش: سأقدّم منتخباً قويّاً مجدّداً
أكّد المدير الفني المونتينغري ميودراغ رادولوفيتش أن منتخب لبنان يمكنه أن يعود إلى سابق عهده ليظهر بصورة قوية مجدّداً بحيث يكون قادراً على الفوز في أيّ مباراة.
كلام «رادو» جاء خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الاتحاد اللبناني لكرة القدم بعد ظهر أمس في فندق «رمادا» في الروشة، وقد استهلّه مبدياً سروره وحماسته لعودته إلى لبنان «البلد الذي عملت فيه لمدة 4 أعوام حيث حقّقت نتائج أفتخر بها وأصبح لديّ العديد من الأصدقاء. لقد قرّرت العودة إلى لبنان لأنني أحب العمل مع الأشخاص الذين تواصلوا معي من الاتحاد اللبناني، وأنا أكيد أنه بإمكاننا تحقيق نتائج إيجابية كما فعلنا سابقاً».
وأشار رادولوفيتش إلى أن النتائج لا تأتي بين ليلةٍ وضحاها في عالم كرة القدم بل هي نتاج عمل «المرحلة الأساسية التي نتطلع إليها لكي نعكس الأداء المطلوب المقترن بالنتائج التي ستكون في شهر حزيران من السنة المقبلة حيث تنتظرنا مباراتان مهمتان مع فلسطين وبنغلادش. ومع وصولنا إلى ما يقارب السنة على بداية مشروعنا سيكون بمقدورنا الكلام عن استمرارية العمل الذي يفرز المستوى والنتائج».
وشدّد مدرب المنتخب الوطني على أن المواهب موجودة، لكنها بحاجة إلى برنامج عملٍ محدّد لكي تقدّم الأفضل «والأكيد أن الفترة قصيرة للوصول إلى توليفة مثالية، لكن مع الوقت أستطيع القول بأنه يمكننا تقديم منتخب قوي قادر على الفوز على أيٍّ كان، والدليل يمكن استذكار تلك السلسلة من المباريات التي لم نتعرّض خلالها لأيّ هزيمة، وهو إنجاز خطّه اللاعبون اللبنانيون».