لا شيء يُفرح قلوب البرازيليين مثل كرة القدم. القهوة مميزة هناك، لكن الكرة وحدها تجعلهم يستيقظون، يحلمون، يرقصون السامبا في الماراكانا، وساو باولو وشوارع ريو دي جانيرو.
هذا الرابط الفريد لفتَ مطامع قادة البلاد، الذين لم يترددوا في استخدام شعبية الكرة لحشد أتباع لهم. ومنذ بدء انتشار اللعبة في أميركا الجنوبية، رأى حكام البرازيل كرة القدم بمثابة رافعة سلطوية لا غنى عنها ووسيلة للتعبير عن رؤيتهم الخاصة، فتمّ استخدام منتخب السيليساو تباعاً بغرض الدعاية، كما جُنّد اللاعبون للترويج لحملات السّاسة الانتخابية.

سياسات استغلالية عاصرت أغلب زعماء البرازيل، لتبلغ أوجها في التاريخ الحديث ضمن عهد رئيس البلاد السابق جايير بولسونارو، الذي ارتدى قميص السيليساو الذهبي أكثر من مرة في التجمعات، محاولاً استخدامه كرمز لحركته اليمينية المتطرفة. كان لافتاً أيضاً استغلال بولسونارو، وغيره من زعماء اليمين المتطرف، أبرز وجوه كرة القدم البرازيلية بهدف استقدام أصوات محتملة في الانتخابات. ظهر ذلك جليّاً أثناء دعم نيمار لبولسونارو في حملته الانتخابية الأخيرة، وقبله رونالدينيو، كما تياغو سيلفا وداني ألفيس.
من الممكن أن يفرض فيفا عقوبات صارمة على البرازيل قد تصل إلى حد الاستبعاد من المسابقات الدولية


هؤلاء اللاعبون وغيرهم شقّوا طريقهم من بيوت الصفائح إلى النجومية، ورغم معايشتهم الفقر بصعوبته وظلمه، انحازوا لليمين سياسياً، ما جعلهم عرضة للانتقاد.

ظاهرة برّرها المؤرخ جواو مالايا، معتبراً أنه مع تحول العديد من اللاعبين إلى أغنياء بين عشية وضحاها، فإنهم يبدأون في التماهي مع خطاب اليمين، على الرغم من أصولهم المتواضعة. وشرح أن خطاب بولسونارو مثلاً يعتمد إلى حد كبير على النجاح الفردي، وقدرة كل فرد بالتغلب على الصعوبات التي يواجهها، لافتاً إلى أن مسار لاعب كرة القدم هو مثال على الخطاب المذكور. وفي وجهة نظر ثانية، رأى البعض أن بطش رؤساء اليمين يُجبر اللاعبين على الانصياع، حيث يستغل الزعماء نقاط ضعف النجوم، كما الحال عندما ضجّ الوسط الرياضي بأخبار تساهل بولسونارو مع قضايا الاحتيال الضريبي التي وجّهت إلى نيمار، والتهم المختلفة التي واجهها رونالدينيو بعد الاعتزال، والتي وضعته، بحسب الوسط البرازيلي، على حافة الإفلاس.

في النهاية، سقط بولسونارو أمام الرئيس اليساري لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في الانتخابات السابقة، لكن ذلك لم يضع حداً لتدخل السياسة في عالم الرياضة، وتحديداً كرة القدم.


ففي السابع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قررت محكمة في ريو دي جانيرو إقالة رئيس الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، إدينالدو رودريغيز، من منصبه، بالإضافة إلى جميع المسؤولين الذين عيّنهم، إثر ارتكابه مخالفات في وصوله إلى منصبه عام 2022. وعيّنت المحكمة رئيس أعلى هيئة رياضية في البرازيل لتنظيم انتخابات جديدة لرئاسة الاتحاد البرازيلي خلال الـ 30 يوماً التالية. وبمعزل عما إذا كانت الإقالة بمحلّها أو لا، استخدمت البرازيل سلطتها السياسية في كرة القدم كإجراء مستجدّ لاستعراض القوة، وهو ما لم يرحّب به الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، لما يعكسه من انتهاك واضح لصلاحياته في شؤون الاتحاد الكروي المحلي.

وعليه، من المرتقب أن يشكّل الفيفا ومن خلفه اتحاد أميركا الجنوبية لكرة القدم (كومنيبول) لجنةً للبتّ في هذا الأمر في 8 يناير/ كانون الثاني المقبل. وفي غضون ذلك، يمكن أن يفرض الفيفا عقوبات صارمة على البرازيل إذا تم تنظيم انتخابات جديدة لرئاسة الاتحاد البرازيلي بدون إذنها، قد تصل إلى حد استبعاد المنتخب الوطني والأندية من المسابقات الدولية.

هي أزمة جديدة تلقي بظلالها على المنتخب البرازيلي، الذي يعاني أصلاً من تخبط النتائج وضبابية حول هوية المدير الفني المقبل. المشاكل المحيطة بالسيليساو تنبِئ بسقوط حرّ، قد يصل إلى حد غيابٍ قسري ومفجع عن كأس العالم المقبلة.