لا يمكن تخيّل حجم التأثير الذي تركه ليونيل ميسي منذ اللحظة الأولى التي وصل فيها للعب في الولايات المتحدة الأميركية، إذ تضاعف عدد المشتركين لمتابعة مباريات الدوري خلال شهرين فقط من الزمن.أما فريقه إنتر ميامي، الذي تابعه مليون شخص على «إنستاغرام» قبل وصول ميسي إليه، فقد صار عدد متابعيه 15 مليوناً، وذلك في وقتٍ باع فيه نادي جنوب فلوريدا كل التذاكر الموسمية لعام 2024 بسعر يقارب ضعف السعر الأساسي تقريباً.
الواضح أن الأرجنتيني بدّل الصورة العامة لدوري الـ «أم أل أس»، لكن المطلوب هو أكثر من ذلك، إذ إنّ المفروض أن يستفيد الأميركيون من حضور أفضل لاعب في تاريخ الكرة بينهم من أجل تغيير التاريخ تماماً على غرار ما فعل ميسي عندما غيّر تاريخ اللعبة وكتب تاريخاً خاصّاً به.
هي بالفعل فرصة ذهبية لكرة القدم الأميركية من أجل تبديل صورتها الباهتة، وهي التي حاولت منذ أيام «الملك» البرازيلي بيليه و«القيصر» الألماني فرانتس بكنباور والهولندي «الطائر» يوهان كرويف والنجم الإيرلندي الشمالي جورج بست، أن تجد لها مكاناً أساسياً بين أفضل بطولات العالم، ولكنّها فشلت وانتكست مراراً تماماً كما عرفت عام 1980 عندما أدّت الصعوبات المالية إلى انفراط عقد الدوري.

شجاعة مطلوبة
لكن ومنذ إطلاقه عام 1996، عاش الدوري الأميركي بمسمّاه الحالي (MLS) استقراراً، وهو عليه الآن أن ينتقل بشجاعة إلى الخطوة التالية التي تواكب وجود ميسي فيه. وهذه الخطوة تتطلب التخلّي عن كثير من القيود على غرار قانون تحديد سقف الرواتب الذي سيسمح للأندية بالاستثمار في نجومٍ كبار على صورة ما فعلت أندية المملكة العربية السعودية أخيراً.
وبالتأكيد تبدو الأندية الأميركية قادرةً على فعلها لأنّ السوق الأميركي واسع ومليء بالمستثمرين والرعاة الذين يمكنهم أن يؤمّنوا العملة اللازمة للفرق كافةً لكي لا تكون البطولة بمنافسة ثنائية على غرار ما تعيشه بطولات أوروبية كبرى.
بالفعل وصول ميسي إلى الدوري الأميركي والتأثير الكبير الذي أحدثه يفترض أن يشجّع على إطلاق حرية الأندية في السوق وخلق نوع جديد من المنافسة بينها من أجل تعزيز صفوف فرقها، وهو ما سيزيد من شعبيتها وتالياً من عائداتها، إذ إنّ البطولة الأميركية ليست بالسيئة على هذا الصعيد، وخصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان أنّ كرة القدم لا تقف على رأس سلّم أولويات الجمهور الرياضي الأميركي، ولكن رغم ذلك يعدّ الدوري الأميركي ثامن البطولات الأكثر حضوراً جماهيرياً في العالم بمعدلٍ وصل إلى 21.034 متفرجاً في المباراة الواحدة في الموسم الماضي، وذلك وسط أجواء لافتة ومميّزة يقدّمها الجمهور من الولايات المتحدة إلى كندا التي تشارك فرقٌ منها في الـ «أم أل أس».

فرصة بيكام ثانيةً
وهذه النسبة الجماهيرية سترتفع لا محالة إذا ما رأى الجمهور نجوماً كبار مثل ميسي في ملاعبهم، ما يشجع القادمين حديثاً إليها للبقاء في دائرتها، تماماً كما حصل مع إنتر ميامي الذي وقّع مع الثنائي الإسباني جوردي ألبا وسيرجيو بوسكتس، وحديثاً مع نجمٍ آخر هو الأوروغوياني لويس سواريز.
وجود ميسي يشكّل فرصةً ذهبيةً لكرة القدم الأميركية من أجل تبديل صورتها الباهتة


طبعاً يؤمّن هؤلاء عامل جذبٍ كبير يساعد النادي على زيادة مداخيله، وأيضاً على تعزيز قوته الفنية، إذ استفاد من المبالغ لضمّ مواهب مميّزة أمثال دييغو غوميز، فاكوندو فارياتس، وتوماس أفيليس، التي تدخل الحيوية إلى تشكيلة المدرب الأرجنتيني تاتا مارتينو، إذ يعرف الأخير أنّ النجوم الواصلين إلى خريف العمر لن يكون في مقدورهم حصد الألقاب إذا لم تكن الدماء الشابة موجودة والحيوية حاضرة على أرض الملعب، فسرعان ما سيملّ الجمهور من أضواء الاستعراض ويبدؤون بالمطالبة بالنتائج والكؤوس.
المطالبة اليوم تختلف عن الماضي، إذ أصبحت عامة بالنسبة إلى الجمهور الأميركي الذي رأى قبل 16 عاماً نجماً كبيراً يترك أهم فريقٍ في العالم وقتذاك وهو ريال مدريد الإسباني من أجل الانضمام إلى لوس أنجلس غالاكسي. هو رئيس إنتر ميامي الحالي النجم الإنكليزي السابق ديفيد بيكام الذي منح الـ «أم أل أس» فرصةً للذهاب بعيداً والارتقاء إلى مستوى البطولات الأوروبية الوطنية الكبرى. لكنّ الأميركيين لم يستفيدوا من هذه الفرصة عند وصوله لاعباً، فعاد ليعطيهم واحدة أخرى عندما استقدم ميسي إليهم، فاتحاً الباب لهم للعمل الذي لم يبدأ حتى هذه اللحظة للبناء على أفضل هدية عرفتها كرة القدم الأميركية.