الدوحة | لم يكن الحضور الحاشد للبنانيين في يوم زيارة منتخب بلادهم إلى الجناح اللبناني في «إكسبو قطر» بدعوةٍ مسبقة من السفارة اللبنانية في العاصمة القطرية الدوحة، سوى دلالة على عدم استيائهم من نتيجة المباراة الأولى له في نهائيات كأس آسيا (خسر لبنان بثلاثة أهداف نظيفة أمام قطر). هم قابلوه بابتسامات و«طبل وزمر»، وبأهازيج مشجّعة وبهتافات وطنية ممزوجة بمشاعر حقيقية.كل هذا هو دلالة أخرى على أن منتخبنا لم يكن بذاك السوء المخيّب للآمال، لكن النتيجة النهائية للمباراة تمحو في كل مرّة يستذكر فيها المشاهد تفاصيلها، كل المجهود الكبير الذي قدّمه اللاعبون على مدار 100 دقيقة وأكثر وأمام أكبر حشدٍ جماهيري لعبوا أمامه في مسيرتهم، بعدما أصابت المواجهة رقماً قياسياً لمباراةٍ افتتاحية لكأس آسيا بوصول عدد الجمهور إلى 82.490 متفرجاً.
النتيجة مؤلمة بلا شك استناداً إلى ما كان متاحاً تحقيقه في تلك المباراة، لكن الأكثر ألماً هو ما قد يجعل كل هؤلاء اللبنانيين دامعين إن كان المتواجدون منهم في قطر أو أولئك الذين بقوا في الوطن متابعين شغوفين لمنتخب بلادهم وداعمين له أيّاً كانت نتائجه.
احتفل اللبنانيون من مختلف الأعمار بالمنتخب اللبناني عند لقائه رغم الخسارة أمام قطر (طلال سلمان)

مقارنة ساقطة
بالفعل قد يكون البكاء هو المشهد الأكثر واقعية ومنطقية عندما تذهب إلى أي مقارنة بين قطر ولبنان، وبين وضع المنتخبين لناحية الموارد الكروية التي تؤمّنها البحبوحة المادية بالدرجة الأولى. هنا الوزير قد لا يبكي لوحده، بل سيبكي شعبٌ رياضي بأكمله لأنه يدرك تماماً بأنه لو سُخّرت لأبنائه جزءاً مما يحصل عليه غيرهم لكان منتخبهم رقماً صعباً في القارة الأكبر في العالم.
فمن تابع الدقائق الـ44 التي سبقت الهدف الأول أمام قطر، أدرك تماماً بأن لبنان كان بإمكانه الخروج بنتيجةٍ أفضل وأن الإمكانات الموجودة في منتخبنا أكثر من جيّدة. لكن كل هذا لا يكفي لإفراز حاضرٍ قوي ومستقبل أفضل لخلق استمرارية نجاح، فهذه الأخيرة مبنيّة على أسسٍ تتعدى المسائل الفنية والإدارية، إذ إن الإمكانات الفردية موجودة عند لاعبي لبنان، واتحاد اللعبة وفّر ما يلزم لإعدادهم للبطولة القارية، لكن المطلوب أكثر ولا يرتبط بمباراة أو ببطولة بل بنظامٍ عام ينقسم إلى قسمين أحدهما كروي وآخر رسمي.
من هنا، قد يكون البكاء مبرّراً عند النظر إلى نقاطٍ معيّنة في المقارنة بين بلدين ومنتخبين، فهناك منتخبٌ قطري لا يقارن بكثيرين في القارة الصفراء لناحية الإمكانات المادية التي توفّر له ولجهازه الفني أي شيء يحتاجه من معسكرات ولقاءات على مستوى عالٍ إلى تعزيز الكادر الفني بأصحاب خبراتٍ استثنائية كوجود النجم الأسترالي تيم كاهيل مديراً تقنياً للمنتخب «العنابي»، وهو الذي يحمل تجاربه العالمية مع الأندية ومنتخب بلاده إلى لاعبي قطر الذين يستفيدون منها إلى أقصى الحدود.
قد يكون البكاء هو المشهد الأكثر واقعية ومنطقية عندما تذهب إلى أي مقارنة بين لبنان ومنافسيه


وبين رؤية كاهيل بدورٍ فني مع قطر ومواجهة السعودية مع مدربها الإيطالي الشهير روبرتو مانشيني ومساعده النجم المعروف الايفواري يايا توريه، يجب أن يبكي الجميع عند رؤية ملاعب قطر الكفيلة بتأمين كل ما يلزم لرفع مستوى اللاعب إلى أقصى درجاته.
هي ملاعب مونديالية يستطيع المنتخب القطري أن يستخدمها ويتدرّب ويخوض مبارياته عليها، فيصبح كل شيء سهلاً بالنسبة إليه. في المقابل، لا يملك لبنان ملعباً عشبياً واحداً صالحاً لاستضافة مبارياته البيتية التي أصبح مجبراً على خوضها بعيداً من الديار.
هنا قد تكون الدموع مبرّرة بمجرد وجود منتخبنا بين افضل 24 منتخباً بعدما تأهل إلى البطولة القارية رغم المعاناة التي تعيشها البلاد وابتعاد الدولة اللبنانية عن تأدية واجباتها وتأمين ملعبٍ صالح لمنتخبها.

(طلال سلمان)

سلّة فوارق
فعلاً هي سلّة واسعة من الفوارق التي تُسقط أي مقارنة بين لبنان وقطر وأي بلدٍ آخر، فهل لدينا نظام تجنيس محدّد لمساعدة منتخباتنا الرياضية من باب المصلحة العامة؟ وهل لدينا نظام عام يتعاون عبره الكل للاحتفاظ بالأجانب المميزين لتمضية المدة الزمنية القانونية في الدوري المحلي من دون تركه، من أجل منحهم الجنسية للدفاع عن ألوان منتخب الوطن تماماً كما فعل القطريون الحريصون على مستوى الدولة عامةً لإبقاء منتخبهم في أعلى المراتب؟
ماذا عن فرض نظام لتطوير المواهب الناشئة عبر متخصّصين وأصحاب خبرة، يفرز لاعبين موهوبين بشكلٍ دوري كما هو الحال في أكاديمية «أسباير» الغنية عن التعريف في هذا الإطار؟
بالفعل علينا أن نبكي جميعاً كما بكى الوزير كلاس فرحاً بشبابٍ أوصلوا لبنان إلى ما لا يمكن أن يصل إليه أي بلدٍ آخر إذا ما عانى من نفس ظروفهم، وحزناً على بلدٍ كان بإمكانه أن يكون افضل من الجميع على مختلف الأصعدة ليقدّم منتخباً مثالياً مستفيداً من كل ما ذُكر سلفاً من أساسيات وضروريات لا يمكن تأمينها إلا بوجود دولةٍ حريصة على رياضتها وأجيالها التي ربما كانت السبب في بكاء الوزير كأبٍ ومواطنٍ ومسؤول بحسب ما قال، لأنه عرف كما نعرف جميعاً بأن لا مستقبل لها في بلدها الأم، ولا مؤشرات بأن دولتها ستؤمّن لها جزءاً بسيطاً مما تأمّن لشباب قطر وغيرها من البلدان المجاورة التي سبقها لبنان في المجال الكروي وتفوّق عليها بسهولة في الماضي البعيد.